الثورة المضادة وصراع المشاريع في المنطقة العربية (1)

 يعرف المتابعون السياسيون بأن المنطقة العربية هي ساحة صراع بين مشاريع عدة: بعض هذه المشاريع يمثل دولا أو مجموعة دول منها المشروع الغربي الأمريكي- الأوربي، المشروع الصهيوني، المشروع الإيراني الشيعي، المشروع التركي، المشروع الصيني، المشروع الروسي، مشروع الأنظمة العربية، وهناك مشروع واحد لا تمثله دولة ولا مجموعة دول لا يزال يكافح على المستوى المجتمعي وهو المشروع الإسلامي العربي السني. كل هذه المشاريع يحمل أبعادا حضارية ورؤى اقتصادية وجيوستراتيجية سوى مشروع الأنظمة العربية فهو مشروع سلطوي نفعي لخدمة شلل حاكمة فاسدة وفاشلة ولكن لها قدرة كبيرة على البقاء بخبرة تآمرية تتجاوز حدود ما تدركه العقول.
إن أسباب صراع المشاريع والدول والحضارات في المنطقة العربية تعود لمصالح اقتصادية وأبعاد جيوستراتيجية مغلفة بلبوس دينية وثقافية حضارية، أما المصالح الإقتصادية فهي مرتبطة بالطاقة وهي آيلة للزوال في حدود عقدين من الزمن على الأكثر، وأما الأبعاد الجيوستراتيجية فهي باقية ولكنها تحتاج إلى تغيير للخرائط الجغرافية والسياسية لكي تبقى المنطقة وديعة غير قابلة للتطور والنهوض لا تمثل عمقها الديني والثقافي والحضاري.
لقد سبق لي أن قلت في جويلية 2010 في الجامعة الصيفية بتلمسان خمسة أشهر قبل اندلاع الثورات العربية انطلاقا من تونس في ديسمبر 2010 بأن المنطقة العربية مقبلة على تحولات جذرية، وأن أمانها مرتبط بنهوض عربي يؤدي لتحالف سني عربي تركي يجعل الطموح الإيراني يأخذ حيزه الواقعي كأقلية شيعية لا تتجاوز 10 إلى 13 بالمائة من عدد المسلمين البالغ عددهم مليار وستمائة مليون ساكن ضمن أغلبية سنية تتجاوز 87 يالمائة. فيحدث عند ذلك تعاون برغماتي شيعي سني يؤدي إلى نهضة شاملة للأمة الإسلامية يقود لتحرير فلسطين بيسر. وقلت بأنه إذا فشل هذا المشروع ستعرف المنطقة حربا مذهبية مدمرة تتسبب في تخلف المنطقة وتشرذمها لعقود من الزمن. وكنت قلت بأن التحالف السني العربي التركي ينجح حينما يكون ظلعه العربي جزائري مصري، واستبعدت العراق باعتبار انكساره بعد احتلاله المزدوج الأمريكي الإيراني، كما استبعدت العربية السعودية ضمن دول الخليج بسبب انخرام سيادتها وتبعيتها لأمريكا. كما ذكرك بأن تقدم المشروع الإيراني في المنطقة لن يغيض الدول الغربية بسبب توقع تراجع أهمية إسرائيل في المنطقة بعد تراجع المصادر النفطية وبسبب استعداد إيران لضمان مصالح الغرب وأداء دور الوكيل لمختلف القوى الدولية الأخرى في المنطقة.
حينما وقعت الثورات العربية وخصوصا بعد سقوط مبارك أصبح الاحتمال الأول أكثر ورودا وكان التفاؤل بنهوض العالم العربي وتحالفه الاستراتيجي مع تركيا قاب قوسين أو أدنى، ولكن حينما انطلقت الثورة المضادة في مصر بدعم سعودي إماراتي، وفي سوريا بدعم إيراني، وفي اليمن الآن بدعم مشترك سعودي إيراني وفي كل الحالات بغطاء دولي أمريكي مباشر وغير مياشر أصبح الاحتمال الثاني أكثر ورودا وإن لم تستدرك الثورات الشعبية العربية نفسها بحكمةِ وشجاعةِ قادتها الوطنيين الصادقين الذين أفرزتهم الساحة ستضيع المنطقة وسيدفع الثمن الظالم والمظلوم….. يتبع…


عبد الرزاق مقري