أرشيف التصنيف: فكر

تأملات قرآنية في العلاقة بين الدعوي والسياسي

كل إنسان مؤمن يستفيد من القرآن وفق اختصاصه واهتماماته وحالاته الإيمانية والنفسية والعائلية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية. لا شك أن الغالب في التعامل مع القرآن هي الحالات الشخصية، لأن أغلب ما في القرآن عقائد وإيمانيات وأخلاقيات تخاطب الإنسان كفرد لتشكل إيمانه وتثبت اعتقاده وتصلح أخلاقه وتُديم وتُجمّل عبادته، فإن كان المؤمن على هذا الحال من التأثر الشخصي بالقرآن ستكفي الآيات القليلة في الشأن السياسي والاقتصادي والاجتماعي الموجودة فيه لتجعل منه صانع نهضة وحضارة. لا غرو أن يُبْقِي الإنسان تفاعلاته الإيمانية مع القرآن لنفسه في الغالب، لأنها لا تهم الناس في الأصل، ولكن حين يتعلق الأمر بالقضية السياسة أو الاقتصادية أو الاجتماعية يشعر قارىء القرآن أحيانا بالحاحة إلى تبادل أفكاره في هذه المجالات مع الناس… لأنها تهم الناس.

آية كريمة استوقفتني في تراويح ليلة من الليالي السابقة أخذتني بعيدا في التأمل في قضية سبق لي أن تناولتها بالدراسة وهي علاقة السياسة بالدعوة.  يقول الله تعالى: ((وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِين)) يوسفَ (103). خاطب الله تعالى نبيه الكريم الرحيم بالناس، الحريص على هدايتهم جميعا، بأن حرصك لن يجدي نفعا، وأنك مهما فعلت وبذلت سيكون أكثر الناس غير المؤمنين، وهذه الحقيقة ثابتة إلى يوم الدين أكدتها نصوص كثيرة منها الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “يقول الله يا آدم، فيقول: لبيك وسعديك والخير في يديك، قال: يقول أخرج بعث النار، قال: وما بعث النار ؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين”، بل يؤكد  سبحانه وتعالى لنبيه في نفس سياق الآية الأولى أن أكثر من يؤمن في إيمانه شرك، كحال العرب الذين آمنوا بالله وأقروا بوجوده ولكنهم عبدوا غيره وأشركوا به فاعتقدوا النفع والضر والعطاء والمنع عند غيره وفق قوله عز وجل: ((وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ)) يوسف (106)،  وأغلب البشر هكذا، وكم هم كثير في المليار والنصف من المسلمين الذين يفسدون إيمانهم بأنواع كثيرة من الشرك والعياذ بالله، منها ما يفسد الإيمان ومنها ما يبطله. بل الأمر أدهى من هذا حين يخبر الله نبيه بأن كثيرا من هؤلاء لا يكتفون بشركهم لأنفسهم بل يودون وربما يناضلون لكي تشرك مثلهم، قال تعالى: (( وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ)) الأنعام 116.

تبين هذه الآية بأن الدعوة إلى الله لن تدخل الناس كلهم في الدين مهما فعل الأنبياء، ولو كان سيدهم محمد عليه وعليهم أفضل الصلاة وأزكى التسليم الذي سيُباهي الأنبياء بعدد أفراد أمته يوم القيامة إذ سيكونون أكثر من بقي على التوحيد بين الديانات والملل والمعتقدات. ومهما اجتهد العلماء والدعاة من بعد خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم لن يجعلوا إلا قليلا من الناس مهديين مستقيمين. غير أن هذه القلة المؤمنة المستقيمة التي تحافظ في كل عصر وعهد على التوحيد وعلاقة السماء بالأرض هي ملح الكون التي من أجلها يبقي الكون، وإذا اندثرت فلم يبق منها أحد قامت الساعة كما جاء في الحديث الصحيح (( لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق)).

إن هذه الحقيقة النصية القطعية الساطعة تطرح مشكلا أساسيا في فهم نصوص أخرى تتحدث عن غلبة أهل الحق وانتصارهم على الباطل بل تتحدث عن ظهور الإسلام على غيره من الملل كما جاء في قوله تعالى قي سورة الفتح :(( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَق ِّلِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا)) (28) وقوله تعالى في سورة التوبة :(( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُون))َ (33)، وقوله سبحانه وتعالى: (( إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)) غافر 51، وقوله تعالى: ((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)) النور (55)، وفي الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم (1920) من حديث ثوبان، رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ” لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ”

إن الممارس الذي يعاني تناقضات الحياة وتعقيداتها، ويعيش طبيعة الصراع الدائم بين الحق والباطل، أفرادا ومجتمعات وأمما، فيغلب الحقُّ تارة ويُهزم تارة وفق سنة التداول التي ذكرها الله في كتابه بقوله: ((إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِين))َ (140)، لَيَتأكد لديه بأن هذه النصوص تتحدث عن عالمين مختلفين  تبدو لغير المتأمل أنها متناقضة. فإذا ما أدرك ذلك عرف لماذا وكيف غلب حين يغلب ، وحين ينهزم لماذا وكيف انهزم، حتى يستقر المنهج في فكره وحياته متى وكيف ينتصر أو ينهزم في مقارعته للظلم وأهله.

إن الآيات الأولى تتحدث عن عالم الدعوة التي هدفها هداية الناس وإعلاء القيم، وهي من ناحية الأعداد والانتشار محدودة النتائج ولكن في مجال الأثر في الحياة كبيرة الأثر ، حيث أنها تفلح دائما في البقاء والنمو، وإذا تعرضت للصد والقمع لا يستطيع أحد استئصالها مهما بلغ من قوة ومهما كان مكره وعدوانه، ولن ينتهي وجودها من الأرض إلا بإرادة الله حين يبلغ موعد قيام الساعة فيقبض إليه آخر من بقي من المؤمنين فلا يفزعهم هول قيام الساعة كما في النصوص الصحيحة الواردة في الموضوع. وبالإضافة إلى دور الدعوة في هداية الخلق إلى التوحيد والاستقامة وعبادة الله سبحانه، فهي تساهم كذلك في نشر القيم العليا المشتركة بين الخلق وإعلائها بين الأمم، كافرهم ومسلمهم، ملتزمهم وعاصيهم، لحفظ توازن الحياة البشرية واستمرارها ضمن منهج إتمام مكارم الأخلاق المتأصلة في الفطرة البشرية مهما كانت معتقداتهم، كقيمة الصدق والكرم والحلم والشجاعة والنجدة والعدالة وغيرها مما قصده رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الحسن عن أبي هريرة: ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.

وأما الآيات الثانية، فإن المقصود بها عالم السياسة، الذي يُطلب فيه من المؤمنين والمصلحين أن يكونوا قادة للناس لتحقيق مصالح الخلق، وحمايتهم من شرور أنفسهم وشرور بعضهم بعضا، وأن تكون راية الإسلام عالية وحكمه ماض وعدله جار في المسلمين وغير المسلمين، وفي الملتزمين من المسلمين وغير الملتزمين، ومن شاء من الناس في حكم الإسلام أن يؤمن فليؤمن ومن شاء فليكفر فليكفر، ولا يُكره أحد في دينه ومعتقداته، ولا يطلب من الناس طاعة إلا بقدر بسط العدل بينهم، وتحقيق مصالحهم التي هي واجبات الدولة، وبقدر توفر الحرية بما يجعلهم قادرين على اختيار الحاكم وعزله واختيار القوانين التي يذعنون لها ويلتزمون بها بقناعة وحب، ومن خالفها تحق عقوبته بعدل الدولة وبإنكار المجتمع ذي الضمير والخلق القويم. 

لا شك أن إقامة حكم بهذا النوع لا يكون بالمتدينبن فقط، سواء على مستوى القطر الواحد أو على مستوى الأمة أو على مستوى العالم، إذ هم في كل الأحوال قلة بين الناس، ولكن يكون الحكم وإدارة الدولة بهم وبغيرهم، ولذلك تشكيل القوة للوصول إلى التمكين والنفوذ لا يكون على أساس علاقات دعوية، بل على قواعد سياسية تدور حول المصلحة، سواء المصلحة العامة التي قد تكون مساحة الاهتمام المشترك لتشكيل الأحزاب والمنظمات والأحلاف ومراكز التأثير، وقد تكون المصالح الخاصة الشرعية التي تشكل مواطن الجذب لتركز القوة في بؤرة واحدة يتحقق فيها الطموح الشخصي المادي أو المعنوي. والعبقرية كلها في دائرة السياسة بالنسبة للمتدينين المصلحين المشتغلين في هذه الدائرة السياسية أن يكون لهم برنامج وخطاب وسلوك ومشاريع وعلاقات تحقق هذا، فإن تمكنوا لن يستمروا في الحكم بإكراه الناس على فكرهم وبرنامجهم ولكن بمدى مصداقيتهم وهم في الحكم وبمدى تحقيق برامجهم وأفكارهم لمصالح الناس المادية والمعنوية. وبخصوص برنامجهم فهو برنامج للمواطنين جميعا وليس للمتدينين فقط، من حقهم أن يضعوا فيه فكرهم الإسلامي وبدائلهم التي يستلهمونها من الكتاب والسنة، ومن حقهم، بل واجبهم، أن يعتقدوا بأن برنامجهم هو الأصلح للبلاد والعباد، ولكن لا يتوقعون أن الناس يختارونه لأنه يمثل الدين، أو لأنهم يتكلمون باسم الدين. لا شك أن ثمة من المسلمين من يميل لهذا البرنامج لأنه يمثل لهم انسجاما نفسيا وربما فكريا مع معتقداتهم، ولكن ليس هذا الذي يجعل عمومهم يجزمون بدعمه واختياره ومناصرته والدفاع عنه. ما يجعلهم يفعلون ذلك هو مدى تحقق مصالحهم فيه، وهناك خلق كثير من غير المسلمين وغير الملتزمين لا يختارونه إلا لهذا، أي من أجل مصالحهم.

ومن هنا تنهار كلية القاعدة المطلقة والطريق الحتمي الوحيد للتغيير الإسلامي، الذي شاع عقودا طويلة في القرن الماضي بين  الإسلاميين، المسمى “التغيير من الأسفل” ، أي أنه لا يمكن وفق هذه النظرة إقامة الحكم الإسلامي إلا بعد إنشاء قاعدة تربوية واسعة. لقد أكدت التجربة العصرية في مصر وتركيا ما أكدته تجارب التاريخ من قبل في قيام الدولة الأموية وتجربة عمر بن عبد العزيز.  لقد عجزت القاعدة الإسلامية التربوية قي مصر  على تحقيق التمكين حين عجز قادة هذه القاعدة التربوية العريضة عن استعمال القواعد السياسية للتغيير، رغم الفرصة العظيمة التي أتيحت على إثر الربيع العربي.  و في نفس الوقت نجحت الدعوة في بناء نخبة قليلة استطاعت أن تتمكن وأن تصنع التغيير في تركيا وفي الأمة حين عملت بأخلاق الدعوة ولكن بقواعد العمل السياسي الذي يدور حول المصلحة العامة والمصالح الشخصية المشروعة، في محيط شعبي ورسمي علماني أكثره غير ملتزم باشتراطات الدعوة. وعلى مستوى التجارب الكثيرة التي عرفها التاريخ الإسلامي  يمكن أن نتحدث عن تجربة الأمويين الذين قدروا على فرض أنفسهم في الدولة بقواعد الصراع السياسي ضمن  مجتمع أسياده صحابة رضي الله عنهم وتابعون رحمهم الله، ثم ثمة تجربة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه – على نقيض ذلك – الذي استطاع أن يصل إلى الحكم ويصلح من فوق في بيئة حكم فرضها بالسيف الحجاج بن يوسف.

فالعلاقة إذن بين الدعوة والسياسة علاقة تأثير متبادل وفق سنن اجتماعية وفرص يصنعها حراك البشر وفق مقادير يقدرها ويؤقتها الله يسخر لها من لهم أهلية وكفاءة في اهتبال الفرصة وإدارة الصراع وصناعة التأثير، وقد تفلح الدعوة في إعداد بيئة مجتمعية تصلح الحكم، وقد يفلح الحكم في إعداد بيئة سياسية تصلح المجتمع.  

وفي الأخير فإن القاعدة الذهبية التي يجب أن نحفطها كنتيجة لهذه الجولة الفكرية الرمضانية هو أن المصلحين لا يستطيعون تغيير الأوضاع الوطنية والدولية المنحرفة بعدد الصالحين ولا بقوتهم الذاتية فحسب، فهم مهما كانت قوتهم وتضحياتهم، أضعف بكثير من  القوى المتسلطة وطنيا وإقليميا ودوليا، يؤكد ذلك التاريخ والنصوص، وإنما ينجحون في ذلك إذا أحسنوا الأداء ووضعوا أنفسهم في المكان المناسب. إن هم فعلوا ذلك ستدركهم السنن الاجتماعية إذا تحركت فتحملهم إلى موقع القيادة والريادة فيكون انتصارهم بالسنن الاجتماعية، بحسن الإعداد وإدارة الصراع والقدرة على الاستفادة من قوى التأثير الأخرى … ولنا أن نتأمل كم مرة تحركت السنن الاجتماعية فكان الصالحون غير جاهزين لاغنتامها، لعجزهم وقلة كفاءتهم أو ربما لأنهم اعتقدوا بأن الله سيوفقهم لأنهم صالحون فحسب !  

بحث: الحكم الراشد وآليات مكافحة الفساد

 ملخص بحث: الحكم الراشد وآليات مكافحة الفساد.

د. عبد الرزاق مقري

الأمين العام لمنتدى كوالالمبور للفكر والحضارة

هذا البحث عبارة عن كتاب ألفته ثم قمت بتحيينه للمشاركة به في المؤتمر الثالث لمنتدى كوالالمبور  بالخرطوم – السودان في 17-18-19 نوفمبر 2016، وقد قمت بتلخيصه إلى سبع صفحات على النحو التالي:  

يحتوي البحث فصلين كبيرين هما موضوعه: أسس الحكم الراشد ومكافحة الفساد.

أما الفصل الأول فيشمل مبحثين:  يهتم المبحث الأول بتحديد معنى الحكم الراشد وشروطه وفق نصوص الأمم المتحدة، وبرنامج الأمم المتحدة للإنماء تحديدا، نؤكد فيه بأن نظريات الإصلاح المعروضة علينا من المنتظم الأممي مقبولة في مضمونها، وأنها سبيل للإصلاح فعلا، ويتضح من ذلك، بشكل تلقائي، بأن سياسة استغلال المنظمات الدولية من القوى الدولية أمر مناقض لما تريده هذه المنظمات. أما المبحث الثاني : فهو خلاصة لما يتضمنه الفكر الإسلامي في الموضوع من خلال تحديد أسس الحكم الراشد في الإسلام من ناحية التجربة والنظرية السياسية، أدرجناه للاستئناس، وليظهر للقارئ بأننا بمطلب الإصلاح لا نبتدع شيئا، بل نسير على رضوان الله، وهدي رسوله، وخطى الخلفاء الراشدين إن شاء الله، فيزداد حماسمنا  وأنسنا وعزتنا بما نقوم به من استمرار المطالبة بالإصلاح، لتنعم أمتنا بالخير والفلاح.                                 

وأما الفصل الثاني: فهو عبارة عن مجموعة من الدروب الموصلة لرشد الحكم من خلال مكافحة الفساد

الفصل الأول: في الحكم الراشد.

المبحث الأول: في معنى الحكم الصالح وشروطه في المنظومة السياسية العصرية

قبل الحديث عن الحكم الراشد (أو الصالح) لا بد أن نحدد معنى الحكم ذاته، فكلمة الحكم التي نقصدها في بحثنا هي التي تعني ممارسة السلطة وإدارتها لشؤون المجتمع، وموارده، وتطوره الاقتصادي والاجتماعي.

أما عن الحكم الراشد، أو الحكم الصالح، فإن هذه العبارة أصبحت شائعة في القاموس المعاصر للشأن السياسي والعلاقات الدولية فهي في تأتي في أدبيات الأمم المتحدة ضمن إطار حكمي وقيَمي للتعبير عن ممارسة السلطة السياسية لإدارة شؤون المجتمع، بما يجعل هذا المجتمع ناميا ومتقدما ومتطورا بمشاركة جميع أفراده وبراضهم، وبما يجعل ظروف هؤلاء المادية والمعنوية في تحسن مستمر.

     وعلى هذا الأساس فإن برنامج الأمم المتحدة للإنماء يشترط في الحكم الصالح ثلاثة أبعاد متكاملة غير قابلة للتجزئة وهي : البعد السياسي المتعلق بطبيعة السلطة السياسية وشرعية تمثيلها، والبعد التقني المتعلق بطبيعة الإدارة العامة وكفاءتها وفاعليتها، والبعد الاقتصادي ـ الاجتماعي المتعلق بطبيعة بنية المجتمع المدني ومدى حيويته واستقلاله من جهة، وطبيعة السياسات العامة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، وتأثيرهما في المواطنين من حيث الفقر ونوعية الحياة، كما علاقتها بالطبع مع الاقتصادات الخارجية، والمجتمعات الأخرى من جهة أخرى، ثم أضيف بعد رابع متعلق بالبيئة وحماية المحيط يما يجعل التنمية مستدامة توفر الحياة السعيدة للإنسان في الآن وتحفظ حقوق الأجيال.

بغض النظر عن الخلفية الأيديولوجية الذي قد يتضمنها هذا التعريف فإن الشروط التي ينص عليها ترتكز على دراسة عميقة وواقعية لتطور أوضاع المجتمعات وأنظمة الحكم في العالم،  فلا يتصور فعلا أن يكون حكم راشد من دون منظومة سياسية تقوم على أساس الشرعية والتمثيل، فلا يعقل لحكم قائم بالتسلط، معزول عن السكان أن يؤدي إلى وضع صالح وراشد في مختلف نواحي الحياة، يلبي فيه الناس طموحاتهم وتحقق حاجاتهم . فالشرعية والتمثيل هما  اللذان يعبران عن الصلة الصحيحة بين الحاكم والمحكوم وهما اللذان يؤديان إلى التفاعل الإيجابي بين الطرفين بما يحقق التوافق والتعاون والتناصر والانصراف إلى خدمة الصالح العام، الذي تتحق في إطاره مصالح الأفراد بشكل أشمل وأعم، بدل الاشتغال بالتنازع الذي تتوقف فيه عجلة البناء وتضيع فيه مصالح أغلب الناس . ولا بد من القول بأن النظام الديموقراطي يمثل أحسن ما وصلت إليه البشرية لحد الآن  لتحقيق هذا الغرض.

إن البعد السياسي هو البعد الأساسي في الشروط الثلاثة التي يذكرها تعريف منظمة برنامج الأمم المتحدة للتنمية، باعتباره يؤثر تأثيرا مباشرا في الشروط الثلاثة الأخرى بل هو شرط سابق لهما، غير أن البعد السياسي وحده لا يكفي فلا بد من توفر منظومة إدارية عامة فاعلة ملتزمة بالإصلاح فكرا وسلوكا وأداء، فمن دلائل رشاد الحكم صلاح إدارته ، فالإدارة هي الوسيلة المباشرة لتنفيذ مشاريع الإصلاح،  والإدارة التي تقدر على هذا لا بد أن تتوفر فيها شروط أساسية، منها ما يتعلق بالإنسان من حيث كفاءته وسلوكه وتفانيه في العمل وقدرته على التطور، ومنها ما يتعلق بالنظم الإدارية، والإجراءات المعمول بها، وقواعد التسيير، وطرق التوظيف، ومعايير التولية والترقية، وقواعد التحفيز، وبرامج التطوير والتدريب. ومنها ما يتعلق بوظيفة التخطيط، وطرائق اتخاذ القرار  في كل مستوى وبين مختلف المستويات. و منها ما يتعلق بمستوى الخدمة العمومية المقدمة للمتعاملين والمواطنين من حيث السرعة والنجاعة والنوعية والشفافية. ومنها ما يتعلق بالقدرة على استعمال الوسائل التقنية الحديثة والتطور معها والاستفادة منها .                        

     إن رشاد المشروع السياسي في البلد الذي يريد الإصلاح، ومستوى الأداء والخدمة الذي تتميز بها الإدارة، لا بد أن يؤديان مباشرة إلى حصول نتيجة صالحة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، فتتحسن أوضاع الناس، ويشعرون بمتعة العيش في بلدانهم، فيتمسكون بها،  و لا  يلجؤون لمغادرتها والهجرة  لعمارة بلاد أخرى غير بلدانهم، يضطرون فيها للتخلي عن كرامة المواطنة، وربما عن قيمهم وثقافتهم . و المنظومة الاقتصادية والاجتماعية التي تتناسب مع معايير الإصلاح والرشد لا تعني الاقتصاد الريعي الذي لا  يعبأ بمشاركة المواطنين في بناء الثروة الوطنية، ولا الاقتصاد الذي تسيطر عليه أقلية رأسمالية متوحشة يضمن التوازنات الكبرى ولكن ينتج الفقر بالجملة، ولا الاقتصاد القائم على المساعدات الأجنبية، والمكبل بالمديونية، الذي يسير أزماته بخدمة سياسات أجنبية مقابل البقاء. إن الحكم الراشد هو في نهاية الأمر الحكم الذي يقدر على ضمان حاجات الناس في الآن، وحاجات الأجيال في المآل، ولا يكون ذلك إلا بإدراك الحاكم لضرورات التنمية الاقتصادية، وآثارها على حياة الناس وعلى استقرار البلد وانسجامه وسيادته، وبالأخذ بالأسباب المؤيدة لرفع تحدي التنمية والتقدم والتطور، ولا توجد معجزات في هذا المجال، فلقد استطاعت دول لا تملك ثروات ولا إمكانات، ولا موقعا جغرافيا مناسبا، و لا موارد بشرية كافية أصلية، أن تحقق الوثبة الاقتصادية حينما كان حكمها راشدا، في حين أن دولا تملك أكثر مما ذكر عجزت في ذلك، لأن حكمها لم يكن صالحا، رغم الشعارات والادعاءات. لا توجد فعلا معجزات، وإنما هو سداد الرأي والأخذ بأسباب العلم، ومكافحة الفساد المكبل للاقتصاد، والتخطيط الاستراتيجي بعيد المدى، وتحديد الأولويات التنموية الاستراتيجية وفق مؤهلات البلد وظروفه وفرصه ، وتتكفل الدولة وفق ذلك بالمجالات الاستراتيجية، خصوصا باهضة الثمن منها الهياكل القاعدية والصحة والتعليم  وغيرها ، وتشجيع القطاع  الخاص وتمكينه من أداء دوره وتحقيق التكامل معه، وإتاحة الفرصة له ليصنع الحياة في مختلف المجالات في قطاعات الصناعة والزراعة والتجارة والخدمات ، وفسح المجال لبروز مجتمع مدني فاعل ومفيد ومستقل وتلقائي، يساهم في المراقبة والمساءلة من جهة، وفي تثقيف أفراد المجتمع وإعانتهم على تطوير أنفسهم والدفاع عن حقوقهم من جهة أخرى، كما يمكنه كذلك أن يتحمل جزء مهما من الأعباء الاجتماعية من خلال المساعدات المباشرة  أو بمساعدة الأفراد لدخول عالم الشغل وبناء المؤسسات الصغيرة، ونعني بالمجتمع المدني تبعا لهذه الوظائف مجموعة الجمعيات التي ينظم المجتمع نفسه بواسطتها بشكل طوعي، و النقابات العمالية، والجمعيات والروابط المهنية، وشبكة المنظمات غير الحكومية الدفعية والحقوقية، والجمعيات الثقافية والخيرية والإغاثية والدينية، والتعاونيات الاجتماعية، والاتحادات الطلابية والشبابية والنسوية والنوادي الرياضية والفنية، وجمعيات رجال الأعمال، وهيئات الرأي والإعلام،  وجمعيات الدفاع على البيئة، ومراكز البحوث والدراسات، والمؤسسات الأكاديمية وغيرها ، ويمكن أن نضيف إليها الأحزاب السياسية على اختلاف بين المتخصصين في انتمائها للمجتمع المدني أو أجهزة الدولة خصوصا إذا كانت ممثلة في البرلمان.

      إن تحالف الرؤية الاستراتيجية للدولة وقيامها بدورها المنظم والمحفز والمسهل والمشارك في المجالات الاقتصادية الاستراتيجية من جهة، مع حيوية وجدية القطاع الخاص وتشعب وتنوع وفاعلية المجتمع المدني من جهة أخرى ـ ضمن منظومة قانونية شفافة ومتكاملة وصارمة ومرنة وفي إطار الحرص على تطبيقها ومحاربة ما يفسدها ـ  يجعل الحكم صالحا بكل المقاييس، مؤديا فعلا لتحقيق الآثار الإيجابية على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي.

     غير أنه لا بد من تحديد المقصود من النجاح في المجال الاقتصادي والاجتماعي. إنه لم يصبح مقبولا تعريف النجاح الاقتصادي بتحقيق معدلات تنموية عالية، والتوقف عندها. لقد أثبتت تجارب السنوات الماضية في عدة دول  بأن  المعدلات التنموية المرتفعة، واستقرار التوازنات المالية الكبرى، لا تكفي لمحاربة الفقر، ولا تؤدي للتوزيع العادل للثروة، كما أن تحسن الدخل القومي لا يعني تلقائيا تحسين نوعية حياة المواطنين . لهذه الأسباب تغيرت مفاهيم التنمية في المؤسسات الدولية، من التركيز على النمو الاقتصادي، إلى التركيز على التنمية البشرية، ثم التنمية البشرية المستدامة التي تضمن حقوق الأجيال القادمة، أي الانتقال من الرأسمال البشري إلى الرأسمال الاجتماعي، وصولا إلى التنمية الإنسانية. ويمكننا في هذا الإطار أن نتفق على المؤشرات الخمسة التي وضعها برنامج الأمم المتحدة للإنماء لقياس التنمية البشرية المستدامة في أي بلد:

1 ـ التمكين : أي توسيع قدرات المواطنين وخياراتهم، وإمكانية ممارستهم لحرية الاختيار بعيدا عن الجوع والحرمان، وبالتالي إمكانية مشاركتهم الفعلية في القرارات التي تتعلق بحياتهم وتؤثر فيهم.

2 ـ التعاون : وفيه تضمين لمفهوم الانتماء والاندماج والتضمينية كمصدر أساسي للإشباع الذاتي الفردي، حيث التعاون هو التفاعل الاجتماعي الضروري، وتكون التنمية البشرية معنية بهذا البعد.

3 ـ العدالة في التوزيع : وتشمل الإمكانيات والفرص وليس فقط الدخل، وكمثال على ذلك حق الجميع في الحصول على التعليم .

4 ـ الاستدامة : وتتضمن القدرة على تلبية حاجات الجيل الحالي من دون التأثير سلبا في حياة الأجيال اللاحقة، وحقها في العيش الكريم.

5 ـ الأمان الشخصي : ويتضمن الحق في الحياة بعيدا عن أية تهديدات أو أمراض معدية أو قمع أو تهجير.

المبحث الثاني: في حقيقة وأسس الحكم الراشد في الفكر  الإسلامي

إن الصلاح، أو الرشد،  هو مقصد الدين، إذ لا معنى للإيمان بدون عمل صالح، والصلاح في دوائر الحكم من أوجب الواجبات.

إننا لا نريد أن نكون ممن يبالغون أثناء تمجيدهم للتجربة السياسية الإسلامية في مجال الحكم، فلا يعترفون بضعف اعتراها، أو انحراف أصابها. كما أننا لا نريد أن نكون ممن يظلمون تجربة الحكم الإسلامي، فيصفونه بالانحراف على طول التاريخ . لا يستطيع أحد أن ينكر بأن التجربة الإسلامية تضمنت نموذجا ساطعا للحكم الراشد ونظرية سياسية متكاملة أسست له، ولها القدرة على التكرر متى توفرت شروطها.

إن الدراسة المعمقة في الفكر السياسي الإسلامي لكبار العلماء الذين اهتموا بما سمي بالسياسة الشرعية أو الفقه السياسي، أو فقه إدارة الشأن العام مثل أبي عبد القاسم بن سلام وأبي يوسف، والشيباني الذي عده الغربيون مؤسس القانون الدولي، وعبد الرحمن بن خلدون، رائد مدرسة الاجتماع السياسي صاحب المقدمة، وأبي إسحاق إبراهيم الشاطبي صاحب الموافقات ونظرية المقاصد، وأبي الحسن علي بن محمد الماوردي البغدادي صاحب (( الأحكام السلطانية ))، وغير هؤلاء كثير كأبي حامد الغزالي وأستاذه الجويني والباقلاني والبغدادي والرازي واللآمدي وأبو يعلى وابن تيمية وابن قيم والقلشقندي، و كذلك بعض من نقل عن تجارب الأمم الأخرى في مسألة الحكم الراشد كابن المقفع والجهشياري والماوردي نفسه، يستخرج نظرية سياسية متكاملة في الحكم الصالح في عصرهم ووفق ظروفهم، لم تصل إليها الأمم الأخرى في تلك المرحلة.

وأهم ما في هذه النظرية أن دائرة السياسية في الشريعة الإسلامية من أوسع الدوائر، من حيث مجال الاجتهاد والابتكار المتجدد ضمن الدوائر الأخرى، كالعقيدة والعبادات وجوانب كثيرة من المعاملات، حيث أن فترة الخلافة الراشدة نفسها لم تحسم قضاياها السياسية الجوهرية من خلال نصوص قطعية إلزامية، بل تُرك الأمر للاجتهاد، وعلى رأس هذه القضايا مثلا قضية التولية، أو ما يسمى في المصطلح السياسي المعاصر بقضية التداول على السلطة، فلم يستقر المسلمون على طريقة واحدة.

إننا حينما ندرس مصنفات أولئك العلماء نجد علما غزيرا يستفاد منه وحينما نجتهد في معرفة على ما يجتمعون في تحديد معالم الحكم الراشد نجدها أربعة قواعد وأسس فصّلت فيها كثيرا في البحث وأكتفي هنا بذكرها فقط وهي :   العدل، الشورى، القانون ( أو الشريعة)،  المسؤولية. مع التأكيد بخصوص المسؤولية أن المسؤولية في الفكر الإسلامي ترتكز على العقد الاجتماعي المبرم بالبيعة بين الحاكم والمحكوم، وبينت هنا  أن المسؤولية المقصودة هنا هي المسؤولية الدنوية بالأساس، إذ المسؤولية الدينية يحاسب عليها الإنسان في حياة أخرى غير هذه الحياة، وإنما تكون هذه المسؤولية الأخرى أساسا لصلاح الإنسان ليسعد كذلك في دنياه.

الفصل الثاني: في آليات الحد من الفساد

المبحث الأول: خصصته لتعريف الفساد شرعا وفي الفكر المعاصر.

المبحث الثاني: في محاربة الفساد والتعسف في استعمال السلطة في الفكر الإسلامي: ركزت فيه على النصوص النظرية المتعلقة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعن مؤسسة الحسبة كتجربة تاريخية: وقد بينت بشكل مجمل بأن الفكر الإسلامي يعتبر الفساد ظاهرة بشرية لقوله تعالى ((ظهر  الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون )) وأن محاربتها تكون أولا بالتربية الأخلاقية وإحياء الضمير وثانيا بالتدافع (( ولو دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض)).

ثم فصلت في مبحث ثالث في آليات محاربة الفساد والتعسف في استعمال السلطة وقسمتها إلى آليتين : آليات داخلية وطنية وآليات دولية.

أ ـ في الآليات الداخلية للحد من الفساد والتعسف في استعمال السلطة .

قبل الحديث عن الآليات بينت بأن الفساد والتعسف في استعمال السلطة نزعة شريرة كامنة في المجتمعات  الإنسانية لا يخلو منها مجتمع، بغض النظر عن طبيعة النظام السياسي والاجتماعي الذي يحكمه. فلم يسلم منه مجتمع المدينة المنورة على عهد الرسول الذي بادر لمحاربة بذوره بنفسه عليه الصلاة والسلام ،  كما لم يسلم منه كذلك أي نظام من الأنظمة التي جربها الإنسان عبر العصور، بما في ذلك النظام الديموقراطي العصري الذي رغم قيامه على أساسي المساءلة والشفافية عجز على منع حصول فضائح مالية وأخلاقية مرتبطة باستغلال السلطة. ولو عملنا على مزج الرصيد القيمي والتاريخي الهائل الذي يمثله الإسلام، بالآليات الفعالة والأدوات الناجعة التي تميز النظام الديموقراطي، لأمكننا محاصرة ظاهرة الفساد واستغلال السلطة، وربما القضاء عليها . وقد أخرجت من هذا المزج عشرة وسائل للحد من الفساد وأول ما يستفاد منه في هذا المزج، الاعتماد الأولي على التوعية الأخلاقية والدينية، وإحياء الضمير الفردي والجمعي للقضاء على الفساد والتعسف في استعمال السلطة، وتحفز الجميع للقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كل في موقعه، وجعل هذا الانحراف مبغوضا في المجتمع، وتأتي بعد ذلك الوسائل المؤسساتية ( البنيوية) فتؤتي ثمارها بقدر أوفر.

     ومن هذه الوسائل المؤسساتية الفصل بين السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية ليكون التدافع سلميا حضاريا مؤسسا للرشد. ثم تأتي مؤشرات أخرى كثيرة تؤكد على رشد الدولة والمجتمع ، مثل تبني لائحة الحقوق التي تضمن الحقوق والحريات الفردية والجماعية كأساس دستوري سبق إليه الإسلام بصحيفة المدينة و خطبة حجة الوداع، وكذلك احترام مبدأ سيادة القانون، و التعددية الحزبية والسياسية، وتمكين المجتمع المدني من سلطة المشاركة ومقاومة حالات تعسف الحكام في استعمال السلطة.

    وبالإضافة إلى هذه الوسائل الحادة للفساد واستغلال السلطة نجد وسائل الإعلام والاتصال، وتبني  الإجراءات التي تضمن النزاهة والمساواة من قبل نظام الحكم، إنشاء مكتب الوسيط ( أمبدوسدمان) أو ديوان حماية المواطنين الذي يستقبل شكاوى الناس، وسائل الرقابة البرلمانية المتعددة، لجان التحقيق الخاصة ، وكذلك وسائل الضغط التي ينتهجها المجتمع الدولي .

ب ـ الآليات الدولية للحد من الفساد والتعسف في استعمال السلطة :   

وقد ركزت في هذا الجزء من البحث على منظمة الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية الدولية وـ المنظمات غير الحكومية فشرحت دورها وبينت تاريخ وظروف نشأتها وأنواعها، وبالإضافة إلى ذلك بينت انحرافاتها الكبيرة وفقدان شرعية الكثير منها، ثم تحثت عن سبل إصلاحها لتؤدي دورها المنوط بها والنافع للبشرية والمساعد على مكافحة الفساد وتجسيد الحكم الراشد في كل البلدان.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

دولة نوفمبر التي نريد

نوفمبر ومسيرة صناعة الشخصية الجزائرية؟
إن عظمة الثورة التحريرية لا تكمن فقط في دحر الاستعمار وتحقيق هدف الاستقلال الوطني، إن ثورة نوفمبر بنت مشروعا حضاريا متكاملا، متابعة قراءة دولة نوفمبر التي نريد

الثورة المضادة وصراع المشاريع في المنطقة العربية (1)

 يعرف المتابعون السياسيون بأن المنطقة العربية هي ساحة صراع بين مشاريع عدة: بعض هذه المشاريع يمثل دولا أو مجموعة دول منها المشروع الغربي الأمريكي- الأوربي، المشروع الصهيوني، المشروع الإيراني الشيعي، المشروع التركي، المشروع الصيني، المشروع الروسي، مشروع الأنظمة العربية متابعة قراءة الثورة المضادة وصراع المشاريع في المنطقة العربية (1)

أردوغان، نحناح: المنصور والمظلوم 2\3

2ـ نحناح المظلوم.

لقد كانت الانتخابات الرئاسية سنة 1995 هي فرصة الشيخ محفوظ نحناح وفرصة هذا النهج المتميز الذي اختاره والتي تحدثنا عنه في المقال السابق، تماما مثل ما كانت الانتخابات التشريعية لسنة 2002 هي فرصة أردوغان وفرصة نهجه المتميز الذي يشبه في أشياء كثيرة نهج الشيخ محفوظ نحناح في بداية التسعينيات متابعة قراءة أردوغان، نحناح: المنصور والمظلوم 2\3