أرشيف التصنيف: الجزائر

في ذكرى تأسيس الحركة (3) : وطن ينهض، حركة تتجدد

لم يكن ُيتصور  بضعة أشهر  قبل الاحتجاجات الشعبية في جانفي 2011 وثورات الربيع العربي بأن الحركة ستراجع توجهاتها السياسية الاندماجية في منظومة الحكم، لقد كاد الارتباط بالحكم أن يتحول إلى عقيدة سياسية لا تتزعزع، والمشاركة في الحكومة حتمية لا تتبدل، وكانّها بصمة وراثية ذات حمض نووي ريبوزي راسخ لا يتغير،   رغم الخسائر الكبيرة التي لحقت بالحركة في رمزيتها واستقرارها جراء ذلك المنهج، ورغم التقييم السلبي الرسمي الذي قدمه رئيس الحركة الشيخ أبو جرة عن التحالف الرئاسي، ورغم تحول الحركة إلى نوع من “الربيب” بين شقيقين أصليين لرب الأسرة، يشترك في غرم العائلة ولا حظ له في الغنم.

لقد كانت الأصوات المعارضة لذلك التوجه مبحوحة داخل الحركة لا يُسمع لها ولا يُعتد بها، وقد كنتُ ضمن تلك الفئة المعارضة، قد أصابني اليأس في القدرة على فعل شيء ما من داخل الحركة وأخبرت بعض القريبين مني بأن آخر عهدي بهياكل الحركة سيكون بمناسبة المؤتمر الرابع في 2013. غير أنني كتبت ورقة طويلة في ذلك الوقت عرضتها في المكتب التنفيذي الوطني إبراء للذمة، بينت فيها موقفي من الاستمرار في الارتباط بالسلطة عبر المشاركة الهزيلة في الحكومة، المضرة بالحركة والبلاد، ورؤيتي التي تصلح البلاد والحركة.

فإذا بالأوضاع تنقلب رأسا على عقب بعد الاحتجاجات الشعبية في الجزائر والعالم العربي، ويصبح المناضلون يرون أنفسهم بأنهم في الجانب الخاطئ من التاريخ، فيشكلون تيارا جارفا  يريد رؤية متجددة وقيادة جديدة تمكّن من العودة بالحركة إلى أحضان الشعب ومقاومة الفساد والاستبداد، فتجسدت نظرية المكان المناسب عند التحولات السننية، إذ اتجهت أنظارهم إلى الشخص الذي ثبت في الدعوة إلى ذلك الهدف فلم يتغير ولم يتبدل، فكان التقاءٌ بالقدر، لي وللحركة، لم يكن أحد قد خطط له أو سعى إليه، وتلك هي المرحلة الخامسة، أو الطور الخامس من أطوار تطور المنهج.

جاءني أحد المسؤلين في الحركة مبتهجا ذات يوم ينقل لي ما سمعه من مسؤول كبير سابق في الحركة في جلسة استشارة في لجنة تحضير المؤتمر السابق من: “أن ثمة مشروعين في تاريخ الحركة، مشروع الشيخ محفوظ الشيخ محفوظ نحناح ومشروع الدكتور عبد الرزاق مقري”، وكان هذا المسؤول السابق والحالي في الحركة يقول، هو وغيره من بعض المسؤولين السابقين والحاليين،  بأن فترة رئاسة دكتور مقري هي بمثابة تأسيس ثان للحركة. 

لم يكن هذا قولي، ولم أسع أن أناقش مع أحد من القائلين أو المعترضين على هذا القول، فما مرحلتي في ظني إلا مرحلة من مراحل تطوير منهج الحركة، ولم يكن يهمني سوى التجديد الفكري لدى الأفراد والإنجاز في الميدان،  ولكن يبدو أنني وإن نجحت في تحقيق إنجازات في الميدان فأنا لم أفلح في تغيير القناعات في الأفكار، وإذا لم يتحقق تغيير الأفكار فإن الإنجازات ستعود حتما على أصلها بالإبطاال، ما لم تنتقم الأفكار في ظرف مناسب لاحق.  

لقد كان حرصي الكبير في قيادتي للحركة أن يقود الفكرُ الإنجازَ، فمنذ أن رأيت أن ثمة تيارا جارفا يتجه إليّ لم أشأ أن تكون رئاستي للحركة مبنية على رد فعل للربيع العربي يقوم على حالة عاطفية انتهازية، لا سيما أن الخروج من الحكومة جاء بعد نقاش دام سنة كاملة بين 2011 -2012 بعد الاحتجاجات، وقرابة ثمانية أشهر من انتظار تجسيد الإصلاحات التي وعد بها  الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة رحمه الله في 15 أفريل 2011 ولم تتجسد.

ولذلك رجعت إلى الأفكار التي كنت أناضل بها، لا سيما الوثيقة التي سلمتها للشيخ محفوظ عام 1997 والتي اشرت إليها في المقال السابق،   فطورت كل تلك الأفكار ضمن رؤية شاملة للتجديد  في كتاب دخلت به المؤتمر الخامس عام 2013 تحت عنوان ” البيت الحمسي” يتناسب مع شعار المؤتمر ” حركة تتجدد، وطن ينهض”  وفي ما دونته في كتابي “الحركة الإسلامية في الجزائر: الماضي، الحاضر والرؤية المستقبلية” الذي صدر عن دار الخلدونية عام 2015 ثم  كتاب آخر دخلت به المؤتمر السابع، لعهدتي الثانية، عام 2018 (بعد المؤتمر السابع مؤتمر الوحدة)، تحت عنوان “البيت الحمسي 2 ” وختمت عهدتي الثانية بكتاب يعبر عن رؤية شاملة للعمل الإسلامي في العالم العربي ” الاستنهاض الحضاري وتحدي العبور” الذي لقي بحمد الله  قبولا كبيرا لدى العلماء والمفكرين واعتمده الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين بعد تحكيمه من لجنة من خيار أهل العلم والفكر واعتمدته بعض الحركات الإسلامية في مناهجها التكوينية، علاوة على كثير من النصوص التي قدمتها طيلة العهدتين بمناسبة مجالس الشورى ولقاءات الهياكل والملتقيات والجامعات الصيفية التي جمعت جزء منها  في كتابين، الأول: ” وثائق في الفكر والسياسة والدعوة” صدر عام 2015، والثاني: “أفكار وسياسات: من نصوص العهدة 2013-2018” صدر عام 2018.

لا شك أنه لكل طور من أطوار الحركة الخمسة  نجاحاتها وإخفاقاتها، أما النجاحات في الطور الخامس  فقد كانت بارزة ظاهرة ثمنها المؤتمر السابق بتصويت يفيد الإجماع وثبّتَ محاورَها الكبرى نظريا في الوثائق التي صادق عليها للمرحلة التي تليه، وكان الظن أن هذه المرحلة الجديدة ستكون وفية لتلك النجاحات، ومن تلك الإنجازات :

  • الإنجازات الأخلاقية والقيمية: لا أزعم أننا حققنا نجاحات حاسمة في هذا الجانب كما سأبين أدناه ولكن حاولنا أن نشكل في الحركة اتجاها عاما منافيا للانتهازية السياسية ويرفض استغلال الحركة للطموحات  الشخصية، وعملنا على أن يقوم سلم القيم والقدوة على الاستقامة والتعفف والإنجاز، وكان العمل جادا على رفع قيم التضحية و الشجاعة والوفاء والتجرد وأصبحت ساحة الحركة والنقاشات الدائرة فيها لخدمة الوطن والأمة والقضية الفلسطينية، وأصبح الفرد يفكر داخل الحركة ماذا يعطي لها وليس ما يأخذ منها، وظل من نحسبه كذلك، والله وكيل الجميع، هو الذي يتقدم في الصف ويظهر في المشهد!     
  • الإنجازات الدراسية و الفكرية :  إذ أصبحت الحركة تعتمد على مؤسسات التفكير المتخصصة وبات خطابها السياسي والاقتصادي خطابا علميا مقنعا، وظلت برامجها الانتخابية والتخصصية في مستوى قيادة الدولة  تنتجها  لجان قطاعية متخصصة، ويثني عليها رؤساء حكومات ووزراء وعلماء وأكاديميون.  وعلى المستوى الفكري نظّرنا لعلاقة الدعوي بالسياسي المطروحة للنقاش بإلحاح في الساحة الفكرية الإسلامية وابتكرنا في هذا الشأن مقاربة التخصص الوظيفي و طبقناها بما أضفى فاعلية أكبر في الوظيفة السياسية والوظائف الأخرى الدعوية والاجتماعية وغيرها، فاستوعب هذا التدبير طاقات وكفايات كثيرة وفعّل قدرات بشرية كانت خاملة وأحيا وظائف استراتيجية، كما وضعنا قواعد الانتقال من المشاركة السياسية إلى الشراكة على أساس ميزان القوة – وإن لم نحقق ذلك بسبب اختطاف الحراك الشعبي – واخرجنا الكفاح السياسي من حتمية ثنائية الصدام أو الاندماج إلى الآفاق الرحبة للمقاومة السياسية، وبلورنا رؤى الانتقال الديمقراطي والتأهيل القيادي والاستنهاض الحضاري، وغير ذلك من ورشات النقاش الفكري الواسعة،  و أصبحت الحركة ورجالها ومنتجاتها  وتوجهاتها السياسية والإدارية ومشاريعها ومؤسساتها بحمد الله  من أهم مصادر التطوير والتجديد في الحركة الإسلامية والإصلاحية في  العالم العربي والإسلامي.
  • الإنجازات التنظيمية واستحقاقات الوحدة حيث عرفت الحركة استقرارا كاملا طيلة عهدتَي الطور الخامس، فلم تعرف الحركة صراعات ولا انشقاقات، خلافا للأطوار الأربعة السابقة، بل تم تحقيق الوحدة مع جهتين مهتمين كانتا قد غادرتا الحركة من قبل، وهما جبهة التغيير وطبقة واسعة من القادة والمسؤلين والمناضلين كانوا قد غادروا الحركة على عدة مراحل منذ التسعينات. كما تم تنمية الموارد البشرية من حيث الكم والنوع، فبرز في الحركة جيلان قياديان جديدان هم من يقود الحركة اليوم محليا ومركزيا، وتم التركيز أكثر على الشباب فهم اليوم في مواقع قيادية أساسية في الهياكل والإدارة والمؤسسات.
  • الإنجازات الشورية والديمقراطية حيث أننا انتبهنا بأن الشورى الحقيقية والديمقراطية الحقة هي التي توفر التعبير عن الرأي والرأي الآخر في النقاش أثناء مرحلة صناعة القرار في المشاورات والمداولات المختلفة وأثناء اتخاذ القرار في مؤسسات اتخاذ القرار، وأن المشاورات التي تقيمها الحركة   في مختلف القضايا شكلية يسيطر عليها التنظيم وقادته بما يؤدي إلى تعارض المصالح، وفق المصطلحات العلمية الإدارية المعبرة عن ذلك، وتكون النتيجة حتما لمن يتحكم في التنظيم والمشاورات إذ رأيه هو وحده ما يُشرح ويسوق له باحتكار استخدام وسائل الحركة، وهذا سبب رئيسي للصراعات والانشقاقات والفتور وخسران الكفاءات،  فابتكرنا طرائق جديدة تضمن حضور الرأي المخالف ومن ذلك: دعوة رؤوس الرأي المخالف إلى المكتب التنفيذي الوطني وتقديم آرائهم والدفاع عنها متى شاؤوا وطبقنا ذلك فعليا، واتفقنا مع رؤساء مجلس الشورى الوطني المتتالين  بأن لا يُحدد الوقت لرؤوس الرأي المخالف والقادة السابقين أثناء تدخلاتهم وطبقنا ذلك، وشكلنا هيئة استشارية عليا يُضمن فيها حضور الآراء المختلفة بشكل متوازن كان حضور أصحاب الرأي الآخر قويا ومكثفا، بالإضافة إلى المجالس الاستشارية المتخصصة الشبابية والنسوية ومجلس المؤسسات واللجان القطاعية. وحاولنا أن ننظم مسألة التنافس الداخلي على المناصب لإنهاء عهد الكولسة الخفية والعلنية، ولتكون الحملات الانتخابية الداخلية شفافة يُسمح لكل المرشحين الاتصال بالهياكل التنظيمية والمناضلين باستعمال وسائل الحركة بالعدل والمساواة، فاقترحنا لائحة تنظم ذلك للمؤتمر السابع عام 2018 ولكن للأسف الشديد أسقطها من كان يُفترض أن يستفيد منها، ثم حاولنا الرجوع إليها في المؤتمر الثامن ألأخير فلم نفلح بسبب عدم توفر السند اللائحي ولكن وضعنا هذا السند في قوانيننا بما يسمح بالمنافسة الشفافة والعادلة لاحقا.
  • الإنجازات السياسية: إذ ارتفعت رمزية الحركة بعد ما تضررت صورتها بسبب التوجهات السياسية السابقة، خصوصا بسبب التورط في فتح العهدات ودعم بوتفليقة عدة مرات، وبسبب الانشقاقات والصراعات الداخلية، فبات يُنظر   إلى الحركة  ورموزها بتقدير واحترام، وتجدّدَ الأمل فيها. وقد تجلى ذلك في نتيجة الانتخابات التشريعية والمحلية، حيث نجحنا في بلديات كبرى كانت محرمة علينا سابقا، منها وهران وعنابة، وحصلنا على نتائج في الانتخابات التشريعية الأخيرة تقارب نتائج زمن الألق السياسي في بداية التعددية، وذلك رغم العزوف الانتخابي،  ولم تفلح محاولات التقليص من أهمية النتيجة الانتخابية بإبراز تراجع الكتلة الناخبة للحركة من قبل خصوم خطنا السياسي التقليديين من داخل الحركة آنذاك، والتي بات يرددها بلا أخلاق اليوم خصومٌ جدد  كانوا بالأمس معنا في هذا الشأن خلافا لما يدّعونه اليوم. ويخفي هؤلاء وهؤلاء أن تراجع الكتل الناخبة هو على الأحزاب كلها وليس الحركة فقط، وأن سبب العزوف الانتخابي هو النظام السياسي (الذي يسندونه) من خلال  التزوير المستدام للانتخابات، وأن الحزب الذي يستطيع أن يفرض نفسه ضد العزوف وضد التزوير وضد المرجفين ويحقق المرتبة الحزبية الثانية بعدد النواب يستحق التقدير والثناء وليس الهمز واللمز.   
  • الإنجازات المؤسسية المجتمعية حيث رجعت المؤسسة الاجتماعية إلى استقرارها وكثير من نشاطها وفاعليتها، وأرجعنا النقابة الطلابية إلى حضنها الأصلي، وأضفنا من خلال نظرية التخصص الوظيفي  أربع أضعاف تلك المؤسسات بعضها صار جزء أساسيا من المشهد الوطني، وبعضها بلغ العالمية، وأحيينا بفضل الله كثيرا من وظائف المنهج وصار للمؤسسات التي يقودها رجالنا حظ وافر في خدمة القرآن والدعوة والقضية الفلسطينية وخدمات المجتمع.
  • الإنجازات على صعيد العلاقات الداخلية إذ استطاعت الحركة أن تفرض نفسها في المشهد وأن تفعّل الساحة السياسية لعدة سنوات لخدمة رؤية الانتقال الديمقراطي المتفاوض عليه وبناء ميزان قوة يسمح بتحقيق التوافق الوطني والشراكة السياسية في القرار من أجل نهضة البلاد والمساهمة في نهضة الأمة، فكانت الطرف الأساسي في بناء التنسيقية الوطنية للانتقال الديمقراطي  والاجتماعات التاريخية في مزفران مع كل أطراف المعارضة، وعادت لنفس الرؤية في مبادرة التوافق الوطني وكادت أن تحقق به انتقالا ديمقراطيا حقيقيا من خلال مفاوضاتها مع الرئاسة البوتفليقية في فترة ضعفها الشديد لو لا إحباط المحاولة من جهة قوية في السلطة لصالح العهدة الخامسة فأدت تلك الحركية الجماعية الدؤوبة إلى حالة وعي عامة فجّرت بشكل غير مباشر الحراك الشعبي. لقد صنعت هذه الحركية الدائمة في العلاقات مكانة معتبرة للحركة وقادتها وظلت أبواب الحوار مفتوحة لنا في كل الاتجاهات، في المعارضة وفي السلطة، ولِجناها بكل ثقة وإيمان بأفكارنا ومشاريعنا، وكنا في كل تلك الحوارات نرفع حركتنا بقوة حجتنا،  ولم  نتحدث وراء الأبواب المغلقة – آنذاك – إلا في ما ينفع بلدنا ولا نتورط في التآمر ضد أحد، قريبا كان أم بعيدا، ولو وجد أحد في ما كنا نقوله سعيا لمصلحة شخصية أو تآمرا على أحد أو على جهة ما لأسمعوا العالم بها.
  • الإنجازات في العلاقات الخارجية: كما سبق أن قلنا تسببت حالة الصراع والخلافات داخل الحركة إلى عزلها عزلة تامة دوليا، ولكن استطعنا أن نعود بقوة منذ أسطول الحرية، ثم طورنا علاقاتنا حتى أصبحنا جزء أساسيا في المشهد الإسلامي العالمي، ومع أحرار العالم، سواء في المساهمات الفكرية والإعلامية  أو المشاركة وقيادة المنظمات الدولية الفاعلة، كما وصلت مؤسساتنا المتخصصة إلى مستوى النمذجة و الريادة الدولية خصوصا في مجال التأهيل القيادي الشبابي وفي القضية الفلسطينية

أما عن الإخفاقات فيمكن تصنيفها وفق ما يلي:

  • بالرغم من أن العمل السياسي  ضمن تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي كان جماعيا فإننا لا بد أن نتحمل نصيبنا من المسؤولية في عدم تحويل هذه التنسيقية إلى قوة جماعية ضاغطة على السلطة تؤثر في ميزان القوة من أجل التحول الديمقراطي، وبالرغم من أننا بادرنا باسم الحركة إلى إحيائها مباشرة بعد اندلاع الحراك الشعبي ولم نجد تجاوبا من الشركاء فإنه من الواجب الإقرار بفشلنا جميعا كطبقة سياسية في تشكيل قيادة مشتركة للحراك الشعبي تمنع تفتيته ايديولوجيا ثم استيعابه من طرف السلطة كما تم فعلا. وكانت مبادرة ملتقى الحوار الوطني بعين البنيان أثناء الحراك مبادرة فاشلة أخرى. ولما أخذنا المبادرة وحدنا قبل الحراك عبر مشروع التوافق الوطني عجزنا على الاستشراف بأن الرئاسة لم تكن ضعيفة فقط، بل لم تصبح تزن شيئا فأضعنا وقتنا في الحوار معها و عرّضنا أنفسنا للمخاطر إذ كانت القوة متمركزة كلية لدى قيادة الأركان، وهي التي فرضت العهدة الخامسة. غير أن المحاولة التي قمنا بها إنما كانت عملا صالحا نرجو ثوابها من الله تعالى،  أقمنا بها الحجة أمامه سبحانه و على الجميع، وسيبين التاريخ أن المبادرة التي قدمناها بكل صدق ومهنية هي  الوحيدة التي كانت ستحقق الانتقال الديمقراطي ونهضة البلد لم تم اعتمادها ودعمها.
  • –            ويبدو من خلال التطورات الجارية في الحركة بعد المؤتمر الأخير بأن الإخفاق الكبير التي اتسم به الطور الخامس هو الإخفاق في تغيير القناعات لدى قيادات الحركة، وأن التوجه للمقاومة السياسية ضد الفساد والاستبداد خارجيا، وضد الانتهازية داخليا، الذي وقع بين المؤتمرين السادس والثامن كان أكثره ردة فعل لأحداث الربيع العربي ثم تجاوبا غير مُكلِف مع حالة الضعف التي عرفها النظام البوتفليقي والتأثر بالحراك الشعبي الذي أزاحه، وربما بالنسبة للبعض للمحافظة على المواقع، ولم يكن قناعة عميقة عامة تعين على التضحية إلى غاية تحقيق الهدف ولو طال الزمن، وهو أمر يتطلب تعمقا في الدراسة نعود إليه لاحقا. كما اتضح كذلك بأن القناعة بالتخصص الوظيفي بقيت سطحية والتراجع الفعلي عن مكتسباتها بات ممكنا وسهل المنال. وعليه يمكن لأي دارس محايد أن يقول بأن التحولات العميقة التي وقعت في هذا الطور بقيت تمثل رؤية شخصية لرئيس الحركة قد أخذت تتبدد فور مغادرته موقع القيادة، وقد عبر الشيخ أبو جرة عن ذلك بوضوح حين عبر عن سعادته في مجلس الشورى الأخير بعودة الحركة إلى نهجه الذي كانت عليه قبل عشر سنوات.
  • وحينما نرى تراجع العمل الحزبي ومستوى الأنماط القيادية و زيادة شيوع الآفات السياسية وتحولها إلى خلق عام في الطبقة السياسية كالانتهازية السياسية والزبونية والتزلف واللؤم والغدر والتدليس والكذب والفجور في الخصومة وخلف الوعود ونقض العهود  وتقديم النفعيين على أفاضل الناس، بشكل عام،  علاوة على استمرار الفساد في مختلف مستويات المؤسسات الرسمية والمجتمعية ورسوخ السيطرة والتحكم وغلق هوامش الحريات أكثر من أي وقت مضى  نقول بأن مساهماتنا في أخلقة العمل السياسي وتثمين جدوى العمل الحزبي في التغيير لم تحقق النتائج التي كانت أجيال من السياسيين الصادقين تضحي من أجلها،    كما أننا لم نتوصل داخل الحركة إلى ترسيخ قيمة االثقة بالنفس والاستعلاء الإيمانيّ وقدرتنا على أن نكون قدوة و بديلا لغيرنا بأخلاقنا وفكرنا وبرامجنا وتاريخنا وحضورنا، رغم وجود هذه المعاني في الوثائق، ولم يصبح الانتقال الديمقراطي قناعة تتطلب التضحية والتعرض إليها وفق التحولات السننية، ولم تصبح رؤية السعي إلى الشراكة السياسية سوى اسماً مغلفا للعودة الى المشاركة السياسية التي تسببت في مختلف أعطاب الحركة.

تابع – المقال الرابع: التحليل والآفاق المستقبلية.

في الذكرى 33 لتأسيس حركة مجتمع السلم: الأطوار الخمسة وتطورات المنهج ج1

في الذكرى 33 لتأسيس حركة مجتمع السلم: الأطوار الخمسة وتطورات المنهج.

إذا اردنا ان ندرس تطورات المنهج الذي حكم حركة مجتمع السلم، بمناسبة ذكرى تأسيسها في 29 ماي 1991، فإننا سنضطر إلى تقسيم تاريخ الحركة إلى خمس مراحل، أو خمسة أطوار: ثلاثة قبل التأسيس الرسمي واثنان بعده. أما قبل التأسيس فإن الحركة قد تعرّف عليها الجزائريون في مرحلتها الأولى في سبعينات القرن الماضي كجماعة ذات معارضة راديكالية لنظام الحزب الواحد  والنهج الاشتراكي الرسمي، وقد وصل المنهج الحدّي لتلك المعارضة إلى استعمال العنف عبر الحادثة التي سميت ب”قطع أعمدة الهاتف”، وقد سبق تلك الأحداث خطاب شديد اللهجة عبر خطب نارية للشيخ محفوظ نحناح رحمه لا تزال  بعض تسجيلاتها متوفرة، وبيانات قوية  العبارات كالبيان المشهور تحت عنوان ” إلى أين يا بومدين؟”، انتهت هذه المرحلة بسجن الشيخ محفوظ رحمه الله والعديد من إخوانه وتشتيت جماعته.

أثناء سجنه نشطت جماعات أخرى في الجامعات، أهمها جماعة الجزأرة التي كان يرأسها د. بن شيكو ثم د. بوجلخة، وجماعة الشيخ عبد الله جاب الله التي عرفت في ذلك الوقت بأنها الجماعة التي تمثل الإخوان المسلمين فكرا وتنظيما.

بعد إطلاق سراح الشيخ محفوظ نحناح سنة 1981 دخلت جماعته في المرحلة الثانية من تاريخها، وهي المرحلة التي تبلور فيه منهج جديد عبر المراجعات التي قام بها الشيخ رحمه الله في السجن، وأساسها الابتعاد نهائياً عن المنهج العنفي لفظا وسلوكا والاعتماد على الخطاب الدعوي الهادي أكثر من الخطاب السياسي الصادم مع المحافظة على خطاب سياسي يعتمد شعار الحركة الإسلامية المركزي آنذاك “الإسلام هو الحل” ويستهدف نقد المناهج المستوردة وعلى رأسها العلمانية والاشتراكية، ولهذا السبب لم يكن الشيخ محفوظ في صدارة الاحتجاجات الكبرى كأحداث الجامعة المركزية عام 1982 وأحداث 5 أكتوبر 1988 رغم الوجود الفعلي للعديد من قادة وأفراد جماعته فيها، واستطاع الشيخ محفوظ أن يتجاوز كل تحديات عشرية الثمانينيات ليكون في أواخرها أهم زعيم سياسي وتكون جماعته أكبر جماعة في الجزائر وقد ساعده على ذلك عدة معطيات منها شخصيته الجذابة وسمته وقدراته الخطابية الفذة، النهج الجديد الذي انتهجه الشاذلي بن جديد القائم على الانفتاح السياسي وبدايات التراجع عن النهج الاشتراكي والذي كان يحتاج بشأنه إلى بروز  جهة معتدلة في التيار الإسلامي، وارتباط الشيخ محفوظ بالاخوان المسلمين الذين كان يمثل منهجهم ومشروعهم وتاريخهم وتضحياتهم نوعا من المرجعية التي تفرض نفسها على شباب الصحوة الإسلامية يرتبطون بها بشكل تلقائي أكثر من غيرها، وكتيار قبل الارتباط بالتنظيم،  مما جعل العديد من الشباب وإطارات الحركة الإسلامية الذين انتظموا في جماعة الشيخ عبد الله جاب الله يتركونه لصالح الشيخ محفوظ لمّا اختلف الرجلان وعُلم بأن الشيخ محفوظ هو من يمثل “الاخوان المسلمون”.

وكذلك التحق بالشيخ نحناح رحمه الله بسبب “الإخوان المسلمون” كثير من رموز وقادة الحركة الإسلامية، وعدد من التنظيمات المحلية ومن مجاميع إسلامية مختلفة خصوصا بعد فشل مساعي الوحدة بين فصائل التيار الإسلامي التي دعا اليها بعض الدعاة بين 1983-1987. وبقي الانتماء للإخوان المسلمين صمام أمان لوحدة جماعة الشيخ محفوظ – بالإضافة إلى شخصيته – إلى أن تراجعت أهمية تلك المرجعية لأسباب عديدة ليس المجال للتفصيل فيها، خصوصا بعد التحول إلى المرحلة الحزبية، فأخذت الاختلافات ثم الانشقاقات تظهر في جسم الجماعة.

مع تغيير الدستور والتوجه نحو التعددية الحزبية دخلت جماعة الشيخ محفوظ نحناح مرحلتها الثالثة، بتأسيس الحزب رسميا في 29 ماي 19991 الذي نتذكر مناسبته في هذا المقال، وكان الدخول عسيرا ليس عليه فقط، بل على الجماعات الإسلامية الثلاث المنظمة المتقاربة فكريا التي لم توفق في تحقيق الوحدة بينها (الشيخ محفوظ/ الجزأرة/ عبد الله جاب الله)، والتي تجاوزها تيار 5 أكتوبر ولم تسبق لتأسيس حزب إسلامي فأدّى ذلك إلى سيطرة الجبهة الإسلامية للإنقاذ بقيادة الشيخين عباسي مدني وعلي بلحاج على الساحة السياسية.

تسبب هذا التأخر من قبل هذه الجماعات المنظمة في الاستشراف وفي التعامل مع التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والدولية التي تلت انهيار أسعار البترول ابتداء من 1986، وتعمّق الفساد في نظام الحزب الواحد، ثم البرسترويكا  فانهيار الاتحاد السوفياتي بين  1987 و 1990 وتراجع زمن الأحادية عالميا إلى ضياع المبادرة والريادة، وأصبحت السياسات والتوجهات والتصريحات هي من أجل الاستدراك واسترجاع المبادرة والمساهمة في المحافظة على نصاعة المشروع وتفويت الفرصة على العلمانيين لاستغلال الظروف وغطاء محاربة الإهاب للإجهاز على كل مرجعية إسلامية في الشأن العام، وكذا من أجل إخراج البلاد من الأزمة.

وقد كان نهج الشيخ محفوظ نحناح أكثر وضوحا من خلال سرعة وقوة المبادرات من أجل الحوار والمصالحة الوطنية، [وقد سجلتُ تلك المبادرات في برنامج مراجعات مع قناة الحوار اللندنية وفي كتابي مبادرات لحل الأزمات]، وخطاب التميز عن التشدد، ثم العمل على إعادة بناء مؤسسات الدولة عبر العودة للمسار الانتخابي وبداية تجسيد نهج المشاركة الحكومية، ومحاولة بلورة خطاب وطني لتطمين النظام السياسي وتحسين  العلاقة بالمؤسسة العسكرية ومجاهدي حرب التحرير، وكل من له تأثير في القرار السياسي.

أدى هذا النهج إلى نجاحات معتبرة على المستوى الاستراتيجي من حيث المساهمة في وقف سيل الدماء والمحافظة على الدولة وحماية المشروع والحركة الإسلامية وأمن المناضلين وعائلاتهم، وتوفير الفرصة لاستمرار الوجود والعمل، والانتقال للمستقبل بأقل التكاليف وفي أحسن ما يمكن من الظروف، غير أن الإخفاق على المستوى السياسي كان ملازما للمسيرة خلافا للأهداف التي رسمها الشيخ محفوظ وسَمِعتُها منه شخصيا وهو أن ينال دعم المؤسسة العسكرية، تأسياً بتجربة الشيخ حسن الترابي الذي كان نجمه صاعدا في ذلك الوقت، ويكون بديلا لجبهة التحرير التي خرجت للمعارضة مع الأستاذ الكبير عبد الحميد مهري رحمه الله والجبهة الإسلامية التي لم يكن ممكنا التفاهم بينها وبين العسكر، أو على الأقل تجسيد فكرة التحالف الوطني الإسلامي على المستوى الرسمي بعد ما تمت الدعوة إليه باسم جمعية الإرشاد والإصلاح قبل تأسيس الحزب عام 1990.

لقد كانت الخسارة في الانتخابات التشريعية في جانفي 1991 منطقية بسبب السبق الذي استفادت منه جبهة الإنقاذ، ولكن النجاح الكبير والشعبية الهائلة التي ظهرت لصالح الشيخ محفوظ وحزبه في الانتخابات الرئاسية عام 1995 أخافت العسكر وأصحاب القرار.

لم ينفع المنهج التطميني الذي انتهجه الشيخ محفوظ فأُعطيت له الرسالة من قبل النظام السياسي  بأن “بديلنا لست أنت بل نصنعه صناعةً بأيدينا”، فكان تغيير الدستور  عام 1996 لمنع الشيخ محفوظ من الترشح مرة أخرى للانتخابات الرئاسية مدى الحياة، وذلك بسبب قدرته على المنافسة وقيادة البلد، وتغيير  اسم الحزب بنزع كلمة “الإسلامي” ليتحول من “حركة المجتمع الإسلامي – حماس” إلى “حركة مجتمع السلم – حمس”، وإعاقة الحركة بما اعتقده نظام الحكم بأنه عناصر قوة لصالحها، ثم كان تأسيس حزب “التجمع الوطني الديمقراطي” والتزوير له في الانتخابات التشريعية والمحلية عام 1997، وبعد ذلك منع النحناح رحمه الله وأسكنه فسيح جناته من الترشح عام 1999 وإهانته وضربه في تاريخه وسمعته، ثم جاءت الانتخابات التشريعية عام 2002 فتمت معاقبته عن إصراره على الترشح للانتخابات الرئاسية عام 1999  بما اضطرّهم إلى منعه من ذلك تعسفا مما زاد في ضرب مصداقية الانتخابات بالإضافة إلى ما أصابها من خدش في مصداقيتها بعد انسحاب المرشحين الستة، فوضعوا الحركة في تلك الانتخابات التشريعية في المرتبة الرابعة بعد حركة الإصلاح التي أسسها الشيخ عبد الله جاب الله بعد خروجه من حركة النهضة، مع أن ما سهل على النظام إخفاء مكره وقلة وفائه التراجع الشعبي الفعلي الذي أصاب الحركة بسبب تحولها السريع والمفاجئ من معارض لبوتفليقة إلى مساند له في الانتخابات الرئاسية عام 1999. ولا يعني ما نقوله هنا أن حركة الإصلاح تم تقديمها على الحركة بدعم من السلطة، فقد كان تقدمها منطقيا، ولكن المقصود أن الحركة عوقبت بالتزوير ضدها كما هي العادة،  وأنه لو كانت  جزء من السلطة لزورت لها كما تفعل مع أحزاب الموالاة التي تنقذ دوما بالتزوير.

لا يمكن الجدال بأن الكثير من المكاسب الاستراتيجية غطت عن الخسائر السياسية، ومن أهمها البقاء في ساحة المعركة ضد التوجهات العلمانية المعادية للمشروع الوطني الإسلامي، ولكن لا يمكن الجدال كذلك بأن التيار العلماني ألحق بخططنا خسائر كبيرة، ومن ذلك إضعاف التيار الوطني ذاته داخل الدولة، علما بأن المكتسبات الحضارية العربية الإسلامية تحققت في زمن الحزب الواحد بأيدي رجال التيار الوطني وليس في زمن التعددية الحزبية، ومن ذلك قانون الأسرة، والمنظومة التربوية الأصيلة، والتعريب. غير أن الرجال الذين حققوا تلك الإنجازات عبر صراع مرير مع ما كان يسمى “حزب فرانسا” في ذلك الوقت أبعِدوا عن النفوذ داخل الدولة، واستفرد رجال التيار العلماني الذين كانوا يواجهونهم بالقرار، خصوصا داخل المؤسسة العسكرية، ووجدت حركة مجتمع السلم نفسها قريبة من هؤلاء الرجال العلمانيين، رغم تصريح زعيمهم خالد نزار صراحة في مذكراته المنشورة بأن خططهم كانت تستهدف في ظل الأزمة ضرب التيار الإسلامي المتشدد منه والمعتدل.

كما أن الخطر على المنظومة التربوية صار ملموسا من خلال إنشاء لجنة بنزاغو، والتمكين في وزارة التربية والتعليم لتياره، ولو لا المقاومة التي أظهرها رجال التيار الوطني، كأمثال علي بن محمد وعبد القادر فوضيل وعبد الحميد مهري، وتحالفهم في المجتمع مع التيار الإسلامي لكانت الخسائر عظيمة في وقت مبكر. علاوة على التحرش المستمر بقانون الأسرة، والتراجعات الكبيرة في مسيرة التعريب، وفي الاهتمام بالقضية الفلسطينية.   

علم الشيخ محفوظ نحناح بأن النهج السياسي التشاركي مع نظام سياسي مستبد، غير وفي وغير نزيه لن ينفع الحركة فبدأ يبحث عن نهج جديد، وأصبحت أسمع منه – كما سمع غيري – في جلسات خاصة كلاما عن النظام السياسي كان يمنعنا أن نفكر فيه أصلا، وأخذ ينظّر لتوجه جديد في المنهج في كتاب بدأ في تأليفه تحت عنوان ” الدولة وأنماط المعارضة” ولكن فاجأته الوفاة واختفت مسودة الكتاب بشكل غريب.

توفي الشيخ وقد حقق إنجازات استراتيجية جعلت نهجه مدرسة كاملة الأركان، وستبقى تلك الإنجازات التي اشرت إليها – رغم الخسائر المذكورة –  شاهدة له ينالها أجرها وهو في قبره، ولكن كان الأمر يتطلب القيام بمراجعات في النهج السياسي تكمّل المنهج وتزينه ولكن لم يسعفه الأجل رحمه الله، ووجدت الحركة نفسها بعده في مرحلة  رابعة من تاريخها تعمق فيها نهج المشاركة الحكومية، بل تحول إلى منهج اندماجي تام في النظام السياسي رغم التململ  الذي بات واضحا في صفوف الحركة، بل كان يوشك أن يتفجر في وجه الشيخ محفوظ على نحو ما وقع له في لقاء وطني شهير ببومرداس.

لقد كنت من شركاء المسيرة ومن صانعي أبعادها الاستراتيجية ولكن أصبحت غير موافق على الشق السياسي في المنهج في وقت مبكر في زمن الشيخ محفوظ  منذ عام  1997 بعد أن باتت فكرة التحالف مع التيار الوطني وهْما وصار قادة المؤسسة العسكرية [الذين اعتُبر قادتهم في زمن الحراك الشعبي جزء من العصابة ] هم الخطر الأول على مشروعنا وفاعليتنا، وكنت أعبر عن رأيي المخالف بكل حرية، وقد ظهر ذلك للرأي العام لأول مرة عند رفضي التصويت على برنامج أويحيى الحكومي عام 1997 عند رفضه إدخال تعديلاتنا [وتعديلات جبهة التحرير حين كان قادة التيار الوطني الأصلاء هم من يقودها]، وذلك بالرغم  من أنني كنت رئيس الكتلة البرلمانية، كما سميتُ المشاركة الحكومية  “مشاركة عبثية” في أحد الحوارات في جريدة الخبر  في حياة الشيخ محفوظ رحمه الله، وقد قدمت له آنذاك، عام 1997، ورقة حذرت فيها من عواقب ذلك النهج واستشرفت الآفاق المستقبلية في أجل زمني أكدته الثورات العربية وقدمت رؤية بديلة هي التي طبقتُها لاحقا كما سأبينه أدناه.

تابع.. المرحلة الرابعة: “نحو طور جديد”

بين المقاطعة والتصويت ب”لا”: ما هو الموقف الذي يزعج السلطة الحاكمة ويفسد حساباتها؟

مقاربتنا التي نعرضها في هذا المقال تتجه للمقتنعين بضرورة الاهتمام بالشأن العام والمقاومة السياسية السلمية لمواجهة الاستبداد والهيمنة والفساد بمختلف الوسائل السلمية ومنها المشاركة في الانتخابات، فهي لا تعني الذين يعتبرون المقاطعة قناعة دغماتية نهائية ودائمة.

متابعة قراءة بين المقاطعة والتصويت ب”لا”: ما هو الموقف الذي يزعج السلطة الحاكمة ويفسد حساباتها؟

ذكرى 11 ديسمبر: إرادة الشعب هي الحاسمة

جاء العسكريون الفرنسيون المسيطرون على الوضع في الجزائر المستعمرة بالجنرال ديغول لرئاسة دولتهم في ظل أزمة ماي 1958 لتثبيت فكرة “الجزائر الفرنسية” متابعة قراءة ذكرى 11 ديسمبر: إرادة الشعب هي الحاسمة

11 ديسمبر: حينما تتعثر النخبة يصحح الجمهور المسار.

جاءت مظاهرات 11 ديسمبر ضمن سياق نستخلص منه درسا كبيرا في كفاحنا السياسي.
جاء المستوطنون وجنرالاتهم في الجزائر المحتلة بالجنرال ديغول سنة 1958 ليحكم فرنسا من جديد ويخلصهم من ثورة المجاهدين الجزائريين التي شملت كل الجزائر بعد عمليات فك الخناق على الأوراس في 20 أوت 1956 . متابعة قراءة 11 ديسمبر: حينما تتعثر النخبة يصحح الجمهور المسار.