أرشيف التصنيف: سياسة

عن مخطط عمل الحكومة (12)

في الثقافة والسينما

وبخصوص المسألة الثقافية فإن مخطط عمل الحكومة خصص الحديث في هذا المحور  للسينما فقط، فهل انتبه المسؤولون  إلى أهمية القوة الناعمة في إدارة شؤون الدول؟ من حيث حماية ثقافتها وتسجيل حضورها وفرض نفوذها خارج حدودها.

متابعة قراءة عن مخطط عمل الحكومة (12)

عن مخطط عمل الحكومة (11)

ومن أغرب ما اطلعنا عليه في هذا المخطط هو الجمل القليلة المتعلقة بقطاع الصناعة دون وضوح أي رؤية أو ماذا تريد الدولة القيام به لإعادة بناء النسيج الصناعي الذي تم تدميره رغم ما أنفق عليه في السبعينات وما ارتبطت به من أحلام؟ ثم ما مصير الفوضى القائمة في تركيب السيارات؟ والذي يفهم من إهمال قطاع الصناعة في المخطط أن الحكومة تريد ربما  ترك هذا المجال لتكتفي الجزائر بالاستهلاك لصالح الصناعات الأوربية وخصوصا ما يتعلق بالسيارت الفرنسية التي تمثل ركيزة أساسية من ركائز الاقتصاد الفرنسي، وكأن ثمة من يريد إخضاعنا لنظريات الاقتصاد الكلاسيكي وتوجهات آدم سميث وريكاردو المتعلقة بتقسيم العمل حتى على المستوى الدولي، وهي توجهات رأسمالية تسعى الدول الليبيرالية الصناعية فرضها على دول الجنوب حتى تضمن استمرار نموها بتعديد المنافذ (les débouchés)، فيبدو وكأن غياب الطموح في مجال الصناعة سببه ضغوطات خارجية وإرادة ما لجعلنا بلدا زراعيا متخلفا فحسب، الأمر يحتاج إلى توضيح وسياسات ميدانية تجيب عن تخوفاتنا.
لقد أكدنا في رؤيتنا الاقتصادية بأن الفلاحة هي قاعدة بناء التنمية أفقيا والضامنة للسيادة الغذائية والأمن الاجتماعي في حالة الأزمات، غير أن الدول لا تصنع القوة ولا تبلغ درجة الازدهار إلا بالصعود العمودي بالإنتاج الصناعي، وتبلغ درجة الرفاه واليسر بتطور الخدمات. إنه لا يمكن التفريط في المجال الصناعي الذي هو عنوان نجاح الدول في كسب معركة التنمية والازدهار.
 وحتى ما ورد في قطاع الفلاحة فهو لا يستجيب للمشاكل الميدانية الحقيقية، حتى وإن كان ما تم التطرق إليه بشكل عمومي (وكأنك تقرأ كتابا عن اختصاص الفلاحة بعيدا عن الاحتياجات الرقمية والمشاريع الحاملة والآجال المتوقعة) فإنها إشارات إيجابية ستساهم لا شك في تطوير القطاع الفلاحي لو طبقت. ومن المشاكل التي اطلعنا عليها ميدانيا بعد زيارة أغلب الولايات في الجنوب والشمال والشرق والغرب وتحدثنا مباشرة مع الفلاحين بشأنها هي أولا ـ مشكلة العقار الفلاحي الذي يعرقل عدم تسويته القطاع مع ما يجب استرجاعه من عقود امتياز منحت بالمعارف والفساد والمحسوبية. ثانيا ـ حماية الأراضي الفلاحية من الزحف العمراني ومن الآثار البيئية المضرة سواء في السهول أو الجبال أو الهضاب العليا أو المناطق الرطبة. ثالثا -استصلاح الأراضي وتوسيع المساحات المزروعة، من السهول الواسعة إلى الاستغلال الكامل للمساحات الضيقة والمختنقة إلى الفلاحة الجبلية وفي السفوح وتحديد الخارطة الفلاحية حسب الولايات والخصائص الفلاحية. رابعا ـ تسوية وضعية الفلاحين وتنظيم المهنة وجعل الفلاحة ذات مستقبل واعد للمستثمر وللفلاح وكل ما له علاقة بالفلاحة. خامسا ـ التكوين الفلاحي الذي يبدأ بنقل تجارب القدماء وبناء منظومة تعليمية عصرية على مستوى التكوين التخصصي قصير المدى وعلى المستوى الجامعي مع العودة لمدارس التكوين الفلاحي في الطور الثانوي. سادسا ـ اعتبار البذور مسألة استراتيجية سيادية وعلى هذا الأساس يجب حمايتها بكل أنواعها وحسن تسييرها من حيث التخزين والصيانة والاستعمال والتجديد. سابعا ـ توسيع المساحات المسقية وحسن إدارة الموارد المائية بالمحافظة على السدود القائمة وإنشاء شبكات جديدة وبناء حواجز مائية ومحطات معالجة المياه المستعملة ومعالجة الملوحة والاستفادة من التحويلات المائية عبر الولايات المتقاربة بما لا يتطلب نفقات كبيرة. ثامناـ تطوير تقنيات السقي بالاعتماد على التكنولوجيا بما يحقق الفاعلية ويرشد الاستعمال. تاسعا ـ وقاية المنتوج النباتي والحيواني من الأمراض والمعالجة السريعة والفاعلة ومنع العدوى والتمدد، والحماية من الأعراض الطبيعية المختلفة مع إنشاء شبكات ضمان اجتماعي تخفف على الفلاحين والمستثمرين الآثار. عاشرا ـ تجديد الغلاف النباتي والتشجير وتحسين التوازن البيئي وتلطيف المحيط لاستجلاب الأمطار. حادي عشرـ التخطيط الفلاحي والإدارة الاستراتيجية والمكننة واستعمال التكنولوجيات الحديثة. ثاني عشرـ تحقيق الاكتفاء في كل ولاية بخصوص مرافق وأدوات التخزين. ثالث عشر- توفير مرافق التبريد. رابع عشر – حل مشكلة النقل. سادس عشر – تطوير التسويق عن طريق تكفل الدولة بفتح الأسواق بكل أنواعها وتوفير المنافذ السلعية في الداخل وفي الخارج وتشجيع الصناعات التحويلية الغذائية وتسهيل قيام التعاونيات متعددة الفروع الانتاجية التي تنشأ ما يسمى بالتسويق المغلق والتي يستفيد منها المنتجون الصغار بسهولة من خلال بيع منتجاتهم عن طريق التعاونيات ويستفيد منها المنتجون الكبار الذين لهم قدرات كبيرة للتوجه للصناعات التحويلية ودخول الأسواق في الداخل والخارج والذين سيتفيدون من موردين محليين صغار ومتوسطين.
إن أغلب هذه المجالات يمكن أن يقوم بها القطاع الخاص وحده وإنما تقوم الدولة بالتأطير والتوجيه وضمان ما لا يتشجع له القطاع الخاص مما هو ضروري لنجاح القطاع الفلاحي.
وبخصوص الصيد البحري فإن الجزائر تستطيع تطوير منتوجها السمكي والوصول إلى أسعار مقبولة من خلال استعمال الوسائل العصرية وتنظيم المهنة وتطوير صناعة السفن وتنظيم الأسواق ومحاربة الفساد في اليابسة وفي أعالي البحار، خصوصا مع الأجانب، غير أن اقترابنا من القطاع لسنوات أفهمنا أن الجَرف القاري البحري المحدود للجزائر لا يجعلنا بلدا واسع الإنتاج السمكي في البحار ولكن ما يجعل الجزائر تطور منتوجها السمكي هو التربية السمكية في الأحواض الطبيعية والاصطناعية وفي البحيرات والسدود وفي الشواطئ وغير ذلك. ويمكن انتشار المزارع السمكية في كل مكان، في الشمال كما في الهضاب العليا وفي الجنوب.
وبخصوص السياحة فإن المخطط يتحدث عن أشياء طموحة، غير أن الذي نتساءل عنه هو ما يتعلق باستعداد السلطة لفتح المجال الإقليمي المغلق لتتحول الجزائر من بلد مغلق إلى بلد منفتح من خلال سهولة منح التأشيرات للسواح والانتقال من التضييق العام المبدئي على الجميع إلى رفع الكفاءة الأمنية والاستخباراتية التي لا تضيق مجال المنع إلا لأسباب حقيقية منطقية، ثم تشكيل الثقافة السياحية الغائبة، ثم تثمين القدرات السياحية العظيمة والمتنوعة واللامحدودة في مختلف المجالات الشاطئية والجبلية والغابية والصحراوية والدينية والحموية والثقافية والعلمية والصيدية والرياضية والتاريخية وغير ذلك، ثم تنظيم المهنة وفتح المجال للخواص مع التركيز على السياحة الداخلية التي تضمن استقرار القطاع، وتحويل الجزائر إلى وجهة سياحية بما يحفظ الخصائص الثقافية والحضارية الجزائرية.

… يتبع

د. عبد الرزاق مقري

عن مخطط عمل الحكومة (10)

أما عن موضوع الطاقة الذي تم التطرق إليه في مخطط عمل الحكومة ضمن القطاعات المساهمة في التنمية والنمو الاقتصادي من حيث تطوير هذا القطاع والفاعلية الطاقوية والطاقات المتجددة وكل ما يتعلق بالانتقال الطاقوي يجب أن يبدأ بتحديد الحكومة نوع المزج الطاقوي الذي تقترحه علينا وما هي نسبة كل مكون من مكوناته وما هي آجال تحقيق ذلك وما هي الآليات والإمكانات البشرية والمادية المرصودة لهذا التحدي الكبير.

متابعة قراءة عن مخطط عمل الحكومة (10)

عن مخطط عمل الحكومة (9)

أما عن إصلاح القطاع العمومي التجاري وحوكمة المؤسسات العمومية، فعلى الحكومة أن تبين أولا ما هي فلسفتها الاقتصادية الحقيقية بين دور القطاع العام والقطاع الخاص.

لا يزال المتابع للحياة الاقتصادية في الجزائر لم يفهم التوجهات الحقيقية للدولة، فكما أشرنا أعلاه هناك تصريحات تتحدث عن اقتصاد السوق وقوانين تشرع من أجل ذلك وهناك ممارسات وعقليات تنتمي لنمط الاقتصاد المتحكم فيه إداريا الموروث عن الحقبة الاشتراكية، والنتيجة هي اللااقتصاد الذي يعشعش فيه الاقتصاد المافيوي.

لا يوجد في الجزائر جهة سياسية تتسم بالوضوح في تحديد فلسفتها في هذا الموضوع مثل حركة مجتمع السلم حيث بينا في برنامج الحلم الجزائري بأن قطاعات الإنتاج التي يجب أن تهتم بها الدولة بشكل متساوي من حيث التشريع والتسهيلات الإدارية وبيئة الأعمال ثلاثة: القطاع العمومي الذي يتخصص في القطاعات الاستراتيجية الذي تم التوافق عليها في قانون مالية سابق وكانت الحركة ترافع على ضرورة توضيحها وتحديدها لسنوات خلت من قبل.
يمكن للقطاع العام أن يهتم كذلك بالقطاعات ذات الاحتياج الأساسي التي لا تكون مربحة في البداية بالنسبة للقطاع الخاص إلى أن يتم تثمينها وتحويلها إلى قطاعات مربحة ثم إمكانية التخلي عنها عن طريق الخوصصة كليا أو جزئيا. أما القطاع الثاني فهو الخاص وهو يدخل في كل شيء سوى القضايا الاستراتيجية وإذا ساهم في هذه الأخيرة فهو يساهم فيما لا علاقة له بالسيادة كقضية المحروقات ودون خمسين بالمائة، ويجب اعتبار القطاع الخاص الشريك الأول لتحقيق التنمية، ونجاحه مرتبط ببيئة الأعمال، أما القطاع الثالث في رؤية حركة مجتمع السلم فهو القطاع التكافلي أو التضامني الذي يهدف إلى تحويل الفلسفة الإسلامية في التوزيع العادل للثروة ومحاربة الفقر والتضامن الاجتماعي إلى عمل مؤسسي يساهم في التنمية الوطنية ومن ذلك تحويل الزكاة إلى مؤسسة تمويلية للمشاريع المصغرة والصغيرة والمتوسطة لإخراج الفقراء من الفقر وتحويلهم إلى قوى منتجة للثروة، وإحياء ثقافة ومشاريع الأوقاف وتوجيهها نحو الوقف النامي بتشجيع الميسورين المحسنين إلى بناء مؤسسات اقتصادية تدر أرباحا دائمة ونامية على الموقوف عليهم في مختلف المجالات الاجتماعية والصحية والتعليمية والحرفية والثقافية على غرار ما كانت عليه الحضارة الإسلامية التي أخذ عنها الغرب هذا التوجه وهو ينتفع به في عصرنا هذا أكثر من المسلمين أنفسهم.

ولا بد في هذا السياق أن نذكر بفضائح السيطرة على العقار الصناعي والفلاحي في عهد الخوصصة التي فرضها صندوق النقد الدولي في التسعينيات دون أن يؤثر ذلك في إنقاذ المؤسسات العمومية.

إن المؤسسات العمومية المفلسة لا تُشترى حين تكون مفلسة إلا إذا كانت لها أسواق وموارد طبيعية وأصول عقارية وماركات مشهورة وخبرات متراكمة، وإنما وجدت نفسها أمام حالة ركود بسبب سوء الإدارة أو انقطاع السيولة أو لأي سبب آخر فتبتلعها مؤسسات أكثر منها، ويكون الضحايا دائما عمالها.

أما إن لم يكن لها أي شيء من هذا ولا تملك إلا العقار فإن بيعها معناه بيع العقار فقط، فالأولى أن تسترجع الدولة العقار، ولن يكون هناك حل حقيقي للعمال الذين أفلست مؤسساتهم إلا إذا كانت هناك حياة اقتصادية حقيقية يتم من خلالها استيعاب هؤلاء العمال في مؤسسات أخرى. والمؤسسة المشترية لن تحتفظ إلا بجزء من العمال في الغالب، وعلى على أسس اقتصادية، فالمفاوضات مع القوى المالية التي تشتري المؤسسات المنهارة قامت دائما في الجزائر على التحايل على مصير العمال لإسكاتهم وتفويت غضبهم ولكن في الأخير يُتخلص منهم بطريقة أو بأخرى.

وباعتبار أن القطاعات الاستراتيجية قد حددها القانون فإن المقاومة ضد التفريط فيها من خلال خوصصتها أو فتح رأسمالها على أسس مضرة بالسيادة الوطنية ستكون سهلة علينا أثناء دورنا الرقابي كمعارضة.

أما ما يتعلق ببيئة الأعمال فإن أساسه على نحو ما ذكرناه أعلاه هو تغيير عقلية التحكم لدى صاحب القرار وعدم الشك في كل مجهول وترك الناس يتقوون اقتصاديا حتى ولو كانوا من المعارضين للنظام السياسي ما التزموا بالقوانين، وإنهاء عهد الامتيازات الاقتصادية على أساس العرق والجهة التي تتحكم فيها أقليات مؤثرة داخل الدولة أصبحت مكشوفة الأثر لدى عموم الجزائريين، وتبعا لذلك إنهاء عهد الوصاية الفرنسية على الاقتصاد الوطني والتوقف عن إعطائها امتيازات حصرية مضرة بالمصالح الجزائرية، ثم معالجة مشكل الفساد والرقابة عليه بكل أنواعه بالبناء المؤسسي وليس بالعزمات والتصريحات الفردية للحكام، ولا يكون ذلك إلا بالديمقراطية والانتخابات الحرة والنزيهة التي تضمن وجود مفهوم “القوى المضادة” بضمان استقلالية وفاعلية المؤسسات التشريعية والرقابية والقضائية والإعلامية والمجتمعية وحتى المؤسسات الرقابية الحكومية، ثم تغيير الذهنية الإدارية الثقيلة الموروثة عن فرنسا والتوجه إلى أنماط إدارية منفتحة وسلسة وفاعلة وسريعة، وهذه التحولات تبدأ على مستوى التجديد والتغيير في داخل الإنسان من ناحية الإرادة السياسية الفعلية والثقافة والممارسة لدى المسؤولين في مختلف المستويات الإدارية، ثم يمكن أن نتحدث على الاقتراحات الجيدة التي جاء بها المخطط مثل الشباك الوحيد الذي جعله الرئيس السابق محور أساسي في خطابه السياسي دون أثر، ومشاريع حاضنات الأعمال التي إن توفرت لها البيئة ولم يُتعامل معها بخلفيات سياسية ستبهر الجميع وتظهر الكفاءات العالية التي يتمتع بها الجزائري خاصة الشباب.

د. عبد الرزاق مقري


عن مخطط عمل الحكومة (8)

أما عن أزمة المياه فإن الأرقام الرسمية تدل بأن الجزائر في حالة ندرة مائية قصوى حيث أن “القلق المائي” (Le stress hydrique) وفق البنك العالمي يبدأ حينما يكون نصيب الفرد في السنة أقل من 1700 متر مكعب، وتكون “حالة ندرة” حين ينزل المتاح المائي دون 1000 متر مكعب، ونصيب الفرد في السنة في الجزائر هو أقل من 407 متر مكعب حسب المجلس الاقتصادي الاجتماعي.

متابعة قراءة عن مخطط عمل الحكومة (8)

عن مخطط عمل الحكومة (7)

لا توجد صعوبة في فهم طريقة تحقيق التنمية في #الجزائر، فالبلد بدون بترول له إمكانيات كبيرة وإنما يحتاج: رؤية مستقبلية، حكم راشد، استقرار اجتماعي، وقت، تمويل التنمية.
وهذا الذي فصلنا في مشروعنا التوافق الوطني الذي قبره إلى حين التزوير الانتخابي في هذه الانتخابات التشريعية الأخيرة.

لا يمكننا أن نتوقف عند كل نقطة من نقاط هذا الفصل الثاني في مخطط الحكومة، فمقترحاتنا مفصلة في البرنامج “#الحلم_الجزائري” الذي عرضناه في الانتخابات التشريعية، ونكتفي بالإشارة لبعض الملاحظات في مختلف النقاط بدء بما يتعلق بتعزيز دعائم الإنعاش الاقتصادي لنذكّر بأن ما ذُكر في المخططات الرباعية لبوتفليقة أفضل مما هو موجود في هذا الكلام العمومي في مخطط هذه السنة، وقد أنفق على تلك المخططات قرابة 1500 مليار دولار ثم رجعنا إلى نقطة الصفر بل أدنى من نقطة الصفر إذ لم يصبح لنا ريع نمول به الوعود الجديدة. وللأسف بعد كل ذلك الإنفاق الذي استفادت منه دول أجنبية أكثر من الجزائر وشكل مافيا عظيمة النفوذ ها هو هذا المخطط يصارحنا بأنه يمكن التفاوض الودي مع تلك العصابة المافيوية، ولا تزال ذات الدول الأجنبية تمتص مواردنا لخدمة مؤسساتها الفلاحية والصناعية. فما يسميه المخطط الذي بين أيدينا “نموذج اقتصادي جديد” هو نفس الاسم لمخطط عرضه علينا سلال من قبل، أي كما يقولون باللغة الأجنبية “دي ديجا في”.

ومما يمكن التعليق عليه في هذه النقطة الأولى المتعلقة بعصرنة النظام المصرفي والمالي فإنه من المفيد أن يقر المخطط بأن نظامنا المصرفي متخلف ومتكلس يحتاج إلى عصرنة، نحن نتحدث عن مؤسسات مرت عبرها مئات الملايير من الدولارات والدينارات وهي على تلك الحال، وقد جعلنا في برنامجنا البديل للانتخابات التشريعية سنة 2017 هذه النقطة المهمة ضمن ورشات الإصلاح العشر لتحقيق التنمية وبعد أن تخلفنا عن تطبيق هذه الإصلاحات بسبب التزوير الذي اعترف به سلال في مكتبه آنذاك ها هو المخطط الجديد يعود إليه، والمهم في هذا هو الاعتراف لكي نستطيع في المعارضة أن نتحدث عن حال منظومتنا المالية والمصرفية قبل أن “يدركها” تطبيق هذا المخطط فعليا دون أن يُقال لنا إنكم تسودون الوضع. وقبل الحديث عن انتشار البنوك الجزائرية في الخارج، الذي يتطلب قوة مالية بالعملة الصعبة لا أدري من أين يأتون بها في ظل تراجع احتياطي الصرف، هل يوجد مجال لانتشارها في كل نواحي الوطن، وهل تتوفر السيولة لذلك، أم يراد الاستمرار في طباعة النقود بالنسبة للدينار لكي يغرق البلد كله في التضخم، وفتح المجال لرأس المال الأجنبي والبنوك الخارجية بالنسبة للعملة الصعبة، وفي هذه الحالة أي قوة مالية أجنبية تقبل نقل أموالها للجزائر ضمن الظروف غير الآمنة اقتصاديا في الجزائر والتي لا يعرف الجزائريون أنفسهم آفاقها في شهور قليلة مقبلة؟ أم أن ثمة نية لتسليم الجزائر للرأسمالية المالية العالمية بلا سيادة ولا حصانة؟
أما عن القطاع الموازي فقد تحدثنا في الفصل الأول بأن استيعابه لا يتعلق بتدابير تقنية جامدة، ولا بإغراءات غير مقنعة مثل تدبير القرض السندي، والتجاوز عن مسألة معرفة مصادر الأموال، أو إعمال نسب الفائدة لجلب المودعين، أو من خلال الصيرفة الإسلامية، ولا حتى بالزجر والملاحقة. إن مشكلة القطاع الموازي لها علاقة بفقدان الثقة في الدولة كما ذكرنا أعلاه، فالتاجر والمقاول والحرفي وغيرهم يخفون أموالهم ولا يسعون حتى لتكبر مؤسساتهم حتى لا يتعرضون لسيطرة “الرؤوس الكبيرة” التي تبتز الجميع وتسعى أن يكون لها نصيب في كل الحركة الاقتصادية باستعمال النفوذ والسلطة.

وبعد مسألة الثقة هناك مشكلة المنظومة الضريبية، فالضريبة لا يجب أن تكون مكبلة للإنتاج وتطور المؤسسات، كلما كانت الضريبة منخفضة كانت محفزة للعمل ونمو المؤسسات، وكلما كان نمو المؤسسات متصاعدا في العدد وأرقام الأعمال كان مجموع الضرائب الذي يدخل الخزينة أكبر، ومراجعة المنظومة الضريبية يقلل حتى من الفساد والرشاوى التي يأخذها الموظفون في قطاع الضرائب لإعفاء وتخفيض الضريبة على المتعاملين الاقتصاديين بالتلاعب بالقوانين الضريبية. ثم هناك مسألة أساسية لا تشجع الناس على مغادرة القطاع الموازي وهو ثقل الإدارات والمؤسسات المالية التي لا تتماشى مع سرعة المعاملات في نقل البضائع والأموال بين المتعاملين في القطاع الموازي والتسهيلات التي بينهم في التعاملات التجارية والمالية. حينما تعود الثقة في الدولة وتعالج كل هذه الإشكالات الأساسية عندئذ يمكن أن تنفع التدابير التقنية والفرعية المذكورة في المخطط لحل مشكلة القطاع الموازي.

أما عن مكافحة السوق الموازية للعملة الصعبة فلا أحد يصدق هذا القول من زاوية أنه لا توجد سوق رسمية للعملة الصعبة حتى نقول هناك سوق موازية، توجد بنوك رسمية لا تشتغل في تصريف العملة للمواطنين كما هو موجود في مختلف الدول، وهناك سوق غير رسمية (ليست موازية) تشتغل في تصريف العملة للمواطنين مكانها الأشهر هو “السكوار” الموجود في المنطقة الحكومية المحمية حيث البريد المركزي ومقر ولاية العاصمة ومقر البرلمان بغرفتيه وليس بعيدا عن المقر المركزي للأمن بالعاصمة عن اليسار ومقر المديرية العامة للأمن الوطني على اليمين. وكل المؤسسات الاقتصادية الجزائرية والأجنبية وكبار المسؤولين يتعاملون مع “السكوار”، وما يمكن أن نقوله في إيجابية هذا التدبير الموعود أنه قابل للقياس وسنرى بعد ثلاث سنوات هل سيتم فعلا إنهاء هذه السوق غير الرسمية أم لا.

وعن تطوير الصيرفة الإسلامية فقد كثر الحديث عن هذا الموضوع ونظمت العديد من الملتقيات وقدمت الكثير من الدراسات، وكانت حركة مجتمع السلم من المبادرين الأوائل للتنبيه لأهمية التمويل الإسلامي في تطوير الاقتصاد الوطني، وقدّمتْ في ذلك مقترحات كثيرة ومنها مشروع قانون عن طريق كتلتها البرلمانية ولكن للأسف تم تعطيل كل هذا المبادرات لأسباب أيديولوجية ومنها ما قاله رئيس حكومة سابق لوزير من وزرائنا قدم اقتراحا بهذا الصدد في مجلس الحكومة: “أخرجنا الدولة الإسلامية من الباب وأنتم تريدون إرجاعها من النافذة”.

إن الاقتراحات التي قدمها المختصون والعلماء في الجزائر تؤكد بأن المشكل الأساسي للصيرفة الإسلامية مشكل قانوني قبل أن يكون مشكل تنظيمي ومؤسساتي كما يذكره المخطط، فهل تنوي الحكومة تعديل قانون القرض والنقد بما يسمح بوضع البنوك والمصارف الإسلامية في بيئة تنافسية عادلة وضمن خصوصياتها الشرعية أم لا؟ وفي كل الأحوال كل ما يضاف في هذا الصدد هو مقبول ومشكور وسيأتي الزمن ليفهم مسؤولونا ما فهمته دول غير مسلمة عن دور التمويل الإسلامي في المستقبل، وسيكون نمو هذا القطاع الاستراتيجي من أهم روافع الاستئناف الحضاري للأمة الإسلامية لتساهم في إنقاذ البشرية من الظلم العظيم المسلط عليها من النظام النيو ليبيرالي المهيمن الذي لا يتوقف عن نشر الفقر واللامساواة والأمراض والأوبئة والحروب.

أما بخصوص البنك البريدي المقترح مجددا في المخطط فحري بنا أن نذكّر بأن هذا المشروع محسوب على الوزيرة السابقة هدى فرعون وقد أحدث ضجة في ذلك الوقت حتى وسط عمال البريد، وأسباب الرفض الشعبي الذي أدى إلى سحب المشروع لا تتغير باعتبار أن البنوك تؤسَّس من المدخرين والمساهمين أصحاب رؤوس الأموال على أسس تعاقدية ومن خلال الرضا المبني على العلم بدور البنك. أما أموال البريد فهي ليست مودعة لا من المساهمين ولا المدخرين، وإنما هي حسابات جارية لأفراد يستعملون البريد كوسيط لتحويل أموالهم ولم يختاروا إمكانية استعمال أموالهم في القروض والاستثمارات البنكية، فبأي حق قانوني وأخلاقي تستعمل أموالهم دون اختيارهم ولا علمهم، ثم من الذي يقبل بركوب الخطر وضياع قوت يومه في عمليات بنكية معرضة للخسارة والإفلاس، علاوة على إجبار الناس على التورط في عمليات ربوية تخالف معتقداتهم وقناعاتهم.

…يتبع

د. عبد الرزاق مقري