لا توجد صعوبة في فهم طريقة تحقيق التنمية في #الجزائر، فالبلد بدون بترول له إمكانيات كبيرة وإنما يحتاج: رؤية مستقبلية، حكم راشد، استقرار اجتماعي، وقت، تمويل التنمية.
وهذا الذي فصلنا في مشروعنا التوافق الوطني الذي قبره إلى حين التزوير الانتخابي في هذه الانتخابات التشريعية الأخيرة.
لا يمكننا أن نتوقف عند كل نقطة من نقاط هذا الفصل الثاني في مخطط الحكومة، فمقترحاتنا مفصلة في البرنامج “#الحلم_الجزائري” الذي عرضناه في الانتخابات التشريعية، ونكتفي بالإشارة لبعض الملاحظات في مختلف النقاط بدء بما يتعلق بتعزيز دعائم الإنعاش الاقتصادي لنذكّر بأن ما ذُكر في المخططات الرباعية لبوتفليقة أفضل مما هو موجود في هذا الكلام العمومي في مخطط هذه السنة، وقد أنفق على تلك المخططات قرابة 1500 مليار دولار ثم رجعنا إلى نقطة الصفر بل أدنى من نقطة الصفر إذ لم يصبح لنا ريع نمول به الوعود الجديدة. وللأسف بعد كل ذلك الإنفاق الذي استفادت منه دول أجنبية أكثر من الجزائر وشكل مافيا عظيمة النفوذ ها هو هذا المخطط يصارحنا بأنه يمكن التفاوض الودي مع تلك العصابة المافيوية، ولا تزال ذات الدول الأجنبية تمتص مواردنا لخدمة مؤسساتها الفلاحية والصناعية. فما يسميه المخطط الذي بين أيدينا “نموذج اقتصادي جديد” هو نفس الاسم لمخطط عرضه علينا سلال من قبل، أي كما يقولون باللغة الأجنبية “دي ديجا في”.
ومما يمكن التعليق عليه في هذه النقطة الأولى المتعلقة بعصرنة النظام المصرفي والمالي فإنه من المفيد أن يقر المخطط بأن نظامنا المصرفي متخلف ومتكلس يحتاج إلى عصرنة، نحن نتحدث عن مؤسسات مرت عبرها مئات الملايير من الدولارات والدينارات وهي على تلك الحال، وقد جعلنا في برنامجنا البديل للانتخابات التشريعية سنة 2017 هذه النقطة المهمة ضمن ورشات الإصلاح العشر لتحقيق التنمية وبعد أن تخلفنا عن تطبيق هذه الإصلاحات بسبب التزوير الذي اعترف به سلال في مكتبه آنذاك ها هو المخطط الجديد يعود إليه، والمهم في هذا هو الاعتراف لكي نستطيع في المعارضة أن نتحدث عن حال منظومتنا المالية والمصرفية قبل أن “يدركها” تطبيق هذا المخطط فعليا دون أن يُقال لنا إنكم تسودون الوضع. وقبل الحديث عن انتشار البنوك الجزائرية في الخارج، الذي يتطلب قوة مالية بالعملة الصعبة لا أدري من أين يأتون بها في ظل تراجع احتياطي الصرف، هل يوجد مجال لانتشارها في كل نواحي الوطن، وهل تتوفر السيولة لذلك، أم يراد الاستمرار في طباعة النقود بالنسبة للدينار لكي يغرق البلد كله في التضخم، وفتح المجال لرأس المال الأجنبي والبنوك الخارجية بالنسبة للعملة الصعبة، وفي هذه الحالة أي قوة مالية أجنبية تقبل نقل أموالها للجزائر ضمن الظروف غير الآمنة اقتصاديا في الجزائر والتي لا يعرف الجزائريون أنفسهم آفاقها في شهور قليلة مقبلة؟ أم أن ثمة نية لتسليم الجزائر للرأسمالية المالية العالمية بلا سيادة ولا حصانة؟
أما عن القطاع الموازي فقد تحدثنا في الفصل الأول بأن استيعابه لا يتعلق بتدابير تقنية جامدة، ولا بإغراءات غير مقنعة مثل تدبير القرض السندي، والتجاوز عن مسألة معرفة مصادر الأموال، أو إعمال نسب الفائدة لجلب المودعين، أو من خلال الصيرفة الإسلامية، ولا حتى بالزجر والملاحقة. إن مشكلة القطاع الموازي لها علاقة بفقدان الثقة في الدولة كما ذكرنا أعلاه، فالتاجر والمقاول والحرفي وغيرهم يخفون أموالهم ولا يسعون حتى لتكبر مؤسساتهم حتى لا يتعرضون لسيطرة “الرؤوس الكبيرة” التي تبتز الجميع وتسعى أن يكون لها نصيب في كل الحركة الاقتصادية باستعمال النفوذ والسلطة.
وبعد مسألة الثقة هناك مشكلة المنظومة الضريبية، فالضريبة لا يجب أن تكون مكبلة للإنتاج وتطور المؤسسات، كلما كانت الضريبة منخفضة كانت محفزة للعمل ونمو المؤسسات، وكلما كان نمو المؤسسات متصاعدا في العدد وأرقام الأعمال كان مجموع الضرائب الذي يدخل الخزينة أكبر، ومراجعة المنظومة الضريبية يقلل حتى من الفساد والرشاوى التي يأخذها الموظفون في قطاع الضرائب لإعفاء وتخفيض الضريبة على المتعاملين الاقتصاديين بالتلاعب بالقوانين الضريبية. ثم هناك مسألة أساسية لا تشجع الناس على مغادرة القطاع الموازي وهو ثقل الإدارات والمؤسسات المالية التي لا تتماشى مع سرعة المعاملات في نقل البضائع والأموال بين المتعاملين في القطاع الموازي والتسهيلات التي بينهم في التعاملات التجارية والمالية. حينما تعود الثقة في الدولة وتعالج كل هذه الإشكالات الأساسية عندئذ يمكن أن تنفع التدابير التقنية والفرعية المذكورة في المخطط لحل مشكلة القطاع الموازي.
أما عن مكافحة السوق الموازية للعملة الصعبة فلا أحد يصدق هذا القول من زاوية أنه لا توجد سوق رسمية للعملة الصعبة حتى نقول هناك سوق موازية، توجد بنوك رسمية لا تشتغل في تصريف العملة للمواطنين كما هو موجود في مختلف الدول، وهناك سوق غير رسمية (ليست موازية) تشتغل في تصريف العملة للمواطنين مكانها الأشهر هو “السكوار” الموجود في المنطقة الحكومية المحمية حيث البريد المركزي ومقر ولاية العاصمة ومقر البرلمان بغرفتيه وليس بعيدا عن المقر المركزي للأمن بالعاصمة عن اليسار ومقر المديرية العامة للأمن الوطني على اليمين. وكل المؤسسات الاقتصادية الجزائرية والأجنبية وكبار المسؤولين يتعاملون مع “السكوار”، وما يمكن أن نقوله في إيجابية هذا التدبير الموعود أنه قابل للقياس وسنرى بعد ثلاث سنوات هل سيتم فعلا إنهاء هذه السوق غير الرسمية أم لا.
وعن تطوير الصيرفة الإسلامية فقد كثر الحديث عن هذا الموضوع ونظمت العديد من الملتقيات وقدمت الكثير من الدراسات، وكانت حركة مجتمع السلم من المبادرين الأوائل للتنبيه لأهمية التمويل الإسلامي في تطوير الاقتصاد الوطني، وقدّمتْ في ذلك مقترحات كثيرة ومنها مشروع قانون عن طريق كتلتها البرلمانية ولكن للأسف تم تعطيل كل هذا المبادرات لأسباب أيديولوجية ومنها ما قاله رئيس حكومة سابق لوزير من وزرائنا قدم اقتراحا بهذا الصدد في مجلس الحكومة: “أخرجنا الدولة الإسلامية من الباب وأنتم تريدون إرجاعها من النافذة”.
إن الاقتراحات التي قدمها المختصون والعلماء في الجزائر تؤكد بأن المشكل الأساسي للصيرفة الإسلامية مشكل قانوني قبل أن يكون مشكل تنظيمي ومؤسساتي كما يذكره المخطط، فهل تنوي الحكومة تعديل قانون القرض والنقد بما يسمح بوضع البنوك والمصارف الإسلامية في بيئة تنافسية عادلة وضمن خصوصياتها الشرعية أم لا؟ وفي كل الأحوال كل ما يضاف في هذا الصدد هو مقبول ومشكور وسيأتي الزمن ليفهم مسؤولونا ما فهمته دول غير مسلمة عن دور التمويل الإسلامي في المستقبل، وسيكون نمو هذا القطاع الاستراتيجي من أهم روافع الاستئناف الحضاري للأمة الإسلامية لتساهم في إنقاذ البشرية من الظلم العظيم المسلط عليها من النظام النيو ليبيرالي المهيمن الذي لا يتوقف عن نشر الفقر واللامساواة والأمراض والأوبئة والحروب.
أما بخصوص البنك البريدي المقترح مجددا في المخطط فحري بنا أن نذكّر بأن هذا المشروع محسوب على الوزيرة السابقة هدى فرعون وقد أحدث ضجة في ذلك الوقت حتى وسط عمال البريد، وأسباب الرفض الشعبي الذي أدى إلى سحب المشروع لا تتغير باعتبار أن البنوك تؤسَّس من المدخرين والمساهمين أصحاب رؤوس الأموال على أسس تعاقدية ومن خلال الرضا المبني على العلم بدور البنك. أما أموال البريد فهي ليست مودعة لا من المساهمين ولا المدخرين، وإنما هي حسابات جارية لأفراد يستعملون البريد كوسيط لتحويل أموالهم ولم يختاروا إمكانية استعمال أموالهم في القروض والاستثمارات البنكية، فبأي حق قانوني وأخلاقي تستعمل أموالهم دون اختيارهم ولا علمهم، ثم من الذي يقبل بركوب الخطر وضياع قوت يومه في عمليات بنكية معرضة للخسارة والإفلاس، علاوة على إجبار الناس على التورط في عمليات ربوية تخالف معتقداتهم وقناعاتهم.
…يتبع
د. عبد الرزاق مقري