أرشيف التصنيف: أخبار

تطور الوضع السوري: الواقع والمآل

في تطورات متتالية وسريعة منذ 27 نوفمبر / تشرين الثاني الماضي حققت المعارضة السورية تقدما عسكريا كبيرا في الشمال الغربي للبلاد يقدر إلى حد الآن بحدود 22 ٪؜ من الأراضي، سيطرت فيها على محاور استراتيجية ومدن مهمة منها حلب إدلب وحماة وعدة مطارات وكليات عسكرية وثكنات عسكرية وعدد كبير من العتاد العسكري.
بدا هذا التقدم السريع والواسع مفاجئا لكثير من المراقبين، وبات السؤال المتكرر الذي يُطرح هو أين سيصل توسع المعارضة على حساب النظام السوري وما هي آثار ذلك على المنطقة، ويلح المنخرطون والمساندون لطوفان الأقصى والحرب ضد الكيان ما هو مآل ذلك بالنسبة للقضية الفلسطينية.
سنحاول أن نفهم خلفيات هذه التحولات المهمة من خلال تتبع أوضاع الأطراف الدولية والإقليمية ذات العلاقة وأهدافها ومكاسبها وخسائرها. ولكن قبل ذلك لا بد أن نؤكد مسألة مبدئية وهي أن النظام السوري نظام مجرم أوغل في دماء السوريين وهجّر الملايين منهم وسلم البلد للأجانب وأدخل سوريا كلها في مأساة عظيمة، وكان بإمكانه أن يحل الأزمة التي انفجرت في ظروف الثورات الشعبية العربية في 2011 عبر الحوار السياسي والحلول السلمية، لا سيما وأنه دُعي إلى ذلك من قوى المقاومة فرفض واختار القمع والإجرام. وفي كل الأحوال لا يمكن لحاكم فعل في شعبه مثلما فعل بشار الأسد في السوريين أن يستتب له الملك طويلا، ونهايته ستكون مؤكدة سواء في هذه الأحداث أو لاحقا، وأن السكان الذين ظلمهم وهجّرهم من حقهم استرجاع بلداتهم ومنازلهم وإنهاء غربتهم وتشردهم .
إن من أهم أسباب الانتصارات العسكرية التي حققتها المعارضة هو الانهيار السريع للجيش السوري في مواقع الاشتباك ، إذ ما إن تأكد ضباط وجنود هذا الجيش بعدم التدخل القوي لروسيا وإيران و حزب الله لنجدتهم حتى تركوا مواقعهم وعتادهم وفروا إلى الخطوط الأكثر أمنا. وقد أكد هذا الضعف والانهيار بأن النظام كان في طريقه إلى الزوال في وجه الانتفاضات الشعبية السورية، وأن الذين كانوا يديرون المعركة ضد الشعب السوري إنما هو الجيش الروسي والجيش الإيراني ومقاتلو حزب الله، وقد تحولت المعركة في الأرض السورية إلى معركة بالوكالة بين عدة مشاريع : المشروع الغربي الأمريكي الصهيوني، المشروع الروسي، المشروع الإيراني، المشروع التركي. فصار الوضع معقدا بمثابة الفتنة العمياء التي تذر الحليم حيران.
لا نريد أن نتطرق إلى طبيعة هذه الحرب الإقليمية، بل العالمية، بين مختلف المشاريع ولكن نحاول فهم ما يحدث في الوضع الراهن من خلال تطور أوضاع مختلف القوى الإقليمية والدولية، وذلك على النحو التالي:
١ – إيران: ربما يعتبر أهم تطور في المنطقة، كان له أثر على الأحداث القائمة حاليا في سوريا، هو تراجع المشروع الإيراني. ولا يُعزى هذا التراجع فورا إلى الحرب مع الكيان الصهيوني، والضربات التي تلقاها حزب الله، فقد ببيت الضربات الصاروخية المكثفة التي وجهتها إيران لدولة الكيان بأن لها القدرة على الفعل، ولو رغبت في توجيه ضربات صاروخية للمعارضة السورية أثناء تقدمها لفعلت. ولكن ثمة تطورات أعمق تسكن في الداخل الإيراني، حيث أن طول الحصار المضروب على هذا البلد، والتحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية الداخلية، دفعت الى صعود التوجه الذي يريد إحداث تغييرات في السياسة الخارجية الإيرانية ليصبح هذا البلد بلدا عاديا يهتم بشؤونه الداخلية وحل أزماته الاقتصادية من خلال إنهاء الحصار والتصالح مع المحيط الخارجي، ويساند هذا التيار الإصلاحيون المعروفون في الشأن السياسي، و”البزاريون” وهم معروفون في الشأن الاقتصادي كطبقة قوية من رجال الأعمال الذين ساندوا الثورة في عهد الخميني ثم باتوا الآن يبحثون عن بيئة أعمال أفضل، وقد تُوّج هذا الصعود في الانتخابات الرئاسية السابقة على حساب المحافظين القريبين من المرشد الأعلى والحرس الثوري.
تعود هذه الخلافات إلى سنوات عديدة سابقة، وتعتبر فترة الرئيس محمد خاتمي محطة مهمة في بروز هذه الصراعات، وقد اطلع الرأي العام على رسالة صارمة وجهها نفر من قادة الحرس الثور، منهم قاسم سليماني، إلى خاتمي يحذرونه فيها من تساهله مع مظاهرات الطلاب في يوليو / جويلية 1999، وبقي الخلاف يتصاعد إلى أن بلغ أشده في الفترة الأخيرة.
عندما تهيكل الخلاف وأخذ طابعا أمنيا توجه الحرس الثوري، خصوصا في عهد قاسم سليماني، إلى فصل قوى المقاومة عن التحولات السياسية داخل إيران، وبدأ يجهز ويدرب القوى الشيعية في مختلف البلدان، خصوصا سوريا والعراق ولبنان واليمن، لكي تحافظ على قدراتها العملياتية مهما كانت الظروف في الداخل الإيراني. غير أن الخلاف بلغ أشده في السنوات الأخيرة ووصل الى حد بات الاتهام يتداول داخل الشبكات المساندة لمحور المقاومة بأن مقتل قاسم السليماني والرئيس الإيراني السابق ومن كان معه في الطائرة التي سقطت، وكذا إسماعيل هنية ونصر الله كان بتخابر داخلي من قوى تريد إخراج إيران من الصراع، خصوصا الوضع الذي وجدت نفسها فيه بعد طوفان الأقصى دون أن تخطط الدولة الإيرانية لذلك.
لا يتوقع أن تكون المواجهة بين التيارين سهلة، فالتيار الاصلاحي ومن على شاكلته يستفيد من التطورات الإقليمية والدولية، وعلى قوته الاقتصادية، والتمركز المؤسسي ويستند على أغلبية شعبية لا تحكمها الأيديولوجية الصلبة، والتيار المحافظ يملك قوة عسكرية جبارة، وتتجه الشرعية الدينية لصالحه، وله قوة اقتصادية وكتلة مالية كبيرة، ولأنصاره جلد وصبر كبيرين، وهو يستطيع أن يحدث انقلاباً بالقوة لو لا التطورات العميقة في المحيط.
أما عن حزب الله فهو غير قادر على العودة الى المغامرة التي تورط فيها سابقا، من جهة أنه في وضع صعب بالنظر للخسائر التي تلقاها في مواجهته مع الكيان، ومن جهة أن المشروع كله في تراجع كبير والحلفاء الذين احتاجوا اليه سابقا غير راغبين في النجدة العسكرية لبشار الأسد إلى حد الآن، ومن جهة أنه ربما لا يرغب في افساد صورته مرة أخرى بعد أن رمم الكثير منها في انخراطه في طوفان الأقصى نصرة لأهل غزة، ومن جهة أن الأمر لم يصبح مجديا أمام الانهيارات الكبيرة للجيش السوري وهو يرى أن تدخلاته السابقة ذهب مفعولها هباء منثورا.
ضمن هذه التطورات الداخلية، لم يتم نجدة بشار الأسد من قبل ايران بشكل مباشر وقوي، ليس لأن إيران ليس لها القدرة، ولكن لأن القرار السياسي غير موجود، أو ربما غير متفق عليه، بسبب الكلفة الكبيرة المتوقعة، لا سيما أن التدخل الإيراني هذه المرة قد يجلب المواجهة المباشرة مع قوة إقليمية لها مصالح حيوية هي تركيا، والموقف الروسي غير واضح لحد الساعة، فالأفضل لإيران البحث عن حلول دبلوماسية من خلال مسار أستانا مع روسيا وتركيا.
٢ – روسيا
… يتبع ..

لماذا خسر الديموقراطيون الانتخابات في أمريكا؟

حينما يريد الله تعالى الانتقام من الطغاة والظالمين يجعل لذلك أسبابا كثيرة. من حيث يحتسبون ويحاولون تجنبه فيعجزون، ومن حيث لا يحتسبون فتكون مفاجأتهم بحجم الخسران كبيرة، وهي حالة سننية لا يلحظها إلا أولو النهى، والقرآن الكريم عامر بالآيات المعبرة عن كيفية إنذار الظالمين أو إهلاكهم.

ومن ذلك قول الله تعالى: ﴿ اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ ۚ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ۚ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا * أوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأرض إنه كان عليما قديرا﴾ سورة فاطر 43-44

فهل رأينا استكبارا أكثر من استكبار الرئيس الأمريكي بايدن وفريقه في الحزب الديمقراطي، وعلى رأسهم خليفته التعيسة للترشح في الانتخابات الرئاسية كاميلا هاريس، لم تؤثر فيهم صور الدمار الشامل والإبادة الجماعية في غزة، وراحوا يعلنون بلا حياء مشاركتهم في الجريمة، ويتبجحون بيهوديتهم على نحو ما قاله وزير خارجيتهم وانتمائهم العلني للصهيونية كما اعترف بذلك الرئيس نفسه، وقدموا   دعما لا محدودا للمتوحشين الصهاينة، بالسلاح والمال والتغطية السياسية والدبلوماسية والإعلامية، بلا خشية من أي عاقبة ودون أي اعتبار للاحتجاجات العالمية الكبيرة، ولا أي تقدير لأصوات الشباب والطلبة في حزبهم ذاته، والمظاهرات الإنسانية في مختلف أنواع العالم، فظنوا بأن مكرهم السيء لا يقدر على كسره شيء وأن لا قوة فوق قوتهم تقهرهم، فحاق بهم مكرهم، كما بينته الآية، ضمن مساقات سننية ماضية في الإنسان والمجتمعات البشرية، لا تتغير ولا تتبدل، يعرف الراسخون في علم التاريخ كيف عملت في أمم عظيمة قوية من قبل، وصل بعضها إلى التربب وادعاء الألوهية،  وكيف تعمل في كل وقت، ويشهد المؤمنون من خلالها بقوة الله تعالى  الذي لا تعجزه أمريكا، ولا جيوشها ولا جبروتها، وإنما يُمضي حركة السنن وقوانين الكون بعلمه والمقادير التي يريدها دون أن يكون فوق قدرته قادر أبدا، سبحانه وتعالى علوا كبيرا.

لقد كانت استطلاعات الرأي ترشح الديمقراطيين للفوز رغم تقارب النتائج بين الطرفين، وكان كثير من صناع الرأي يشيعون بأن دونالد ترامب رجل غير سوي، يعتمد الشعبوية ويستند على صعود اليمين المتطرف الأبيض ولن يستطيع هزيمة المؤسسية الأمريكية الراسخة مرة أخرى، فإذا بالخسارة كانت مدوية شاملة تاريخية، ليس على مستوى الرئاسة فقط بل خسارة المجلسين، وخسارة معاقل كانت محتكرة من الديمقراطيين.

إن الله تعالى يسير الكون بالقوانين والسنن، وهو ما نسميه تارة الأسباب، والأسباب التي جعلت كاميلا هاريس تخسر الانتخابات كثيرة منها ما يلي:

  • أهم تلك الأسباب تراجعها في أصوات الناخبين المحسوبين دوما على الديمقراطيين، وهي أصوات السود واللاتينيين،  حيث ارتفع التصويت لصالح ترامب عند السود من 8% إلى 13% وعند اللاتينيين من 32% إلى 45%، وهؤلاء يمثلون أكثر الشرائح الاجتماعية تضررا من الأزمات الاقتصادية للنظام الرأسمالي المتوحش، الذي لا فرق بشأنه بين الديمقراطيين والجمهوريين، إذ كلاهما يشتغل أساسا لصالح اللوبيات المالية والتوجهات الاقتصادية المركزة للثروة في أيادي قليلة من الناس، بل إن أوضاع تلك الشرائح الاجتماعية ساءت أكثر في زمن بايدن مما كانت عليه في عهدة ترامب السابقة، في ما يتعلق بالتضخم وارتفاع مستوى المعيشة، ووقود السيارات، وغير ذلك، رغم الوعود العريضة التي عادة ما يقدمها الديمقراطيون بهذا الخصوص، بل إن العديد من تلك الفئات صارت تشعر بأن حكامهم الديمقراطيين صاروا يهتمون بمصير الإسرائليين أكثر من اهتمامهم بمصير الأمريكيين. كما أن ثمة عامل آخر رصده المتابعون لتوجهات الرأي العام في امريكا، وهو ما يتعلق برفض كثير من اللاتينيين المسيحيين، خصوصا الكاثوليكيين، التوجهات التي باتت تميل اكثر فأكثر إلى ما يخالف قناعاتهم والتزامهم الدينية بخصوص العائلة ومسائل الجندرة والمثلية وغير ذلك.
  • ثم هناك الأداء السيء لبايدن، وحالة الخرف التي ظهر بها، و الانطباع الذي ساد في الأذهان عن حالة ضعفه، وتسلط توجهات متطرفة على قراراته في البيت الأبيض، على رأسهم اللوبي الصهيوني، الذي مثل وزير الخارجية توني بليكن الوجه العلني الأبرز  فيه. وقد كان حرصه على الترشح مخالفا لوعد كان قد قطعه بأنه لا يترشح إلا لعهدة واحدة لضمان حسن الانتقال من المرحلة الكارثية التي مثلها ترامب للمؤسسية الأمريكية، على حد ظنه، ثم كان تراجعه عن الترشح في جويلية 2024 بعد افتضاح ضعف قدراته الذهنية متأخرا جدا لم يعط الوقت لهاريس في الثلاثة أشهر المتبقية لتخرج من عباءته سيئة المنظر، كما أنها هي ذاتها لم تسع لذلك، ولم تتبرأ من أي سلوك سيء السمعة لرئيسها، وهو أمر مهم جدا في الديمقراطية الأمريكية، بل وقعت في خطأ جسيم استغله ترامب بكثافة في خطبه وأشرطته الإشهارية، وذلك حين قالت بعد تردد ” لا شيء يخطر ببالي”  في جوابها على سؤال طرحه عليها مذيع قناة ABC يوم 8 أكتوبر  قائلا: “هل كنت ستتصرفين بشكل مخالف لجو بايدن في الأربع سنوات من رئاسته” وكان يقصد القضايا الاقتصادية والهجرة ودعم إسرائيل. وقد كشف فريق كامالا هاريس عن قناعتهم وحملوا بايدن مسؤولية الخسارة، ولكن بعد فوات الأوان حين دوّت الهزيمة التاريخية. كما أن كثيرا من المتخصصين أكدوا ذلك، مثل الأستاذ في العلوم السياسية في جامعة فرجينيا لاري ساباتو الذي بين بأن المعركة كانت خاسرة منذ أن قرر جو بايدن الترشح وعمره ثمانين سنة، وكيف أن الاستبدال الذي وقع في آخر لحظة لم يكن ناجحا، حيث لم تدخل هاريس بأي برنامج يخصها.
  • وعلاوة على ذلك ساهم تيار ” غير ملتزم” الذي تشكل من القواعد النضالية للحزب الديمقراطي، من الطلبة والشباب البيض خاصة، ومن معهم من العرب والمسلمين، على إثر الجرائم التي شارك فيها قادة حزبهم في غزة،  وقد نشط هؤلاء كثيرا في الجامعات، من خلال التظاهرات والاعتصامات في كلياتهم، والاحتجاجات المتواصلة ضد أي مساهمة لإدارتها ومشاريعها في دعم الكيان الصهيونى، وقد تمكن هؤلاء من تشكيل تيار فاعل لعدم التصويت، وقد مثل ذلك إعاقة إضافية لهاريس وحزبها، بدأت ملامحها تظهر منذ  الانتخابات التمهيدية في الحزب الديمقراطي حين خسر بسببها جو بايدن نصف مليون صوت ولكن لم تصحح هاريس هذا المعطى المهم فدفعت ثمنه.
  • الحملة الانتخابية الجيدة لدونالد ترامب، حيث عرف كيف يصوب نقده إلى نقاط ضعف الديمقراطيين والأداء السيء  لبايدن، ومن ذلك تحميلهم تراجع مستوى المعيشة وإظهار المقارنات الرقمية بين عهدته وعهدة الديمقراطيين بعده، كما عرف كيف يدافع عن برنامجه بخصوص الهجرة غير القانونية التي تثير ناخبيه البيض كثيرا، دون أن يخيف الناخبين من غير البيض، بتركيزه على العامل غير الشرعي للهجرة، وتصويرها بأنها تتسبب في تضييع فرص عمل السود واللاتينيين، وأن هجرة هؤلاء إلى أمريكا مرحب بها في إطار القانون. ومن جهة أخرى رسم لنفسه صورة الشخصية السياسية المرتبطة بالشعب البسيط وسكان الأرياف، حيث ترك المجمعات السكنية الكبرى لتوجهاتها الانتخابية الاعتيادية وذهب لزيارة السكان التجمعات الهامشية وفي الأطراف والأرياف الذين لا يلتقي بهم الساسة بشكل مباشر عادة، وهو الخطأ الذي وقعت فيه هاريس كذلك. علاوة على خطابه الاعتيادي المتعلق بالوعود الاقتصادية وتحسين ظروف المعيشة، والحديث المثير للنزعة القومية كإعادة مجد أمريكا، ومكانتها الدولية وضبط الفوضى في العالم وتحقيق السلام وإنهاء الحروب.
  • وبخصوص الناخبين العرب والمسلمين، فإنه يمكن القول بأنه وقع تحول تاريخي في سلوكهم الانتخابي من زاويتين، من حيث عدم التصويت  للديمقراطيين، على غير العادة، بالمقاطعة أو التصويت لمرشحة حزب الخضر جيل ستاين الداعمة بقوة لفلسطين،  أو التصويت لترامب  ، ومن حيث الأثر الذي تحقق بتحويل ولاية ميشيغان التي يتركز فيها صوت العرب والمسلمين أكثر لصالح المرشح الرئاسي الجمهوري، والمساهمة في جلب كل ” الولايات المتأرجحة لصالح ترامب وكسر ما يسمى بالجدار  الأزرق. وقد كان السبب الرئيسي لتحول الناخبين العرب والمسلمين العدوان على غزة وتورط البيت الأبيض بقيادة الديمقراطيين في الجريمة، وقد عرف ترامب كيف يستغل هذا الوضع بانتقاله بنفسه للسكان العرب والمسلمين والحديث معهم ومع زعمائهم الدينيين ووعدهم بأنه سيوقف الحرب لغزة، خلافا لهاريس التي تهتم بهم ولم تزرهم ولم تتحدث معهم.

لا شك أن انتخاب ترامب لن يمثل تحولا جذريا لصالح القضية الفلسطينية بشكل تلقائي، حيث أن الجمهوريين في الكونغرس والرئاسة منحازين كلية لدولة الكيان ، ولكن الذي سيفعل ذلك هو طوفان الأقصى وبطولات المقاومة وثبات السكان في غزة ولبنان، فهم المعطى السنني الأساسي الذي سيحدث التحولات التي تفرض على ترامب وغيره في العالم وقف الحرب وتغيير نظرتهم للقضية الفلسطينية، وقد أحسن قادة حماس حين وضحوا ذلك في تصريحهم بعد ظهور النتائج بالقول : “تعقيباً على نتائج الانتخابات الأميركية التي تُظهر فوز المرشح الجمهوري دونالد ترمب، فإن على الإدارة الأميركية الجديدة أن تعي أن الشعب الفلسطيني ماضٍ في مواجهة الاحتلال، وأنه لن يقبل أي مسار ينتقص من حقوقه المشروعة في الحرية والاستقلال وتقرير المصير وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس”

ماذا يعني اغتيال الشهيد إسماعيل هنيّة؟

  • إنّ استشهاد قائد كبير في حركة جهادية مقاوِمة مثل حركة المقاومة الإسلامية حماس أمر عادي فذلك هو مصير من رشّح نفسه لهذه المهمة النبيلة، وهذا الذي حدث في الثورة التحريرية الجزائرية، إذ أغلب القيادات الكبيرة اُستشهدت كمصطفى بن بولعيد، والعربي بن مهيدي، وعميروش وسي الحوّاس وغيرهم الكثير.
  • لقد فاز الشهيد إسماعيل هنيّة بأعظم منحة يتمناها مؤمن صادق، فهو حي يرزق عند ربه وفق قول الله تعالى في سورة آل عمران: ((وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ۝ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ۝ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ – 169)).
  • لا يؤثر قتل القادة الكبار في مسيرة الحركات المقاومة لتحرير بلدانها، بل يزيدها قوّة وتماسكا وانتشارا، فقد قُتل المؤسس والمسؤول الأول في حركة حماس الشيخ أحمد ياسين والعديد من قادة الصفّ الأوّل، فجعل ذلك الحركة هي مرجع الكفاح والنضال في الساحة الفلسطينية وفي العالم بأسره، وهي اليوم تُعجز الكيان الصهيوني وكل حلفائه إلى درجة التشكيك في إمكانية استمرار الكيان نفسه.
  • يعتبر اغتيال الشهيد أبي العبد هنيّة إعلان الكيان بأنّه يريد استمرار المواجهة فعلى المقاومة في فلسطين أن تأخذ علما بذلك وأن تستعد لجولة طويلة من الجهاد إلى غاية التحرير، وعلى الشعب الفلسطيني كله أن يأخذ علما بأنه لا يراد له أن يعيش بكرامة وأنه يراد معاقبته دون تمييز على كل محاولة لأخذ حقوقه، فالبارحة استشهد ياسر عرفات لأنه أراد بعض الحقوق عن طريق المفاوضات واليوم يستشهد إسماعيل هنية لأن حركته أرادت أخذ الحقوق عن طريق المقاومة، فالاستشهاد بكرامة على طريق الجهاد هو السبيل الأوحد الذي حررت به الشعوب بلدانها، فلا حل للشعب الفلسطيني إلاّ أن يتحد وراء المقاومة من أجل حريته وصناعة مجده كما فعلت شعوب أخرى، وكل تردد واِرتعاش أمام جبروت الاحتلال هو مزيد من الإذلال واِستمرار الاحتلال.
  • على الدولة الإيرانية أن تتحمل مسؤوليتها بالرد المناسب على هذه الجريمة التي وقعت على أرضها والشهيد اِستهدف وهو في ضيافتها، ويجب أن تستعد لمواجهة واسعة من الكيان، لأنه بات واضحا بأن ذلك ما يريده قادة الاحتلال من أجل التغطية على الهزيمة التاريخية النكرة التي حلت بهم في طوفان الأقصى.
  • على الأمة العربية والإسلامية بمختلف طوائفها أن تكون جاهزة للتحولات الكبيرة المتوقعة على إثر هذه الجريمة الشنعاء، وعلى الحكومات أن تكون في صف المقاومة بلا مواربة وأن لا تغرق أكثر في الخنوع والاستسلام للإرادة الأمريكية الصهيونية، فإنها في كل الأحوال لن تهنأ بسلطانها ما دامت فلسطين تحت الاحتلال، ومادام الكيان موجودا، وعلى النخب والشعوب أن تتحمل مسؤوليتها وأن لا تقبل بسقوف الخور والهوان الذي تفرضه الأنظمة ضمن هذه التحولات التاريخية العظيمة. إنّ طوفان الأقصى سيفصل في الأمة بين طائفتين، طائفة في المكان الصحيح من التاريخ مع المقاومة الفلسطينية، وطائفة في المكان الخاطئ من التاريخ يجتمع فيه من هم ضد المقاومة مع المثبطين ومع من لا يبالون بما حدث ومن يغرقون في حساباتهم الشخصية ومصالحهم الضيقة.
  • على أحرار العالم والقوى الدولية المدركة لخطورة الفوضى التي ترعاها أمريكا بإطلاق أيادي حليفها الصهيوني أن تنصرف لوقف هذا التدحرج المستمر نحو الهاوية والمواجهة الشاملة التي يريدها المجرم نِتِنْياهو لإنقاذ نفسه ويريدها تجار الحروب والمتخصصون في التحكم في العالم بواسطة الفوضى.

سبل معرفة الحق واتباعه

إن معرفة الحق واتباعه من أعظم الطاعات والعبادات والشرط الأساسي للنجاح في الحياة الدنيا والنجاة يوم القيامة. يقول الله تعالى في محكم تنزيله في سورة البقرة    ((فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ- 213))، وفي سورة  يونس (( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى – 35)) وقوله عز وجل في سورة البقرة (( وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُون-42)).

ومن أعظم ما يدل على أهمية معرفة الحق في حياة المؤمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتضرع الى الله تعالى بأسمائه وصفاته لكي يدله عليه في أجلّ وأفضل أوقات استجابة الدعاء،  إذ كان يستفتح قيامه الليل بهذا الدعاء الذي ورد في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- حينما سئلت: بأيِّ شيءٍ كان نبيُّ الله ﷺ يفتتح صلاته إذا قام من الليل؟ قالت: كان إذا قام من الليل افتتح صلاتَه:اللَّهُمَّ رَبَّ جِبرائيلَ ومِيكائيلَ وإسرافيلَ، فاطِرَ السَّمواتِ والأرضِ، عالمَ الغيبِ والشَّهادةِ، أنتَ تحكُمُ بينَ عِبادِك فيما كانوا فيه يَختلِفونَ، اهْدِني لِمَا اختُلِفَ فيه مِن الحقِّ بإذنِكَ، إنَّك تَهْدي مَن تشاءُ إلى صِراطٍ مُستقيمٍ))

لقد كان النبي المجتبى يتوسل الى الله خاشعًا خاضعًا أن يريه الحق في ما اختلف فيه الناس وهو الذي رأى الغيب رأي العين، المعصوم المؤيد بالوحي وبحفظ الله وعونه وفق قول الله تعالى في سورة النجم: ((وَٱلنَّجۡمِ إِذَا هَوَىٰ (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمۡ وَمَا غَوَىٰ (2) وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰٓ (3) إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ ( 4))

وإنما هذه السنة الفعلية  توجيهٌ لنا،  نحن المؤمنين العاديين، المبتلين بحتمية الاختلاف وفق قوله سبحانه في سورة  هود: (( وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِين٠ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ 118-119)) لكي لا نستصغر مسألة معرفة الحق واتباعه ونستخف بها، ولكي نجعل ذلك محورًا أساسيًا في حياتنا، نبذل قصارى جهدنا لتمحيص وجهات النظر وتبيين مختلف الآراء المختلف فيها، وتجلية ما خفي وما اكتنفه الغموض من القضايا التي تقابلنا في الحياة مما له أثر على ديننا ودنيانا، أفرادًا وجماعات، دون تحايل ولا تدليس ولا خِداع ولا كِبر ولا عجز ولا كسل، وبالتضرع إلى الله والتوجه إليه في الخلوات حيث تصفو وتصدق النفس ليرينا الحق حقًا ويرزقنا اتباعه، وبغير أن يقتصر انحيازنا إلى الحق حين يكون في صالحنا فقط كما ذكر الله تعالى في شأن المنافقين في سورة النور: (( وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49)  ))

لقد تأملت في النصوص الشرعية والأحكام والحِكم الهادية إلى سبل معرفة الحق، فوجدتها تتوزع على خمسة معالم  هي:

  • الإخلاص لله تعالى وتقواه
  • العلم بالأمر والمعرفة بمختلف جوانبه.
  • الخبرة فيه وطول التجربة بخصوصه
  • الشورى بحكمها خلق لازم وإجراء فاعل وصادق
  • الافتقار إلى الله في معرفة الحق والدعاء والتضرع إليه سبحانه.

أولاً – الإخلاص إلى الله تعالى وخشيته سبحانه وتقواه، إذ الحق نعمة نفيسة يَتيهُ فيها خلق كثير لا َتعرف إلا أبواب القلوب السليمة، التواقة حقا لمعرفة الحق، المحبة له المتعلقة به ولو كان في ذلك خسارة تصيب أصحابها، فقد قال الله تعالى في سورة البقرة: ((وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ 282- )) أي بخشيته تعالى تنقدح أنوار العلم والمعارف والحكمة، وكقوله سبحانه في سورة الأنفال: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا))، أي يهبه ميزانًا يعرف به الأمور على أوزانها الحقيقية، ونورًا يفرّق به بين الحق والباطل والحقّ والصواب. وقد وقف محمد رشيد رضا عند هذه الآية في تفسيره “المنار”  فقال: “جعل لكم بمقتضى هذه التقوى ملكة من العلم والحكمة تفرقون بها بين الحق والباطل ، وتفصلون بين الضار والنافع ، وتميّزون بين النّور والظّلمة ، وتزيلون بين الحجّة والشبهة . وقد روي عن بعض مفسري السلف تفسير الفرقان هنا بنور البصيرة الذي يفرّق بين الحق والباطل”

وفي السنة النبوية توجيهات كثيرة لما يمنحه تقوى الله من الحكمة والبصيرة ومن ذلك  الحديث القدسي العظيم الذي رواه البخاري عن أبي هريرة في ما حدّث به النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه فقال: (( يقولُ اللهُ تعالى :مَن عادَى لي وَلِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشَيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وما تَرَدَّدْتُ عن شَيءٍ أنا فاعِلُهُ تَرَدُّدِي عن نَفْسِ المُؤْمِنِ؛ يَكْرَهُ المَوْتَ، وأنا أكْرَهُ مَساءَتَهُ ولابدَّ له منه)). 

وفي مقابل ذلك لا شيء يعمي عن معرفة الحق كاتباع الهوى كما بين الله سبحانه وتعالى في صورة ص: (( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ – 26))، ومن أشد أنواع اتباع الهوى الكبر، الذي فسره رسول الله صلى عليه وسلم بأنه “بطر الحق” أي إنكاره وكفرانه،  و”غمط الناس” أي التعالي على الناس ومنعهم حقوقهم ومكانتهم، وذلك في الحديث الصحيح  الذي رواه مسلم عن عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى عليه وسلم : (( لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن كانَ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْرٍ قالَ رَجُلٌ: إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أنْ يَكونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا ونَعْلُهُ حَسَنَةً، قالَ: إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ، الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ، وغَمْطُ النَّاسِ)).

 وقبل ذلك وبعده،  فإن من أركان صلاتنا التضرع الى الله، في كل ركعة من صلوات الفرض والنافلة أن ندعو الله في قراءتنا سورة الفاتحة أن يعرفنا عز وجل  بالصراط المستقيم وأن لا نضل عن الحق، وأن لا نتعمد  الصّد عنه إن عرفناه، فينالنا غضب الله وإبعاده.

والإخلاص لله هو الإخلاص الذي ينجو به المرء عند الله تعالى،  ويوفق به في حياته الدنيا حيثما ذهب، ولكن ثمة إخلاص دون ذلك، كالإخلاص لأمة أو وطن أو عشيرة أو شركة أو مؤسسة أو منظمة أو حزب أو وظيفة أو فكرة مجردة أو نحو ذلك، فإنه كلما تجلى إخلاص المرء لأي منها، بعيدا عن المصالح الشخصية والأوهام المضلّة،  كانت معرفته مؤكدة للأنفع والأصح والأصلح لما  يعلن أنه مخلص له، وغير ذلك بريق سمعةٍ، وتدليسٌ وخداع.

يتبع ….

الهجرة في سبيل الله سعةٌ

قد يشعر المرء وهو يسير في طريق الإصلاح وصناعة الخير بكثير من الضيق والأسى حين تعترضه المصاعب والعواقب وتحيط به الخيبات، أو تثقل كاهله المظالم، أو حين يدرك حجم تأثير ما وقع فيه من تقديرات خاطئة واختيارات مجانبة للصواب على حياته ورسالته فيها، وقد يصل به الإحباط للتحول إلى كتلة من السلبية يسجن فيها نفسه، حتى لا يكون ثمة من قيد له سوى السجن الذي بنى حيطانه حول نفسه بنفسه.
غير أن الله سبحانه جعل للمؤمن مخارج كثيرة من هذه الحالة المدمرة، يحوّل بها هذا الضيق الى سعة، ومنها الهجرة في سبيل الله وفق قوله سبحانه وتعالى: ((وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً)). ومعنى الآية كما بيّنه المفسرون، أن الله يهب المهاجر أنواعا من التأييد بما يتحصن به وما يراغم به الأعداء، ويبسط له ويوسع له في الرزق.
والهجرة تكون لأسباب كثيرة، بالقلب والفكر وبالجسد.
– أما الهجرة بالقلب، أن يهجر المؤمن النوايا السيئةَ والمقاصد السفليةَ، وأن يغادر بقلبه سفساف الأمور ، ودرن الآفات الدفينة ويسافر بفؤاده نحو السماء إلى معالي الهمم، وعزائم الأمور الرفيعة.
– وأما الهجرة بالفكر أن يترك المرء بفكره البيئة السلبية التي تفسد دينه وتكون خطرا على أخلاقه، والمعيقة لتطوره ومواصلة طريقه، فيقطع صلته عقليا بالأجواء الفاسدة التي لا يستطيع تغييرها في الحين، والتي يعسُر عليه في الآن إمضاء الخير الذي يرومه فيها، وينتقل إلى التفكير في الأعمال الصالحة ومشاريع الإصلاح التي لا تحكمها البيئات المنحطة أبدا، ويتحرر من قيود الحاضر بأن يطلق العنان لخياله لكي يرحل إلى مستقبل مشرق يرسمه في ذهنه فيذهب إليه مسرعا غير ملتفت إلى الخلف حيث البيئات المضللة.
– وأما الهجرة بالجسد فهي أن يغادر المسلم المكان الذي تغلبه فيه نفسه، حيث تجرّه نزواته إلى المهالك، أو حيث دواعي العجز والكسل، أو آثار الآثام والظنون والهواجس التي تمنعه، أو تعطله، عن العمل الصالح للارتقاء بنفسه ومجتمعه إلى مدارج الخير والبر والرضوان.
وهذا ما يؤكده الحديث الشريف الذي رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو : ((الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ‏))، وكلما كانت الظروف صعبة والبيئة فاتنة وثمن الالتزام كبيرا، كان الثبات على الدين بمثابة الهجرة المتجددة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثلما بيّنه الحديث الشريف الذي رواه مسلم عن معقِل بن يسار عن رسول الله صلى عليه وسلم أنه قال: ((الْعِبادَةُ في الهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إلَيَّ))
وقد تكون الهجرة انتقال دائم أو مؤقت لسبب البحث عن فضاءات أرحب وفرص أفضل، يُقدَّرُ فيها مقامُك ومقدراتك، وتحصل فيها على أدوات أنسب لتطور ذاتك، وتجسيد رسالتك والاقتراب أكثر من رؤيتك.
وقد تكون الهجرة بسب المنع والتضييق أو الملاحقة والاضطهاد، لا لشيء إلا لأنك تؤمن بالله، أو لأنك تدعو إلى الله، أو لأنك تريد أن تخدم بلدك في سبيل الله، لتحرره من الفساد والاستبداد، ولتجعل أهله ينعمون بالحرية والكرامة والعيش الرغيد.
يكون الانتقال والهجرة بالجسد من مكان الى مكان آخر، قريب أو بعيد، من حي إلى حي، أو من قرية إلى إلى قرية، أو من مدينة إلى أخرى، أو من بلدك إلى بلد آخر، بعيد أو قريب، لا يهم في ذلك إلا البيئة التي تساعدك على حفظ نفسك وأسرتك وخدمة دينك وأمّتك، ولا معيار للهجرة التي يجزل بها الله تعالى الأجر والثواب إلا أن تكون في سبيل الله كما جاء في الحديث الصحيح المشهور : (( إِنَمَا الأَعْمَالُ بِالنِيَاتِ))، وأن تبقى في سبيل الله، مبررة دوما بالمقاصد النبيلة، لا تغامر فيها بدينك وأخلاقك ومروءتك، مهما كان المجال الذي ستشتغل فيه ومهما كانت الوجهة التي تقصدها.
إن من أهم الدروس التي نستلهمها من الهجرة النبوية أن أصحاب الرسالات لا يجب أن يتوقفوا عن العمل لرسالتهم ورؤيتهم مهما كانت الصعوبات والتحديات والخيبات، ومهما كان الصد الخفي والعلني، والمباشر وغير المباشر، ومهما كانت صلابة وضخامة القوى المضادة، فالمجتمع فسيح وأرض الله واسعة،(( أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا))
وقد تكون الهجرة جزئية إلى بلد غير معادٍ يتم فيها انتقال جزء ممن أرهقهم الأذى أو ممن يجب حمايتهم لأهميتهم أو لأهمية ما يحملونه من خصائص تحتاجه الجماعة الساعية للتغيير، أو لصناعة منصة خارجية للدعوة إلى الله ولنشر الفكرة ضمن رؤية حضارية مستقبلية، كما حدث في الهجرة الأولى الى الحبشة.
أو تكون الهجرة كلية، بخروج الجماعة الساعية للتغيير كلها حين تصبح أرض النشأة مستعصية بالمجمل على التغيير، للتحول إلى بلدة أو بلاد أخرى مرحبة ومستعدة لقبول الفكرة الجديدة وحمايتها والتضحية من أجلها، كما حدث في الهجرة النبوية التي نحتفل بها كل سنة في الأول من محرم، ثم تكون العودة إلى البلاد التي بزغت فيها الفكرة بعد أن تمكنت في بلاد أخرى هاجرت إليها، أو استُكملت فيها العدة النفسية والفكرية وهُيِئت الأسبابُ للرجوع إلى بلد المنبع.
لا هجرة بعد فتح مكة، من مكة إلى المدينة، وفق ما ورد في الصحيحين من حديث عائشة، ومن حديث ابن عباس أن رسول الله ﷺ قال: ((لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وإذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا))، ولكن الهجرة تبقى عملا صالحا إلى يوم القيامة وفق ما جاء في الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود عن أبي سفيان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لاَ تَنْقَطِعُ الهِجْرَةُ حَتَى تَنْقَطِعَ التَوبَةُ، وَلَا تَنْقَطِعُ التَوَبَةُ حَتَى تَطْلُعَ الشّمْسُ مِنْ مَغْرَبِهَا))، وذلك إذا أضطر المسلم إلى ترك الإقامة في بلاد غير المسلمين إذا خشي على دينه، ودين أبنائه وعائلته، ليقيم حيث يستطيع المحافظة على عقيدته والالتزام بواجباته الدينية هو ومن هم تحت مسؤوليته، أو إذا هاجر إلى بلاد أخرى، مسلمة أو لغير المسلمين، إذا ارتبطت هجرته بنية خالصة لوجه الله تعالى، أو من أجل أعمال مفيدة للنفس والأهل أو للوطن أو الأمة أو من أجل القضية الفلسطينية أو دفاعا عن أي قضية مقدسة أو عادلة.
بل إن الهجرة تبقى دوما واجبة من حيث هجر أذيّة المؤذين وسوء المسيئين والصبر عليهم حين لا يكون تغيير مناكرهم ممكنا ولا تزيد رفقتهم إلا منقصة في التدين والأخلاق كما بين الله تعالى (وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا- 10)) المزمل.
وتكون الهجرة كذلك واجبة في كل وقت من أجل المحافظة على الدين وحفظ النفس والأهل من بطش الظالمين والاستضعاف في الأرض لمن قدر عليها ووجد طريقها وملك وسائل الحياة الكريمة الحرة عبرها في بلاد أخرى، إلا من عجز فإن الله تعالى يرحمه ولا يؤاخذه، وذلك ما قصدته الآية الكريمة في قوله تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا- 98-99)) النساء.
لقد جعل الله الهجرة من أعظم الأعمال الصالحة وامتدحها في كتابه العزيز، ما تعلق منها بالهجرة الى النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم في المدينة حين خرج من مكة مهاجرا إليها، كما جاء عنها في العديد من الآيات التي ربطها سبحانه بالإيمان والجهاد ومنها قوله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيم))، وما عظُم أمر المهاجرين إلا لما حققوه من تحول تاريخي عظيم بدأ معه عدّ قيام أمة الإسلام ودولة الإسلام وحضارة المسلمين وقد أعطوا في سبيل ذلك كل ما يملكون، وما نحن المسلمين جميعا إلا حسنات جاريات في رصيدهم رضي الله عنهم أجمعين وعلى مصدر الخير فيهم سيدنا محمد أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
أو ما تعلق منها بهجرة الذنوب والمعاصي، حيث عدها رسول الله أفضل الإيمان، كما جاء في الحديث الذي رواه أحمد عن عمرو بن عبسة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ….قال: فَأَيُ الإِيمَانِ أَفْضَلْ؟ قال: ((الهِجْرَةُ))، قال: فَمَا الهِجْرَة؟ قال: ((تَهجُر السُوءَ))..))
أو ما تعلق بهجرة الأوطان لحفظ الدين، وتجنبًا للظلم والبطش والعدوان، كما وقع في عصرنا للعديد من المسلمين الذين تم تهجيرهم بسبب الفتن والحروب أو الذين تم التنكيل بهم من قبل الأنظمة الاستبدادية أو المليشيات الإجرامية، في مصر وسوريا والعراق واليمن ونحو ذلك كما بين الله تعالى في محكم التنزيل: ((وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ۖ وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ – 41))النحل
أو ما تعلق بأي غاية نبيلة تدخل فيها نية صالحة، ويُحفظ فيها الدين والعرض والخلق، كطلب العلم كما جاء في صحيح أبي داود عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( منْ سَلَكَ طَريقًا يَبْتَغِي فِيهِ علْمًا سهَّل اللَّه لَه طَريقًا إِلَى الجنةِ))، أو الضرب في الأرض وراء الرزق كما جاء في الآية: ((هُوَ الذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيهِ النُشُور – 15)) الملك، وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه البيهقي مرفوعا عن ابن عباس: ((سَافِرُوا تَصِحُوا وَتَغْنَمُوا)).
إن في الهجرة خير كثير حين تكون واجبة لحفظ الدين أو النفس أو العرض، وحينما تكون مباحة لمصلحة عامة نبيلة في أي مجال من المجالات أو لمصلحة خاصة مما يتقوى به المؤمن الصالح في ما لا تتاح له الفرصة في بلده، لعلم أو خبرة أو رزق، وفق قول المصطفى في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة: ((المُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفِي كُلٍّ خَيْرٌ)).
فالهجرة بهذه المعاني خير كله وفق ما جاء في الحديث الذي رواه النسائي وصححه الألباني، عن كَثير بن مُرَّة أن أبا فاطمة حدَّثه، أنه قال: يا رسول الله، حدِّثني بعمل أستقيم عليه وأعمله، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عَليكَ بالهجرةِ فإنَّهُ لا مِثلَ لَها)).
وما فضل الهجرة إلا لما يقدمه صاحبها من تضحيات بترك الديار والأهل والأحباب وركوب المخاطر والتحرك في المجهول، وربما ضيق الرزق وقلة الزاد، قبل أن تستقر له الأمور بما يمنحه الله تعالى له من مراغمة وسعة وعد بها سبحانه في الآيات وأحاديث نبيه عليه الصلاة والسلام.
وجمل الإمام الشافعي فوائد التغرب عن الأوطان في أبيات بديعة يقول فيها:
تغرب عن الأوطان في طلب العلا
وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفريج هم واكتساب معيشة
وعلم وآداب وصحبة ماجد

Le Déluge d’Al-Aqsa est un phénomène sunnanite

Malik Bennabi, que Dieu lui fasse miséricorde, souligne l’importance du point à partir duquel l’histoire commence  la construction d’une civilisation, et il considère que l’une des conditions de la renaissance est que l’homme reconnaisse ce moment historique et en fasse le début du changement fondamentale dans l’histoire, de sa propre vie, de sa nation et de la condition humaine en générale. C’est ce genre d’événements qui permet à la Oumma de sortir du complexe d’infériorité et d’avancer vers l’histoire.

Il est certain que le déluge d’Al-Aqsa constitue un de ces moments décisifs dans notre histoire en tant que Oumma islamique, et spécifiquement dans  l’histoire de la question palestinienne, comme il aura un impact majeur sur le changement du monde.

Il faut bien souligner qu’avant le déluge la situation de la nation islamique, et de la question palestinienne en particulier, étaient à un stade critique, nous pouvons dire sans hésitation que « Tou changement radicale sera dans notre intérêt », notamment après toutes les tentatives  de réformes politiques et sociales sans issues, pour rendre nos pays développés où les gens prospérèrent dans un environnement de justice, de liberté, et de dignité humaine.

La question palestinienne, elle même, était en situation de stagnation et de blocage dans ses différents  dossiers: 

⁃ La perpetualité du siège de Gaza avec tout le lot de souffrance qui s’en suit.

⁃ les brigades d’Al-Aqsa se sont transformées en armée de Gaza seulement, et ce du moment qu’il n’y’avait pas de possibilité de libérer un autre centimètre de la terre de Palestine.

⁃ l’expansion des colonies dans la Cisjordanie avait mis fin à toute possibilité d’établir la prétendue solution à deux États. 

⁃ La partition  temporelle entre juifs et musulmans dans la mosquée Al-Aqsa s’était manifestement concrétisé, et le passage forcé vers la partition spatiale était en préparation, et le détruire plus tard, à Dieu ne plaise, en serait la  conséquence si le marasme Arabe et musulman allait continuer.

⁃ Les Palestiniens à l’intérieur de la Ligne Verte vivaient et vivent toujours dans une sorte d’apartheid sous le régime coloniale sioniste.

⁃ Et enfin le rythme de la normalisation et de l’abandon collectif arabe de la question palestinienne était dans son extrême accélération, notamment avec la normalisation qui était imminente avec l’Arabie Saoudite, et qui serait suivie en cas de sa concrétisation par la normalisation de tout les pays du monde musulman .

 Face à toutes ces graves dérives, restait-il quelque chose qui nous fasse craindre les conséquences d’une escalade de la résistance ?

Le déluge d’Al-Aqsa est une situation sunnanite qui profite à la Palestine, à la Oumma islamique et à l’humanité.

Si nous énumérons les gains stratégiques que le déluge d’Al-Aqsa a obtenus jusqu’à présent, nous serons certains que le déluge d’Al-Aqsa était un fait sunnainite béni qui s’est produit par la bienveillance  d’Allah.

Le déluge d’Al-aqsa est un de ces fait historique et cosmiques qui dépasse la capacité de perception des humains qu’Allah  initie lorsque l’injustice s’impose sur la Terre et que l’échelle des valeurs se bouleverse,   le bien se transforme en mal et   Le mal en bien, et ce, afin de punir les oppresseurs et mettre sous épreuve les opprimés. 

Quant aux oppresseurs, Dieu Tout-Puissant les a déjà punis par le déluge d’Al-Aqsa, avant la fin de la bataille, et il les a mis dans  une tourmente  qu’ils n’avaient jamais connu auparavant, notamment :

– La profonde déstabilisation du récit erroné utilisé pour la création et le maintien de l’état  sioniste et l’attention particulièrement manifestée dans le monde qui en a découlé, notamment en occident au profit des juifs , et l’amalgame fabriqué de toute pièce entre les juifs et l’état d’Israel. 

– L’image de l’entité israélienne s’est beaucoup détériorée  dans l’opinion publique internationale, passant d’une entité offerte à un peuple opprimé soumis au génocide dans le passé et aujourd’hui assiégé par ses voisins arabes, à une entité injuste et criminelle poursuivie par la Cour internationale de la justice,  et dans la conscience humaine pour ses crimes génocidaires , et boudé par de nombreux pays, dont certains sont des gouvernements occidentaux.

– L’éveil d’une grande partie de la population des pays occidentaux, en particulier de la jeunesse, concernant l’hypocrisie de leurs dirigeants et la grande tromperie dont ils ont été victimes dans leur compréhension du monde sous l’influence des médias contrôlés par les lobbies sionistes, et ceux qui les soutiennent.

– La chute du mythe de la supériorité des renseignements israéliens le jour du 7 octobre, et l’humiliation de l’armée sioniste, que l’on croyait invincible, à cause de son incapacité totale à atteindre aucun des objectifs déclarés dans sa guerre contre Gaza et les civiles palestiniens, dont la majorité des victimes sont des enfants et des femmes.

– L’approfondissement du déchirement de la société israélienne et des contradictions de sa classe politique, comme si nous voyons devant nous la concrétisation de la parole d’Allah Tout-Puissant dans le Coran à propos des enfants d’Israël : « Vous pensez qu’ils sont tous unis, alors que leurs cœurs sont divers», et même La Maison Blanche s’est inscrite dans la ligne de ces divergences pour tenter de faire pencher la balance en faveur du mouvement laïc proche d’elle qui a fondé l’État sioniste après le désaccord croissant avec Netanyahu et ses alliés du mouvement religieux gouvernemental.

– Le retour du discours sur  la prétendue solution à deux États sur la scène internationale après qu’elle ait été presque complètement enfouie sous la terre, une solution qui n’a jamais abouti à travers les longues années du processus des négociations.

– la déstabilisation des nouvelles priorités stratégiques internationales des américains de  faire baisser leur présence au moyens orient afin de  faire face essentiellement à  la Chine, croyant que la region allait se stabiliser définitivement  pour   L’intérêt d’Israel par le processus accéléré de la normalisation, notamment avec l’Arabie saoudite.

– Le déluge d’Al-Aqsa a créé un grand éveil des conscience populaire aux États-Unis d’Amérique, ce qui a créé une pression sur le Parti démocrate au pouvoir et a conduit à l’émergence de graves désaccords au sein de celui-ci et dans les institutions de l’État. – La société américaine était déjà en train de se diriger vers l’incertitude dans la vie politique avec la montée de Trump et le déluge a entraîné une forte baisse de la popularité de Biden en raison de ses positions dans la guerre contre Gaza. Et de toute façons que ce soit Trump qui gagne ou Biden, la vie politique connaîtra des développements majeurs qui accentueront le perte de vitesse des États-Unis d’Amérique sur la scène internationale.

Les opprimés.

Quant aux opprimés, ils se divisent en deux groupes face à ce phénomène sunnainite  :

– 1 – Le premier groupe est constitué de ceux qui étaient en harmonie avec ce grand événement historique, ceux qui étaient responsable de son déclenchement, et ceux qui  l’ont soutenu et à leur tête se trouvent  les héros de la résistance Palestinienne qui se sont bien préparés, et se sont mis à l’endroit approprié de l’histoire et des fait sunnanique  dont les règles ne changent jamais.

Le déluge d’Al-Aqsa a montré comment l’armée israélienne peut être  humiliée vaincue et désorientée par les moyens des plus simples en comparaison avec ses moyens gigantesques lorsque c’est les hommes de la foie qui font face à l’ennemi , ceux là qui ne craignent  pas la mort et qui prennent au sérieux la préparation de la confrontation.

Les héros de la résistance palestinienne sont déjà victorieux dans au moins douze batailles jusqu’à présent, avant la fin de la guerre:

● Ils ont réussi l’opération historique du 7 octobre, qui a stupéfié le monde, et qui laissée  l’ennemi abasourdi ne comprenant pas ce qui lui est arrivé. 

● Ils ont réussi dans l’affrontement terrestre, rendant l’armée d’occupation incapable d’atteindre aucun objectif, tuant ses soldats et officiers et détruisant ses véhicules de guerres de la façon jamais vue au cours de toute son existence depuis l’occupation.

● Ils ont réussi à faire échouer le plan de déplacement  massif de la population grâce à la fermeté des Gazaouis à rester dans leur patrie malgré la tragédie qui a dépassé toutes les limites de l’endurance humaine.

● Ils ont réussi à préserver les prisonniers et à les traiter conformément à la morale islamique et aux lois internationales, ruinant ainsi les plans qui œuvraient à salir les résistants et qui ont été réfutés par les prisonniers israéliens eux-mêmes après leur libération dans le cadre de la trêve conclue.

● Ils ont réussi à gérer les négociations et à ne pas être affectés par les pressions criminelles israéliennes et américaines et par les pressions de certains pays arabes.

● Ils ont réussi à maintenir l’unité des factions participant au déluge et à gérer le front intérieur à Gaza.

● Ils ont réussi à gérer les relations  avec les parties palestiniennes qui se cachent et coopèrent avec les pays arabes et occidentaux pour liquider la résistance et à ne pas s’impliquer dans le conflit avec eux, tant souhaité par les Israéliens.

● Ils ont réussi à annuler les plans d’après-guerre des Israéliens et des Américains qui tentaient de remplacer le gouvernement de Gaza avec des chefs de tribus et certains éléments employés par les renseignements israéliens et ceux de l’Autorité palestinienne.

● Ils ont réussi à maintenir les relations avec les régimes arabes et leurs dirigeants malgré leur connaissance des mauvaises intentions de nombre d’entre eux et la contribution de certains d’entre eux aux tentatives de liquidation définitive de la résistance.

● Ils ont réussi leur performance médiatique grâce aux interventions d’Abu Ubaida, devenu une icône mondiale, et grâce aux interventions de divers porte-parole palestiniens dans les médias et grâce aux grands efforts déployés au niveau des réseaux sociaux pour informer l’opinion publique mondiale de la réalité du terrain et des événements.

● Ils ont réussi à gérer les alliances avec l’axe de la résistance en termes d’opérations, de positions et de discours.

● Ils ont réussi leur travail diplomatique, en tirant profit  des contradictions et des conflits d’intérêts à l’échelle internationale , et en usant intelligemment les décisions des institutions internationales.

Quant aux doutes soulevés par les incapables et les mauvais intentionnés , ils sont tous rejetés, dont quatre soupçons fondamentaux, comme suit :

● Quant aux pertes humaines, existe-t-il une occupation dans l’histoire qui n’a pas massacré ceux qui lui résistaient ? En Algérie, par exemple, le colonialisme français a tué un million et demi d’Algériens en sept ans, au cours de la guerre de révolution entre 1954 et 1962, à raison de plus de deux cent mille chaque année pendant sept ans, et lorsque l’Algérie a obtenu son indépendance, ces sacrifices sont restés dans la mémoire des Algériens et entre les nations comme un honneur pour le pays et le tout peuple,  et tous ced martyrs seront des intercesseurs pour leurs familles, si Dieu le veut, pour le Paradis, et les blessés et ceux qui ont perdu leurs familles, leurs proches et leurs biens seront récompensé tôt ou tard ici bas et à l’au delà inchallah.

● Quant à la destruction complète de Gaza, il y a des pays qui sont sortis de la guerre complètement détruits. Cepandant ils ont en fait un défi pour leur renaissance, tel que l’Allemagne, le Japon et la Corée du Sud. Et tout les peuples musulmans seront à  côté des palestiniens si les gouvernants seront à la hauteur de la responsabilité vis à vis de nos frères soumis à l’injustice. 

Les palestiniens sont bien conscient qu’une  vie d’honneur dans des tentes au-dessus des décombres de leurs maisons est plus propice à la poursuite de la résistance et plus digne et meilleure que la vie dans des villes huppées construites pour faire égarer  les Palestiniens afin qu’ils abandonnent leur cause sacré, tel que voulu par certains autres Palestiniens soumis et engagés dans les projets de reddition.

● Quant aux allégations qui prétendent que le déluge d’Al-Aqsa a  donné aux Israéliens le prétexte pour occuper à nouveau Gaza, d’abord la bataille n’est pas encore terminée et puis Gaza se trouvait dans une situation de prison à ciel ouvert semblable à la colonisation, sans que les israéliens n’en paye le prix de subvenir aux besoins du peuple colonisé en tant que force d’occupation conformément au droit international.  

● Quant à leur affirmation selon laquelle le déluge d’Al-Aqsa mettra fin à l’autorité du Hamas sur Gaza, le lendemain de la guerre n’est pas encore arrivée, et même si cela se produit, il pourrait être bénéfique pour la résistance  en réduisant ses obligations de subsistance envers la population et en se consacrant entièrement à la résistance dans la logique d’une guérilla globale dans toute la Palestine, en tenant compte, bien entendu, des leçons de la guerre en cours.

– 2 – Quant au deuxième groupe d’opprimés, ce sont ceux qui se sont retrouvés en contradiction avec cet événement capital de l’histoire: 

● Le déluge d’Al-Aqsa a démontré la réalité de l’impuissance des régimes dans le monde arabe et musulman et mis l’asservissement de certains d’entre eux en exergue, et cet échec et cette trahison vont accroître l’effondrement de la légitimité de ces dirigeants qui n’ont jamais réussi à assurer ni  la dignité de leur peuple en termes de conditions de vie ou au niveau de la liberté et de la démocratie ni en ce qui concerne le droit palestiniens et La Défense d’Al-aqsa,lieu saint de l’islam. 

Il  ne fait aucun doute que l’isolement populaire de ces régimes, qui s’est accru avec le déluge d’Al-Aqsa, la fragilité du front intérieur et la montée des tensions à leur encontre, augmenteront leur faiblesse et leur incapacité à résister aux crises attendues dans ce monde caractérisé par l’incertitude et les tensions. 

● Le déluge d’Al-Aqsa a également révélé l’état de vide sociétal et l’absence d’institutions, d’organisations et de leaders capables de faire pression sur les autorités en place en faveur de la cause palestinienne ou de mobiliser les peuples au delà des limites imposées par les  régimes d’une façon proportionnée au changement  historique qui est en cours en Palestine. 

Tout Cela provoquera sans aucun doute un choc intellectuel et émotionnel majeur, et des questions pressantes seront soulevées quant à la faisabilité des politiques et approches de soumission à la tyrannie des gouvernants qui participe à l’étouffement des palestiniens ou qui les livrent à leur sort entre les mains des bourreaux sionistes et Américains. 

Par les questions que le déluge posera à la Oumma, il constituera un élan civilisationnel qui produira de nouvelles idées, tendances et modèles de leadership au profit de la Palestine et de la nation musulmane.

En conclusion, le déluge d’Al-Aqsa a marqué une nouvelle phase dans laquelle le vrai visage haineux de l’entité sioniste a été exposée au grand jour, et l’hypocrisie américaine est devenue évidente. Il  a également contribué à l’accélération de l’acheminement  vers une situation nouvelle de multipolarité internationale, il a démontré une autre fois l’incapacité des régimes arabes et a exposé et approfondi  leur illégitimité. 

De toute évidence, le déluge a ravivé la valeur de la résistance, du jihad, du martyre et des grands sacrifices de la Oumma comme prix à payer pour la gloire et la dignité et la fierté, et a fait du peuple de Gaza, ses moudjahidines et ses habitants courageux et héroïques, un modèle pratique pour tout cela. Il a surtout souligné que l’unité de la Oumma dans toute sa diversité, se fait principalement  autour d’une question centrale et fondamentale, qui n’est  autre que la question palestinienne.

Le déluge à révélé de manière claire que les régimes défaillants et injustes sont une raison de la perpétuation de l’occupation sioniste et de l’éternisation  du retard de nos pays , comme il ouvert  de grandes opportunités pour l’émergence de meilleures idées, approches et systèmes de leadership pour parvenir à une renaissance de notre Oumma et de notre civilisation. 

*Phénomènes sunnanites: Des principes et des lois et des règles systématisées par Allah le tout puissant pour  gérer la vie  des humains dans leurs sociétés pour leur bien et dont la connaissance et la rencontre par les hommes nécessite beaucoup de savoir et de guidance.