ندوة “التحولات في الحركات الإسلامية”
الدوحة-قطر
24-25 سبتمبر/أيلول 2016
الإسلاميون في الجزائر وتجربة المشاركة في الحكم
د.عبد الرزاق مقري
بعد مضي ثلاث سنوات من المحاولات غير الموفقة لحل الأزمة التي انفجرت على إثر إلغاء المسار الانتخابي سنة 1992 بالحوار بين الأطراف المتصارعة قررت حركة مجتمع السلم انتهاج سياسة المشاركة بالعودة إلى المسار الانتخابي وإعادة بناء مؤسسات الدولة وتحقيق الاستقرار المجتمعي لمصلحة الوطن وأجياله المستقبلية ثم إعادة بناء المشروع الإسلامي من جديد في ظل النضال السلمي وفق المتاح من الظروف والأسباب. كانت أول خطوة خطتها الحركة على هذا النهج هي المشاركة في المجلس الانتقالي في ماي 1994 كخطوة أساسية لإظهار نية المشاركة في حل الأزمة، ثم الدخول بعد فشل الاتصالات والمبادرات في الانتخابات الرئاسية سنة 1995 التي قاطعتها جل الأحزاب، ثم شاركت في كل المسار الانتخابي الذي التحقت به الأحزاب المقاطعة وذلك منذ الانتخابات التشريعية سنة 1997. كما شاركت حركة الشيخ نحناح في كل الحكومات منذ حكومة سنة 1996 إلى أن قررت الخروج للمعارضة في سنة 2012.
لم تكن استراتيجية مشاركة حركة الشيخ نحناح بلا رؤية وأهداف، فقد اعتبرت رد الفعل على مصادرة الإرادة الشعبية بانتهاج خط التشدد والتورط في العمل المسلح باسم الإسلام أمرا خطيرا على الوطن ووحدته وهويته وعلى المشروع الإسلامي ذاته. وكان لا بد من البراءة والتميز منه مهما كان الثمن. ومن خلال قراءتها للساحة السياسية اعتبرت بأن الحركة الإسلامية بكل تفاصيلها صارت مستضعفة وغير قادرة على استئناف وجودها بالشكل الذي كانت عليه في نهاية الثمانينيات، وأن المنهج الذي سلكته الجبهة الإسلامية للإنقاذ لن يحقق نتائج، وأن تفرده في الساحة الإسلامية سيؤدي إلى دمار كل المكتسبات التي حققتها الصحوة الإسلامية في مجالات الدعوة وشبكات المجتمع المدني والتأثير داخل مؤسسات الدولة. وأن الحل يكمن في أن ترمي بكل ثقلها في مشروع المشاركة ولو استلزم ذلك تقديم تنازلات كبيرة و وربما خدمة جزء من استراتيجيات النظام السياسي.
يمكننا القول إذن بأن الالتقاء بين حركة محفوظ نحناح والسلطة لم يكن تحالفا بمعنى الكلمة، ولكنه كان هدنة احتاجها الطرفان لربح الوقت، في حالة تشبه إلى حد كبير صلح الحديبية التي قدم فيها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تنازلات لم يتقبلها كبار الصحابة، ولكن الزمن أثبت أنها كانت مجدية حقيقة في التمكين للإسلام والمسلمين في ما بعد. وهي تشبه كذلك إلى حد ما الموقف الذي اتخذه أردوغان لما اشتد الصراع بين المؤسسة العسكرية التركية وحزب الرفاه بقيادة الأستاذ أربكان، وقد أثبت الزمن نجاعة هذا المسلك وبذلك أصبح أردوغان شخصية سياسية ناجحة، ولو لم تتحقق أهدافه لعُدّ، عند الإسلاميين، خائنا بكل المقاييس في حق الحركة الإسلامية كما كان يروج ذلك كثير من الإسلاميين في بداية تجربته. للأسف الشديد، لا يظهر بأن حركة الشيخ محفوظ نحناح حققت نجاحا سياسيا بارزا وعاجلا بسياستها هذه إلى الآن، ولذلك لا تزال تجربتها محل نقاش وجدال حتى اليوم. ولكن قبل تقييم هذه الحالة من المفيد أن نذكّر بالأهداف التي سطرتها حركة الشيخ نحناح منذ بداية تحالفها مع نظام الحكم.
يمكن تقسيم أهداف حركة حركة مجتمع السلم من المشاركة في الحكم وفق نوعين من الأهداف: أهداف استراتيجية وأهداف سياسية[1]:
الأهداف الاستراتيجية:
- تجنيب الوطن الانقسام والتشتت باعتبار حدة الصراع وبروز أطراف داخلية وخارجية أرادت استغلال الأوضاع لتحقيق مزيد من النفوذ والسيطرة على البلد[2].
- المحافظة على مؤسسات الدولة كإطار ضامن لوحدة الوطن.
- تحقيق الاستقرار المجتمعي كشرط أساسي لمواصلة العمل الدعوي بكل أشكاله وصيانة الفرص المستقبلية.
- دعم التيار الوطني والشخصيات المحافظة داخل مؤسسات الدولة لتجنب هيمنة التيار العلماني المتطرف الإستئصالي.
- تبييض صورة الإسلام والحركة الإسلامية من تهم التطرف وسفك الدماء التي التصقت بها عند عدد كبير من الجزائريين وفي الرأي العام الدولي.
- مقاومة علمنة المنظومة القانونية خصوصا في مجال الدستور والأسرة والتربية وقطع الطريق على التيار العلماني الذي أراد استغلال فرصة انكسار المد الإسلامي.
- المحافظة على الوجود القانوني والعمل العلني وحرية الحركة وصيانة الفرص المستقبلية للحركة الإسلامية.
- المحافظة على أفراد الحركة الإسلامية وحمايتهم من التطرف من جهة، ومن الاعتداءات والتصفيات التي كان يتعرض لها كثير منهم من قبل الجهات العلمانية المتطرفة وفق قاعدة انتقال الرعب إلى الطرف الآخر التي أشرنا إليها أعلاه.
الأهداف السياسية:
- تأهيل الحركة لتكون حزبا يمثل فرصة جديدة للبلد واستمرار الدولة بعد تعثر الأحزاب والمؤسسات الأخرى بسبب شدة الصراع بينها ، خصوصا جبهة افنقاذ وجبهة التحرير، باعتبار أن الحركة أضحت تمثل وسطا آمنا للجميع[3].
- أخذ قسط وافر من التجربة في إدارة شؤون الحكم وتشغيل أكبر عدد ممكن من إطارات الحركة في مختلف مؤسسات الدولة.
- توسيع دائرة الاستقطاب السياسي لصالح الحركة في الفئات المجتمعية الجزائرية المختلفة وفي مؤسسات الدولة المحافظة والمتدينة والرافضة للتشدد.
لو أردنا أن نقيم حصيلة سياسة المشاركة والتحالف مع نظام الحكم تقييما موضوعيا لوجدنا بأن الأهداف الاستراتيجية كلها تحققت، وسيبقى هذا مكتوبا في سجل الشيخ محفوظ نحناح وحركته والقيادات التي كانت معه. فقد حفظت مساهماتهم الوطن من الانهيار على شاكلة ما يحدث اليوم في بعض الدول العربية. كما أن سياسة التميز عن التطرف وإدانة العنف باسم الإسلام رجعت إليه كل الحركات الإسلامية في الجزائر وفي العالم العربي وغير العربي بعد أحداث 11 سبتمبر. ومن الأهداف الاستراتيجية المحققة عجز التيار العلماني عن تحقيق مشاريعه في علمنة التوجه العام للمنظومة التشريعية بالشكل الذي يحلم به، وبقي يعمل في الخفاء وباستغلال نفوذه لصالح أهدافه كما هي عادته إلى اليوم. كما أن الحركة الإسلامية سلمت من الاجتثاث الكلي وبقيت فرصها قائمة للاستدراك إلى يومنا هذا وظلت هي القوة الأساسية في المجتمع[4]. وأما الأهداف السياسية فلم يتحقق منها شيء حاسم إلى الآن، حيث بقيت الحركة الإسلامية تواجه معضلتين كبيرتين في مسيرتها السياسية[5]: المعضلة الأولى هي خوف أعداد كبيرة من الجزائريين من التيار الإسلامي بسبب المأساة الوطنية التي انجرت عن الصدام الذي وقع بينه وبين نظام الحكم، والمعضلة الثانية هي التزوير الانتخابي الذي لازم العملية السياسية منذ استئنافها في الانتخابات الرئاسية سنة 1995.
استطاع الشيخ محفوظ نحناح في الانتخابات الرئاسية سنة 1995 أن يُلقي في روع كثير من الجزائريين المتعاطفين مع التيار الإسلامي والخائفين من حالة الصدام مع السلطة بأنه يمثل منهجا إسلاميا معتدلا يجنبهم المأساة فحقق بذلك نجاحا باهرا في الانتخابات الرئاسية التعددية الأولى سنة 1995. وأخذ عددا من الأصوات يفوق ما أخذه التيار الإسلامي مجتمعا سنة 1992 لكن الانتخابات زورت بالقوة وبتدخل الإدارة والأجهزة الأمنية بشكل سافر. وأُعْلِن بأن الشيخ محفوظ أخذ 25 بالمائة من أصوات الناخبين. اعتقدت السلطة الحاكمة بأن النجاح الذي حققه الشيخ محفوظ سببه الاسم الإسلامي لحزبه وشخصيته الكاريزمية، فأجرت تعديلا في الدستور وقانون الانتخابات، فرضت بموجبه نزع كلمة الإسلامي من اسم الحزب فأصبح اسمه حركة مجتمع السلم (حمس) بدل حركة المجتمع الإسلامي (حماس). ووضعت له مادة تعسفية في الدستور المعدل سنة 1996 تمنعه نهائيا من الترشح لأي انتخابات رئاسية أخرى. رفض الشيخ محفوظ التصعيد وتنازل عن حقه، بل قبل قواعد اللعبة الجديدة وقرر مواصلة المحاولة في الانتخابات التشريعية والمحلية التي نظمت سنة 1997[6] وفازت فيها الحركة مرة أخرى، ولكن الانتخابات زورت لصالح حزب جديد أسسته الإدارة ثلاثة أشهر قبل الانتخابات، هو التجمع الوطني الديمقراطي. وأثبتت لجنة تحقيق برلمانية التزوير وغُيِّب ملف التحقيق. منذ ذلك الحين توقف أغلب الناخبين في الكتلة الناخبة الإسلامية عن المشاركة في الانتخابات، ولم تصبح تتفاعل مع الأحزاب الإسلامية، ورجعت جبهة التحرير الوطني إلى بيت الطاعة كحزب ثان مساند للسلطة بعد مغامرة المعارضة التي خاضتها مع عبد الحميد مهري التي لم تدم طويلا. كان من المفروض عند كثير من الملاحظين أن تتوقف حركة الشيخ محفوظ (حمس) عن المشاركة في الحكومة[7] بعد التزوير لصالح التجمع الوطني الديمقراطي وعودة جبهة التحرير إلى أحضان السلطة وأن تتجه إلى المعارضة السلمية من أجل إعادة ترتيب قواعد اللعبة السياسية، خصوصا وأن أهدافها الاستراتيجية أغلبها تحقق وأن نظام الحكم أظهر عدم استعداده لقبول الحركة كبديل كما كان يتوقع الشيخ محفوظ. حاول الشيخ محفوظ نحناح ليّ ذراع السلطة بفرض ترشحه ومواجهة مرشحها الجديد عبد العزيز بوتفليقة سنة 1999، ولكنه مُنع من ذلك بحيلة قانونية مكشوفة أعدت له في تعديل سنة 1996 فوجد نفسه بين خياري المواجهة أو العودة إلى مساندة السلطة، فقرر الخيار الثاني ورجع إلى مساندة بوتفليقة، فتسبب ذلك في انهيار كبير لشعبية الحركة ظهر جليا في التراجع الكبير الذي عرفته في الانتخابات التشريعية سنة 2002[8]. رغم التحسن الطفيف الذي حققته حمس في الانتخابات التشريعية سنة [9]2007 بقيت نتائجها، ومن ورائها حركتا النهضة والإصلاح، ضعيفة في حدود 10 بالمائة من نتائج الانتخابات تواجه المشكلتين الأساسيتين المذكورتين آنفا، وخصوصا التزوير، المستمر والثابت، الذي تحول من تزوير بالقوة ومصادرة صناديق الاقتراع وتغيير النتائج علانية في انتخابات الرئاسة 1995 والانتخابات المحلية والتشريعية سنة 1997 إلى تزوير ذكي يعتمد على إضافة أرقام وهمية في الكتلة الناخبة للتغطية على معدلات المشاركة المنخفضة في الانتخابات وتوجيهها إلى جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي بشكل أساسي وإلى بعض الأحزاب والقوائم بعد ذلك وفق ما تقتضيه الحسابات التي تعدها المخابر الخفية التي تشرف على الانتخابات، وهذا إضافة على التصويت المتكرر والتصويت بدل الأموات الذين لا تشطب أسماؤهم [10]، وكذا تصويت الأسلاك المشتركة الذي كان حاسما في الانتخابات التشريعية سنة 2012 في كثير من الولايات، وهي أصوات أفراد مختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية التي توجه بالجملة لأحزاب السلطة عن طريق التصويت الجماعي بنقل الجنود ورجال الأمن إلى صنادسق الاقتراع عبر الشاحنات والحافلات.
الخلاصة:
حينما ننظر إلى الواقع العربي وموقع الحركات الإسلامية فيه، تبدو الحركة الإسلامية في الجزائر، رغم سبقها في كثير من الأطروحات الفكرية والممارسات السياسية التي تعد اليوم توجهات تجديدية في الساحة الإسلامية، وكأنها متأخرة عن ركب مثيلاتها في البلدان العربية الأخرى، فالأحزاب الإسلامية وصلت إلى الحكم في البلدين الشقيقين في تونس والمغرب، ولا يزال الحراك مستمرا بكثير من العنف واللاستقرار في بلدان الربيع العربي. غير أننا حينما نتفحص موازين القوة القائمة في كل هذه الدول لا نجدها مختلفة عما هو موجود في الجزائر وأن الثورات العربية لم تحقق إنجازاتها بعد في أي بلد من هذه البلدان وأن القوى النافذة- أو ما يسمى الدولة العميقة- تعاود بناء نفسها في كل من تونس وليبيا ومصر ولم تخرج من الحكم إطلاقا في المغرب. وقد حدثت انتكاسات مثل ما وقع في الجزائر بعد ربيع 5 أكتوبر 1988 أو أسوأ من ذلك. وفي مثل هذه الظروف تحتاج الحركات الإسلامية في البلدان التي وقعت فيها ثورات شعبية إلى الاطلاع على التجربة الجزائرية بكل تفاصيلها[11].
إن أهم ما يجب الالتفات إليه في التجربة الجزائرية أن الحركة الإسلامية في الجزائر ممثلة في حركة مجتمع السلم تعيش حالة من الاستقرار والهدوء وتعمل بعيدا عن الضغوط أكثر من مثيلاتها في العالم العربي، وتعمل وتتطور وهي متسلحة بتجربة كبيرة رأت فيها نسبية العملية الانتخابية في التغيير في العالم العربي في هذه المرحلة، وعايشت مآسي العنف وتبعاته، وجربت الحكم والعمل في مؤسسات الدولة لسنوات طويلة في المجالس الانتخابية المحلية والبرلمان والحكومة بتسييير عدد معتبر من الوزارات والمواقع الإدارية المختلفة، ورأت الآثار السلبية على الدعوة والعمل المجتمعي جراء الصراع على السلطة مما جعلها تتجه إلى الفصل المؤسسي بين وظائفها لتضع وديعة الدعوة ومختلف مشاريع الإصلاح الاستراتيجية في مأمن مؤسسي متخصص عبر شبكة متنامية في فضاءات المجتمع المدني المتنوعة بواسطة مؤسساتها القديمة العريقة أو عددا من المؤسسات المتخصصة الجديدة عبر رؤية شاملة عرضتُها بمناسبة المؤتمر الخامس سنة 2013 في كتابي “البيت الحمسي: مسارات التجديد الوظيفي في العمل الإسلامي”، و نحن اليوم ننظر للعمل الحزبي ونمارسه يومياته بما يتناسب مع طبيعة ووظيفة الأحزاب المعروفة في العالم ليكون في خدمة الأوطان وصيانة وحدتها وتماسكها. الحركة اليوم بعد خروجها من الحكومة، واختيار قيادتها الجديدة في المؤتمر الخامس، تمارس نوعا جديدا من المعارضة في العالم العربي، فلا هي في صدام عدمي مع نظام الحكم ولا هي تسانده وتتوافق معه، بل تعارضه معارضة علمية قوية ضمن نزعة وطنية بارزة تكسر بها احتكاريته للوطنية وتضعف غروره واستصغاره لكفاءة غيره وهز مصداقيته في الرأي العام، لا تعتمد في ذلك على الشعارات المثالية والخطاب الديني التقليدي بل تسخر العمل الحزبي لتنمية الوطن والكفاح من أجل الحريات، فإن توفرت فسحة الحرية تعطي الأولوية للتنمية بمرجعياتها الإسلامية والتجارب البشرية المفيدة، وإن استحال تقديم البرامج التنموية وتطبيقها في الدوائر المحلية والحكومة والإدارات المركزية تعطي الأولوية للنضال من أجل الحرية، تحافظ على المتاح من الحريات وتعمل على توسيعها بخطاب قوي متزن، وتعديل متدرج لموازين القوة الآخذ في التطور لصالح المجتمع على حساب هيمنة النظام السياسي وشموليته في منظور سنوات قليلة من خلال كثير من التطورات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والسكانية، ومن خلال تحالفات ذات مصداقية مع كل القوى الإسلامية والوطنية والعلمانية المحتاجة إلى الحرية والمدركة لأهميتها، كما تسخر العمل العمل الحزبي لمقارعة الفساد والفشل بخطاب مدني قوي وفاعل مشحون بالقيم وضمن إطار الهوية الإسلامية، خطاب يكشف سلوك الحكام الخاطئة وأنمط تسييرهم الفاشلة ويقدم البدائل في كل قطاع من القطاعات الوزارية من خلال لجان قطاعية متخصصة تعد لذلك. وتوسع شبكة العلاقات الداخلية والخارجية، تنطلق من القرب الإسلامي ولكنها تتجه إلى كل أنواع العلاقات النافعة التي تحفظ بها نفسها من العزلة التي تريد أن تضع فيها الأنظمة خصومها في التيار الإسلامي. ويبقى التحدي القائم أمامها هو إيجاد الطرق الإبداعية لتجنيد الجماهير المتعجلة للتغيير والعازفة عن المشاركة السياسية من خلال هذا النوع الشبكي الجديد المتخصص والمتفاعل والفاعل الذي سيكون هو منهج العمل الحتمي في القرن الذي نحن في بدايته في كل الحركات الإسلامية.
[1] ـ يتطرق الشيخ محفوظ إلى هذه المعاني ضمن سلسلة مقالات بعنوان “نحو الهدف”، منشورات حركة مجتمع السلم، الجزائر، 2008
[2] ـ حينما أدرك الجنرال شارل ديغول أن استقلال الجزائر عن فرنسا حتمية لا مفر منها حاول فصل الجنوب الشمال سنة 1960 بسبب حقول البترول التي اكتشفت في صحراء الجزائر بالجنوب سنة 1956. وحاول إقناع قادة الثورة التحريرية بذلك بأساليب الترغيب من جهة والترسانة العسكرية الكبرى التي سخرها لذلك ولكنه فشل حيث استمرت الثورة سنتين أخريين حتى استقلت الجزائر موحدة سنة 1962. ومشروع ديغول هذا ينخرط ضمن ذهنية سايكس- بيكو التي قسمت على أساسها البلاد العربية وبقي هذا الحلم يراود الاستعمار الغربي بشأن الجزائر حتى بعد الاستقلال.
[3] ـ هذه المقاربة هي التي انتهجها أردوغان 13 سنة بعد هذا حينما رأى أن المؤسسة العسكرية التركية تعرت بانهيار الأحزاب العلمانية ووجودها وجها لوجه أمام صلابة حزب الأستاذ اربكان رحمه الله فنجحت المقاربة في تركيا ولم تنجح في الجزائر لاختلاف البيئتين.
[4] ـ حين قررت حركة مجتمع السلم الخروج للمعارضة اعتبر كثير من الأطراف في السلطة بأن الحركة هي التي نجحت في رهان الوقت بينها وبين السلطة حيث أنها نجت بنفسها واستطاعت أن تستأنف وجودها القوي في المجتمع قبل تحقيق هدف القضاء عليها شعبيا، ولا تزال إلى الآن محاولات حثيثة للرجوع بها للحكومة خصوصا أمام الانبعاث الكبير الذي تعرفه بعد مؤتمرها الخامس.
[5] ـ في فترة المناقشة التي تلت عرض المحاضرات ضمن الندوة التي شاركت فيها طرح علي د. رفيق عبد السلام القيادي في حركة النهضة ووزير الخارجية السابق في الحكومة التونسية بعد الثورة سؤالا حول السلبيات التي نتجت عن مشاركتنا في الحكومة إلى جانب الإيجابيات التي ذكرتها بغرض الاستفادة من التجربة باعتبارهم في بداياتها في تونس فذكرت له ما يلي: امتصاص الوظيفة السياسية لوظائف العمل الإسلامي الأخرى وعلى رأسها الوظيفة الدعوية ( والأمر يتعلق هنا بالاشتغال بالعمل السياسي ككل وليس الوجود في الحكومة فقط) وذكرت له بأن هذه السلبية تعالج بفكرة التمييز الوظيفي التخصصي، بروز طبقة من كوادر الحركة انتفعت من وجودنا في الحكومة فأصبحت تقدم الدفاع عن مصالحها وطموحاتها على حساب مصالح ورسالة وطموحات الحركة وتعالج هذه السلبية بالحرص على الديموقراطية داخل الحركة وبالتذكير والحرص على الوظيفة التربوية داخل الحركة، المساهمة في اختلال موازين السياسية لصالح النظام السياسي ويعالج هذا بالاستعداد الدائم بترك الحكومة حين يتضح بأن الاستمرار فيها مضر بالبلد وممكن للفساد، تراجع شعبية الحركة ووعائها الانتخابي ويعالج بالحرص على الجانب المبدئي في الأداء ومصداقية الأفراد الذي تتم بهم المشاركة وكفاءتهم ونزاهتم وبالحرص على مصالح الناس وخدمتهم.
[6] ـ حصلت حركة مجتمع السلم وفق تصريح وزارة الداخلية على 70 مقعدا ما يمثل نسبة 14,12 % من مجموع المقاعد وراء التجمع الوطني الديمقراطي الذي مُنح 165 مقعدا ما نسبته 32,12 %.
[7] ـ كنت من الذين دعوا من داخل الحركة إلى الخروج من الحكومة منذ 1997 وكتبت مذكرة في الموضوع سلمتها للشيخ محفوظ وقرأتها على بعض أعضاء المكتب التنفيذي الوطني آنذاك منهم أحمد الدان والمذكرة منشورة في كتاب البت الحمسي.
[8] ـ حصلت حركة مجتمع السلم على 38 مقعدا ما نسبته 7.74./.وراء حركة الإصلاح التي احتلت المرتبة الثانية بـ 43 مقعدا بمعدل 10.08./.
[9] ـ استرجعت حركة حمس المرتبة الثالثة ب 51 مقعدا ما يعادل %9.64.
[10] – لحماية هذا النوع من التزوير ترفض السلطات الجزائرية منع وجود ممثلي الأحزاب ومنظمات الرقابة في اللجان التقنية الولائية وعلى مستوى وزارة الداخلية حيث توزق المقاعد، كما ترفض السماح للأحزاب والمنظمات الدولية لمراقبة الانتخابات بالاطلاع على الكتلة الناخبة الحقيقية وتكتفي بتسليم قرص مضغوط غير قابل للاستعمال، وقد بقي هذا هو التحفظ الرئيسي لبعثة الاتحاد الأوربي حول تنظيم العملية الانتخابية في الجزائر، بالرغم من أنه كان متساهلا مع السلطات الجزائرية في تقريره حول الانتخابات التشريعية سنة 2012,
[11] ـ لم أشأ مراجعة هذه الفقرة التي كتبتها قبل الانقلاب العسكري في مصر وقبل تدهور الأوضاع في اليمن وليبيا وكذلك تراجع النهضة في تونس، والبحث منشور كما هو في مجلة مركز دراسات فكر، وقد أكدت الأحداث هذه المخاوف للأسف الشديد.