- إنّ استشهاد قائد كبير في حركة جهادية مقاوِمة مثل حركة المقاومة الإسلامية حماس أمر عادي فذلك هو مصير من رشّح نفسه لهذه المهمة النبيلة، وهذا الذي حدث في الثورة التحريرية الجزائرية، إذ أغلب القيادات الكبيرة اُستشهدت كمصطفى بن بولعيد، والعربي بن مهيدي، وعميروش وسي الحوّاس وغيرهم الكثير.
- لقد فاز الشهيد إسماعيل هنيّة بأعظم منحة يتمناها مؤمن صادق، فهو حي يرزق عند ربه وفق قول الله تعالى في سورة آل عمران: ((وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ – 169)).
- لا يؤثر قتل القادة الكبار في مسيرة الحركات المقاومة لتحرير بلدانها، بل يزيدها قوّة وتماسكا وانتشارا، فقد قُتل المؤسس والمسؤول الأول في حركة حماس الشيخ أحمد ياسين والعديد من قادة الصفّ الأوّل، فجعل ذلك الحركة هي مرجع الكفاح والنضال في الساحة الفلسطينية وفي العالم بأسره، وهي اليوم تُعجز الكيان الصهيوني وكل حلفائه إلى درجة التشكيك في إمكانية استمرار الكيان نفسه.
- يعتبر اغتيال الشهيد أبي العبد هنيّة إعلان الكيان بأنّه يريد استمرار المواجهة فعلى المقاومة في فلسطين أن تأخذ علما بذلك وأن تستعد لجولة طويلة من الجهاد إلى غاية التحرير، وعلى الشعب الفلسطيني كله أن يأخذ علما بأنه لا يراد له أن يعيش بكرامة وأنه يراد معاقبته دون تمييز على كل محاولة لأخذ حقوقه، فالبارحة استشهد ياسر عرفات لأنه أراد بعض الحقوق عن طريق المفاوضات واليوم يستشهد إسماعيل هنية لأن حركته أرادت أخذ الحقوق عن طريق المقاومة، فالاستشهاد بكرامة على طريق الجهاد هو السبيل الأوحد الذي حررت به الشعوب بلدانها، فلا حل للشعب الفلسطيني إلاّ أن يتحد وراء المقاومة من أجل حريته وصناعة مجده كما فعلت شعوب أخرى، وكل تردد واِرتعاش أمام جبروت الاحتلال هو مزيد من الإذلال واِستمرار الاحتلال.
- على الدولة الإيرانية أن تتحمل مسؤوليتها بالرد المناسب على هذه الجريمة التي وقعت على أرضها والشهيد اِستهدف وهو في ضيافتها، ويجب أن تستعد لمواجهة واسعة من الكيان، لأنه بات واضحا بأن ذلك ما يريده قادة الاحتلال من أجل التغطية على الهزيمة التاريخية النكرة التي حلت بهم في طوفان الأقصى.
- على الأمة العربية والإسلامية بمختلف طوائفها أن تكون جاهزة للتحولات الكبيرة المتوقعة على إثر هذه الجريمة الشنعاء، وعلى الحكومات أن تكون في صف المقاومة بلا مواربة وأن لا تغرق أكثر في الخنوع والاستسلام للإرادة الأمريكية الصهيونية، فإنها في كل الأحوال لن تهنأ بسلطانها ما دامت فلسطين تحت الاحتلال، ومادام الكيان موجودا، وعلى النخب والشعوب أن تتحمل مسؤوليتها وأن لا تقبل بسقوف الخور والهوان الذي تفرضه الأنظمة ضمن هذه التحولات التاريخية العظيمة. إنّ طوفان الأقصى سيفصل في الأمة بين طائفتين، طائفة في المكان الصحيح من التاريخ مع المقاومة الفلسطينية، وطائفة في المكان الخاطئ من التاريخ يجتمع فيه من هم ضد المقاومة مع المثبطين ومع من لا يبالون بما حدث ومن يغرقون في حساباتهم الشخصية ومصالحهم الضيقة.
- على أحرار العالم والقوى الدولية المدركة لخطورة الفوضى التي ترعاها أمريكا بإطلاق أيادي حليفها الصهيوني أن تنصرف لوقف هذا التدحرج المستمر نحو الهاوية والمواجهة الشاملة التي يريدها المجرم نِتِنْياهو لإنقاذ نفسه ويريدها تجار الحروب والمتخصصون في التحكم في العالم بواسطة الفوضى.
سبل معرفة الحق واتباعه
إن معرفة الحق واتباعه من أعظم الطاعات والعبادات والشرط الأساسي للنجاح في الحياة الدنيا والنجاة يوم القيامة. يقول الله تعالى في محكم تنزيله في سورة البقرة ((فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ- 213))، وفي سورة يونس (( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى – 35)) وقوله عز وجل في سورة البقرة (( وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُون-42)).
ومن أعظم ما يدل على أهمية معرفة الحق في حياة المؤمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتضرع الى الله تعالى بأسمائه وصفاته لكي يدله عليه في أجلّ وأفضل أوقات استجابة الدعاء، إذ كان يستفتح قيامه الليل بهذا الدعاء الذي ورد في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- حينما سئلت: بأيِّ شيءٍ كان نبيُّ الله ﷺ يفتتح صلاته إذا قام من الليل؟ قالت: كان إذا قام من الليل افتتح صلاتَه:اللَّهُمَّ رَبَّ جِبرائيلَ ومِيكائيلَ وإسرافيلَ، فاطِرَ السَّمواتِ والأرضِ، عالمَ الغيبِ والشَّهادةِ، أنتَ تحكُمُ بينَ عِبادِك فيما كانوا فيه يَختلِفونَ، اهْدِني لِمَا اختُلِفَ فيه مِن الحقِّ بإذنِكَ، إنَّك تَهْدي مَن تشاءُ إلى صِراطٍ مُستقيمٍ))
لقد كان النبي المجتبى يتوسل الى الله خاشعًا خاضعًا أن يريه الحق في ما اختلف فيه الناس وهو الذي رأى الغيب رأي العين، المعصوم المؤيد بالوحي وبحفظ الله وعونه وفق قول الله تعالى في سورة النجم: ((وَٱلنَّجۡمِ إِذَا هَوَىٰ (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمۡ وَمَا غَوَىٰ (2) وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰٓ (3) إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ ( 4))
وإنما هذه السنة الفعلية توجيهٌ لنا، نحن المؤمنين العاديين، المبتلين بحتمية الاختلاف وفق قوله سبحانه في سورة هود: (( وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِين٠ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ 118-119)) لكي لا نستصغر مسألة معرفة الحق واتباعه ونستخف بها، ولكي نجعل ذلك محورًا أساسيًا في حياتنا، نبذل قصارى جهدنا لتمحيص وجهات النظر وتبيين مختلف الآراء المختلف فيها، وتجلية ما خفي وما اكتنفه الغموض من القضايا التي تقابلنا في الحياة مما له أثر على ديننا ودنيانا، أفرادًا وجماعات، دون تحايل ولا تدليس ولا خِداع ولا كِبر ولا عجز ولا كسل، وبالتضرع إلى الله والتوجه إليه في الخلوات حيث تصفو وتصدق النفس ليرينا الحق حقًا ويرزقنا اتباعه، وبغير أن يقتصر انحيازنا إلى الحق حين يكون في صالحنا فقط كما ذكر الله تعالى في شأن المنافقين في سورة النور: (( وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) ))
لقد تأملت في النصوص الشرعية والأحكام والحِكم الهادية إلى سبل معرفة الحق، فوجدتها تتوزع على خمسة معالم هي:
- الإخلاص لله تعالى وتقواه
- العلم بالأمر والمعرفة بمختلف جوانبه.
- الخبرة فيه وطول التجربة بخصوصه
- الشورى بحكمها خلق لازم وإجراء فاعل وصادق
- الافتقار إلى الله في معرفة الحق والدعاء والتضرع إليه سبحانه.
أولاً – الإخلاص إلى الله تعالى وخشيته سبحانه وتقواه، إذ الحق نعمة نفيسة يَتيهُ فيها خلق كثير لا َتعرف إلا أبواب القلوب السليمة، التواقة حقا لمعرفة الحق، المحبة له المتعلقة به ولو كان في ذلك خسارة تصيب أصحابها، فقد قال الله تعالى في سورة البقرة: ((وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ 282- )) أي بخشيته تعالى تنقدح أنوار العلم والمعارف والحكمة، وكقوله سبحانه في سورة الأنفال: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا))، أي يهبه ميزانًا يعرف به الأمور على أوزانها الحقيقية، ونورًا يفرّق به بين الحق والباطل والحقّ والصواب. وقد وقف محمد رشيد رضا عند هذه الآية في تفسيره “المنار” فقال: “جعل لكم بمقتضى هذه التقوى ملكة من العلم والحكمة تفرقون بها بين الحق والباطل ، وتفصلون بين الضار والنافع ، وتميّزون بين النّور والظّلمة ، وتزيلون بين الحجّة والشبهة . وقد روي عن بعض مفسري السلف تفسير الفرقان هنا بنور البصيرة الذي يفرّق بين الحق والباطل”
وفي السنة النبوية توجيهات كثيرة لما يمنحه تقوى الله من الحكمة والبصيرة ومن ذلك الحديث القدسي العظيم الذي رواه البخاري عن أبي هريرة في ما حدّث به النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه فقال: (( يقولُ اللهُ تعالى :مَن عادَى لي وَلِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشَيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وما تَرَدَّدْتُ عن شَيءٍ أنا فاعِلُهُ تَرَدُّدِي عن نَفْسِ المُؤْمِنِ؛ يَكْرَهُ المَوْتَ، وأنا أكْرَهُ مَساءَتَهُ ولابدَّ له منه)).
وفي مقابل ذلك لا شيء يعمي عن معرفة الحق كاتباع الهوى كما بين الله سبحانه وتعالى في صورة ص: (( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ – 26))، ومن أشد أنواع اتباع الهوى الكبر، الذي فسره رسول الله صلى عليه وسلم بأنه “بطر الحق” أي إنكاره وكفرانه، و”غمط الناس” أي التعالي على الناس ومنعهم حقوقهم ومكانتهم، وذلك في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى عليه وسلم : (( لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن كانَ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْرٍ قالَ رَجُلٌ: إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أنْ يَكونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا ونَعْلُهُ حَسَنَةً، قالَ: إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ، الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ، وغَمْطُ النَّاسِ)).
وقبل ذلك وبعده، فإن من أركان صلاتنا التضرع الى الله، في كل ركعة من صلوات الفرض والنافلة أن ندعو الله في قراءتنا سورة الفاتحة أن يعرفنا عز وجل بالصراط المستقيم وأن لا نضل عن الحق، وأن لا نتعمد الصّد عنه إن عرفناه، فينالنا غضب الله وإبعاده.
والإخلاص لله هو الإخلاص الذي ينجو به المرء عند الله تعالى، ويوفق به في حياته الدنيا حيثما ذهب، ولكن ثمة إخلاص دون ذلك، كالإخلاص لأمة أو وطن أو عشيرة أو شركة أو مؤسسة أو منظمة أو حزب أو وظيفة أو فكرة مجردة أو نحو ذلك، فإنه كلما تجلى إخلاص المرء لأي منها، بعيدا عن المصالح الشخصية والأوهام المضلّة، كانت معرفته مؤكدة للأنفع والأصح والأصلح لما يعلن أنه مخلص له، وغير ذلك بريق سمعةٍ، وتدليسٌ وخداع.
يتبع ….
الهجرة في سبيل الله سعةٌ
قد يشعر المرء وهو يسير في طريق الإصلاح وصناعة الخير بكثير من الضيق والأسى حين تعترضه المصاعب والعواقب وتحيط به الخيبات، أو تثقل كاهله المظالم، أو حين يدرك حجم تأثير ما وقع فيه من تقديرات خاطئة واختيارات مجانبة للصواب على حياته ورسالته فيها، وقد يصل به الإحباط للتحول إلى كتلة من السلبية يسجن فيها نفسه، حتى لا يكون ثمة من قيد له سوى السجن الذي بنى حيطانه حول نفسه بنفسه.
غير أن الله سبحانه جعل للمؤمن مخارج كثيرة من هذه الحالة المدمرة، يحوّل بها هذا الضيق الى سعة، ومنها الهجرة في سبيل الله وفق قوله سبحانه وتعالى: ((وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً)). ومعنى الآية كما بيّنه المفسرون، أن الله يهب المهاجر أنواعا من التأييد بما يتحصن به وما يراغم به الأعداء، ويبسط له ويوسع له في الرزق.
والهجرة تكون لأسباب كثيرة، بالقلب والفكر وبالجسد.
– أما الهجرة بالقلب، أن يهجر المؤمن النوايا السيئةَ والمقاصد السفليةَ، وأن يغادر بقلبه سفساف الأمور ، ودرن الآفات الدفينة ويسافر بفؤاده نحو السماء إلى معالي الهمم، وعزائم الأمور الرفيعة.
– وأما الهجرة بالفكر أن يترك المرء بفكره البيئة السلبية التي تفسد دينه وتكون خطرا على أخلاقه، والمعيقة لتطوره ومواصلة طريقه، فيقطع صلته عقليا بالأجواء الفاسدة التي لا يستطيع تغييرها في الحين، والتي يعسُر عليه في الآن إمضاء الخير الذي يرومه فيها، وينتقل إلى التفكير في الأعمال الصالحة ومشاريع الإصلاح التي لا تحكمها البيئات المنحطة أبدا، ويتحرر من قيود الحاضر بأن يطلق العنان لخياله لكي يرحل إلى مستقبل مشرق يرسمه في ذهنه فيذهب إليه مسرعا غير ملتفت إلى الخلف حيث البيئات المضللة.
– وأما الهجرة بالجسد فهي أن يغادر المسلم المكان الذي تغلبه فيه نفسه، حيث تجرّه نزواته إلى المهالك، أو حيث دواعي العجز والكسل، أو آثار الآثام والظنون والهواجس التي تمنعه، أو تعطله، عن العمل الصالح للارتقاء بنفسه ومجتمعه إلى مدارج الخير والبر والرضوان.
وهذا ما يؤكده الحديث الشريف الذي رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو : ((الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ))، وكلما كانت الظروف صعبة والبيئة فاتنة وثمن الالتزام كبيرا، كان الثبات على الدين بمثابة الهجرة المتجددة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثلما بيّنه الحديث الشريف الذي رواه مسلم عن معقِل بن يسار عن رسول الله صلى عليه وسلم أنه قال: ((الْعِبادَةُ في الهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إلَيَّ))
وقد تكون الهجرة انتقال دائم أو مؤقت لسبب البحث عن فضاءات أرحب وفرص أفضل، يُقدَّرُ فيها مقامُك ومقدراتك، وتحصل فيها على أدوات أنسب لتطور ذاتك، وتجسيد رسالتك والاقتراب أكثر من رؤيتك.
وقد تكون الهجرة بسب المنع والتضييق أو الملاحقة والاضطهاد، لا لشيء إلا لأنك تؤمن بالله، أو لأنك تدعو إلى الله، أو لأنك تريد أن تخدم بلدك في سبيل الله، لتحرره من الفساد والاستبداد، ولتجعل أهله ينعمون بالحرية والكرامة والعيش الرغيد.
يكون الانتقال والهجرة بالجسد من مكان الى مكان آخر، قريب أو بعيد، من حي إلى حي، أو من قرية إلى إلى قرية، أو من مدينة إلى أخرى، أو من بلدك إلى بلد آخر، بعيد أو قريب، لا يهم في ذلك إلا البيئة التي تساعدك على حفظ نفسك وأسرتك وخدمة دينك وأمّتك، ولا معيار للهجرة التي يجزل بها الله تعالى الأجر والثواب إلا أن تكون في سبيل الله كما جاء في الحديث الصحيح المشهور : (( إِنَمَا الأَعْمَالُ بِالنِيَاتِ))، وأن تبقى في سبيل الله، مبررة دوما بالمقاصد النبيلة، لا تغامر فيها بدينك وأخلاقك ومروءتك، مهما كان المجال الذي ستشتغل فيه ومهما كانت الوجهة التي تقصدها.
إن من أهم الدروس التي نستلهمها من الهجرة النبوية أن أصحاب الرسالات لا يجب أن يتوقفوا عن العمل لرسالتهم ورؤيتهم مهما كانت الصعوبات والتحديات والخيبات، ومهما كان الصد الخفي والعلني، والمباشر وغير المباشر، ومهما كانت صلابة وضخامة القوى المضادة، فالمجتمع فسيح وأرض الله واسعة،(( أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا))
وقد تكون الهجرة جزئية إلى بلد غير معادٍ يتم فيها انتقال جزء ممن أرهقهم الأذى أو ممن يجب حمايتهم لأهميتهم أو لأهمية ما يحملونه من خصائص تحتاجه الجماعة الساعية للتغيير، أو لصناعة منصة خارجية للدعوة إلى الله ولنشر الفكرة ضمن رؤية حضارية مستقبلية، كما حدث في الهجرة الأولى الى الحبشة.
أو تكون الهجرة كلية، بخروج الجماعة الساعية للتغيير كلها حين تصبح أرض النشأة مستعصية بالمجمل على التغيير، للتحول إلى بلدة أو بلاد أخرى مرحبة ومستعدة لقبول الفكرة الجديدة وحمايتها والتضحية من أجلها، كما حدث في الهجرة النبوية التي نحتفل بها كل سنة في الأول من محرم، ثم تكون العودة إلى البلاد التي بزغت فيها الفكرة بعد أن تمكنت في بلاد أخرى هاجرت إليها، أو استُكملت فيها العدة النفسية والفكرية وهُيِئت الأسبابُ للرجوع إلى بلد المنبع.
لا هجرة بعد فتح مكة، من مكة إلى المدينة، وفق ما ورد في الصحيحين من حديث عائشة، ومن حديث ابن عباس أن رسول الله ﷺ قال: ((لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وإذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا))، ولكن الهجرة تبقى عملا صالحا إلى يوم القيامة وفق ما جاء في الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود عن أبي سفيان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لاَ تَنْقَطِعُ الهِجْرَةُ حَتَى تَنْقَطِعَ التَوبَةُ، وَلَا تَنْقَطِعُ التَوَبَةُ حَتَى تَطْلُعَ الشّمْسُ مِنْ مَغْرَبِهَا))، وذلك إذا أضطر المسلم إلى ترك الإقامة في بلاد غير المسلمين إذا خشي على دينه، ودين أبنائه وعائلته، ليقيم حيث يستطيع المحافظة على عقيدته والالتزام بواجباته الدينية هو ومن هم تحت مسؤوليته، أو إذا هاجر إلى بلاد أخرى، مسلمة أو لغير المسلمين، إذا ارتبطت هجرته بنية خالصة لوجه الله تعالى، أو من أجل أعمال مفيدة للنفس والأهل أو للوطن أو الأمة أو من أجل القضية الفلسطينية أو دفاعا عن أي قضية مقدسة أو عادلة.
بل إن الهجرة تبقى دوما واجبة من حيث هجر أذيّة المؤذين وسوء المسيئين والصبر عليهم حين لا يكون تغيير مناكرهم ممكنا ولا تزيد رفقتهم إلا منقصة في التدين والأخلاق كما بين الله تعالى (وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا- 10)) المزمل.
وتكون الهجرة كذلك واجبة في كل وقت من أجل المحافظة على الدين وحفظ النفس والأهل من بطش الظالمين والاستضعاف في الأرض لمن قدر عليها ووجد طريقها وملك وسائل الحياة الكريمة الحرة عبرها في بلاد أخرى، إلا من عجز فإن الله تعالى يرحمه ولا يؤاخذه، وذلك ما قصدته الآية الكريمة في قوله تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا- 98-99)) النساء.
لقد جعل الله الهجرة من أعظم الأعمال الصالحة وامتدحها في كتابه العزيز، ما تعلق منها بالهجرة الى النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم في المدينة حين خرج من مكة مهاجرا إليها، كما جاء عنها في العديد من الآيات التي ربطها سبحانه بالإيمان والجهاد ومنها قوله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيم))، وما عظُم أمر المهاجرين إلا لما حققوه من تحول تاريخي عظيم بدأ معه عدّ قيام أمة الإسلام ودولة الإسلام وحضارة المسلمين وقد أعطوا في سبيل ذلك كل ما يملكون، وما نحن المسلمين جميعا إلا حسنات جاريات في رصيدهم رضي الله عنهم أجمعين وعلى مصدر الخير فيهم سيدنا محمد أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
أو ما تعلق منها بهجرة الذنوب والمعاصي، حيث عدها رسول الله أفضل الإيمان، كما جاء في الحديث الذي رواه أحمد عن عمرو بن عبسة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ….قال: فَأَيُ الإِيمَانِ أَفْضَلْ؟ قال: ((الهِجْرَةُ))، قال: فَمَا الهِجْرَة؟ قال: ((تَهجُر السُوءَ))..))
أو ما تعلق بهجرة الأوطان لحفظ الدين، وتجنبًا للظلم والبطش والعدوان، كما وقع في عصرنا للعديد من المسلمين الذين تم تهجيرهم بسبب الفتن والحروب أو الذين تم التنكيل بهم من قبل الأنظمة الاستبدادية أو المليشيات الإجرامية، في مصر وسوريا والعراق واليمن ونحو ذلك كما بين الله تعالى في محكم التنزيل: ((وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ۖ وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ – 41))النحل
أو ما تعلق بأي غاية نبيلة تدخل فيها نية صالحة، ويُحفظ فيها الدين والعرض والخلق، كطلب العلم كما جاء في صحيح أبي داود عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( منْ سَلَكَ طَريقًا يَبْتَغِي فِيهِ علْمًا سهَّل اللَّه لَه طَريقًا إِلَى الجنةِ))، أو الضرب في الأرض وراء الرزق كما جاء في الآية: ((هُوَ الذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيهِ النُشُور – 15)) الملك، وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه البيهقي مرفوعا عن ابن عباس: ((سَافِرُوا تَصِحُوا وَتَغْنَمُوا)).
إن في الهجرة خير كثير حين تكون واجبة لحفظ الدين أو النفس أو العرض، وحينما تكون مباحة لمصلحة عامة نبيلة في أي مجال من المجالات أو لمصلحة خاصة مما يتقوى به المؤمن الصالح في ما لا تتاح له الفرصة في بلده، لعلم أو خبرة أو رزق، وفق قول المصطفى في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة: ((المُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفِي كُلٍّ خَيْرٌ)).
فالهجرة بهذه المعاني خير كله وفق ما جاء في الحديث الذي رواه النسائي وصححه الألباني، عن كَثير بن مُرَّة أن أبا فاطمة حدَّثه، أنه قال: يا رسول الله، حدِّثني بعمل أستقيم عليه وأعمله، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عَليكَ بالهجرةِ فإنَّهُ لا مِثلَ لَها)).
وما فضل الهجرة إلا لما يقدمه صاحبها من تضحيات بترك الديار والأهل والأحباب وركوب المخاطر والتحرك في المجهول، وربما ضيق الرزق وقلة الزاد، قبل أن تستقر له الأمور بما يمنحه الله تعالى له من مراغمة وسعة وعد بها سبحانه في الآيات وأحاديث نبيه عليه الصلاة والسلام.
وجمل الإمام الشافعي فوائد التغرب عن الأوطان في أبيات بديعة يقول فيها:
تغرب عن الأوطان في طلب العلا
وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفريج هم واكتساب معيشة
وعلم وآداب وصحبة ماجد
أيها الإسلاميون ليس وقتكم؟!
أيها الإسلاميون ليس وقتكم؟!
شيء مؤسف أن يوصف الإسلاميون في معرض المدح أن لهم دورا وظيفيا لإنجاح “العرس الانتخابي” وخدمة الدولة أمام القوى الخارجية بمشاركتهم في الانتخابات، وأن من دلائل وطنيتهم أنهم يدركون أن الظروف الإقليمية والدولية لا تسمح لهم أن يكونوا في صدارة النتائج الانتخابية لقيادة البلاد، وأن اقتحامهم المنافسة الانتخابية هو في حد ذاته دليل على ديمقراطيتهم، فيَسعدون بهذا، ويكررون ما يقال عنهم في ذلك بابتهاج كبير، ويشاركون غيرهم ما يُكتب عنهم في هذا الشأن في مختلف الوسائط الاجتماعية ليؤكدوا بلسان الحال أنهم فعلا كذلك. حتى ليقول القائل إنها والله لعاهة كبيرة، وكأنها المازوخية!
بل ثمة من قال لي – عجبا – أن الهوامش السياسة التي يتمتع بها الإسلاميون في الجزائر، إلى حد المنافسة على رئاسة الجمهورية هي أفضل مما مُنح لغيرهم في البلاد العربية، حتى وإن كان الوصول الفعلي إلى الرئاسة أمرا مستحيلا، وما قول ذلك القائل وما مثله إلا للزيادة في المنّ وبناء العقد النفسية والتيئيس من الحاضر والمستقبل.
ينسى من يعتقد ذلك الاعتقاد ويصدقه أن الحركة الإسلامية تسلمت رئاسة الحكومة في تونس والمغرب من قبل، ووصلت إلى رئاسة الجمهورية في مصر، والمجلس الرئاسي في اليمن، وفي كل هذه التجارب وصل الإسلاميون بالإرادة الشعبية وليس بالمنح السلطانية. وهذا أمر يستحيل أن يقبله النظام السياسي الجزائري إلى يوم الدين بعد أن أنقلب على نتيجة الانتخابات التشريعية في جانفي 1992 رغم إعلانه هو ذاته بأنها كانت حرة ونزيهة.
والعقلية والثقافة التي انقلبت على التجارب الناجحة في الأقطار الأخرى ، أو أفسدتها، هي التي انقلبت على الانتخابات التشريعية في التسعينيات في الجزائر وهي التي تحدد لهم السقف الذي لا يمكن أن يتجاوزوه، ما لم تتغير الموازين، وستبقى تفعل ذلك بالتزوير والتضييق والترويض الشرطي إلى أن يقبل الإسلاميون أنهم ليسوا بديلا وأن يرضوا بما يُمنح لهم، إلى أن يصبح ذلك هو حظهم الحقيقي أو أقل من ذلك في الإرادة الشعبية والحالة الاجتماعية، فتتحقق ما يسمى بالديمقراطية الآمنة التي يخسر فيها الإسلاميون بالصندوق دون الاضطرار للتزوير.
وستبقى الحركة الإسلامية في العالم العربي بين منهجي الاستئصال أو الإدماج ما لم تنتهج نهجا جديدا، عنوانه المقاومة السياسية السلمية، التي تتوازى في الرؤية والفكر – مع الفارق في الطبيعة والمكان والظرف – مع نهج المقاومة الفلسطينية ضد البطش الإسرائيلي وداعميه في العالم بأسره، أو وفق ما ذكره روجي غارودي في استراتيجية محاربة النظام الرأسمالي العالمي الظالم المهيمن من خلال نهج حرب العصابات السلمية لإرهاق هذه المنظومات الاستبدادية الظالمة الفاشلة دون الدخول في صدام مباشر معها، والتحالف مع سنن التغيير الغلابة، ضمن نظرية المكان المناسب الذي نظّرنا له في كتاب تحدي العبور، في الوقت والمكان الذي يريده الله ويختاره.
وهذا النهج هو ما جرّبناه في حركة مجتمع السلم بين 2013-2023 وجعل الحركة تتجه من جديد نحو الصعود، في مختلف المجالات، غير أن الصعود لم يكتمل بعد، لأنه لا نجاح في التاريخ في نهضة الجماعات والأمم والدول دون استمرار السير دون تردد في الرؤية عبر فترة طويلة من الزمن. وفي كل الأحوال لن تنتظر السنن الجارية منذ طوفان الأقصى حركة مجتمع السلم أو غيرها، والأرجح أنه سيكون التحول تيارا جارفا يفيض فيه التنور فلا تسير فيه إلا الفلك المعدّة لذلك، إذ قد ينصر الله دينه وأمة نبيه ويحرر فلسطين والمسجد الأقصى بقوم ليسوا مثلنا ولا يشبهوننا في شيء، والله نسأله أن يجعلنا ممن يركب فلك النجاة الواصل إلى المقصد، لا مبدلين ولا مغيرين.
إن القول المتكرر بأن الوقت ليس مناسبا للإسلاميين هو الكلام الذي قيل للشيخ محفوظ، وعلى أساسه زوروا عليه الانتخابات الرئاسية عام 1995 ومنعوه من الترشيح عام 1999، وتوفي ولم يحن وقته رحمه الله، وقلبه مليء بالحزن من الظلم العظيم الذي سُلّط عليه وعلى حزبه، وبقي النظام السياسي وأدواته المباشرة وغير المباشرة، يقولون لقادة الحركة إلى اليوم ذات الكلام: “الظروف لا تسمح أن تكونوا في الصدارة”، وسيبقون يقولون هذا الكلام المنوّم الملغي للرسالة والرؤية التي نشأت على أساسها الحركات الإسلامية إلى يوم الدين ما لم تتغير الموازين، وما لم يكن ثمة من يناضل لتغيير الموازين.
ولو تعاملنا مع هؤلاء الذين يغالبون القدر في صد الطريق عن كل من يريد ممارسة السياسة على أصولها، وليس ضمن الأدوار الوظيفية الحمقاء، أن المشكلة ليست في متى تصل هذه الحركة السياسية إلى الحكم أو تلك، ولكن المشكلة أن تغيب الديمقراطية ويستمر التحكم والهيمنة والعجز عن تحقيق نهضة البلد، وأن يبقى نفس النظام، المسؤول عن كل هذا، يحكم لأكثر من ستين سنة. لو كان ذلك هو توجه كل التيارات والأحزاب السياسية في الجزائر قبل أن تموت مع موت السياسة الواحدة تلو الأخرى، بعيدا عن النزعة الشخصية والحزبية الأنانية، على نحو ما كانت عليه فكرة تنسيقية الانتقال الديمقراطي في بدايتها لسهل أمر التغيير، ولتوقف تدوير السلطة بدل التداول عليها كما كان يقول الشيخ محفوظ رحمه الله، ولْتأتي الديمقراطية بغير واجهات النظام السياسي المتكررة، لعل الفرصة تُعطى لمن هو أفضل وأقدر. غير أنه حينما تشيع الممارسات الوظيفية التي لا تزيد إلا في عمر الوضع القائم لا بد أن يكون التفكير من خارج الصندوق.
من العيب والعار أن يقال عن الإسلاميين بأنهم “وطنيون” و”ديمقراطيون” لأنهم قبلوا قواعد اللعبة التي تفرضها الأنظمة غير الديمقراطية والتي فشلت عبر عقود طويلة في تحقيق نهضة الأوطان.
إن الوطنية الحقة هو أن يؤمن الإسلاميون بأنهم هم الأقدر على خدمة الأوطان، وأنهم هم البديل السلمي العلمي الحضاري للأنظمة التي فشلت في رفع البلدان التي تتسلط عليها إلى مصاف الدول المتطورة، وأنهم قادرون على تكرار التجارب النهضوية التي تحققت في بلدان إسلامية كنا في الثمانينات أفضل منها، كنموذج ماليزيا. كما أن الإسلاميين لن ينالوا الصفة الديمقراطية ما لم يناضلوا من أجل الحريات والديمقراطية وما لم يضحوا من أجل ذلك، حتى وإن جاءت بغيرهم. وأنهم هم الأقدر على مواجهة المخاطر الخارجية برشاد الحكم وقوة المجتمع وكرامة الإنسان.
إن كل شهادة تزكية تأتي من الأنظمة الاستبدادية الانقلابية، أو المزورة للإرادة الشعبية أو المانعة للحريات الإعلامية والسياسية وفي فضاءات المجتمع المدني هي شهادات كيدية لاستيعاب القادة وتنويمهم وجعلهم يعيشون في غرورهم دون دراية بما يُكاد لهم ولمشروعهم ولجعلهم يضرب بعضهم بعضا و”يقتل” بعضهم بعضا سياسيا ومعنويا وإعلاميا، بل لمحو بعضهم بعضا من الساحة. ولا ينبئك مثل عليم و/أو خبير.
إن استعجال الإسلاميين وحده هو الذي يجعلهم يخضعون لمكائد التدجين السلطوي من أجل مصالح حزبية وشخصية ضد مصالح البلد والأمة والمشروع، أو يجعلهم يدخلون في صدام مباشر مع الأنظمة فيُستأصلون.
إن صعوبة المهمة وكثرة الصد لا تبرر هذا النوع من الاستعجال أو ذاك، بل الواجب هو ابتكار الطرق الجديدة التي تغير ميزان القوة لصالح المجتمع وضد مصالح الأنظمة المتغلبة المستبدة في الدولة، إن في هذا الطريق مصلحة الوطن، كل مصلحة الوطن، وفي ذلك قواعد سياسية تهدي إلى السير السديد منها:
- الرؤية والمنهج هو تحقيق نهضة الوطن والاستئناف الحضاري للأمة وتحرير فلسطين
- المصلحة العامة مقدمة على المصالح الشخصية والحزبية.
- التغيير تجريه سنن اجتماعية لا تتغير ولا تتبدل، لا يعلم آجالها إلا الله، ولكن استشرفها، واعمل وضحّ لتكون في المكان المناسب حين يأتي أوانها.
- الاستبداد نوعان: استبداد خشن واستبداد ناعم، وكلاهما مميت، الاستبداد الخشن يضرب الجسد لتخرج الروح، والاستبداد الناعم يُخرج الروح دون ضرب الجسد.
- إن لم تستطع إضعاف الاستبداد فلا تقويه.
- أضعف الإيمان في وجه الاستبداد ألا يقبله القلب، وليس وراء ذلك حبة خردل من الإيمان.
- المقاومة أن تدافع الفعل المعاكس المضر لتضعف أثره ولو لم تقدر على إنهائه.
- المقاومة السياسة هي الصمود في وجه الاستبداد والعمل على إرهاقه بالكر والفر الى أن تنهيه السنن فيكون المقاومُ الصامد هو البديل.
- سبب المخاطر الخارجية الاستبداد، والمخاطر الخارجية تعلّة المستبدين لإضعاف الوطنيين المعارضين.
- لا أثر للمخاطر الخارجية إلا بضعف الدولة، وسبب ضعف الدولة من يحكمها.
- لا تقوى الدولة إلا بقوة المجتمع، ولا جبهة شعبية داخلية قوية إلا بالحرية وكرامة الإنسان، وغير ذلك انتهازية وزبونية وخداع … ولغة خشب.
- الاستبداد ليس قدرا مقدورا، كل الشعوب التي ضحت لإنهائه نجحت.
- الاستبداد ليس قدرا مقدورا ومن شك في ذلك فلينظر إلى خسائر الكيان دوليا وفي الميدان بعد الطوفان.
- الاستبداد يرضى على من يساعده على البقاء، بالدعم المباشر أو غير المباشر أو بفعل لا شيء، ويحارب من يُضعفه، بشكل مباشر أو غير مباشر، وبمنع المقاوم للاستبداد من فعل أي شيء مفيد.
- أعداء الاستبداد هم أهل الفكر والفطنة الواعون بخلفيات الأمور وأبعاد الأحداث، وهم المجدون المنجزون المؤثرون في مجتمعاتهم، وهم الذين يصنعون التوازن في الأوطان بين الدولة والمجتمع.
- من أدوات الاستبداد قتل الكفايات الواعية المناضلة، ومن أدواته القابلية للاستبداد التي تساعده على قتل الكفايات.
- الاستبداد يحب الكفايات الشخصية والجماعية بكل أنواعها، ولكن ليبتلعها تحت سلطته.
- يسهل على الاستبداد ابتلاع الأشخاص لصالح مشروعه، مهما كانت كفاءتهم ونزاهتهم، ولكن يصعب عليه ابتلاع المنظمات والجماعات، فإن نجح في ذلك لا حد لسعادته.
- لا تربط زمن التغيير بشخصك ولا حتى بجيلك، إن فعلت ذلك ستضحي بفرص التغيير من أجل إنجازات صغيرة لصالحك.
- إن تحقق الإنجاز بعد رحيلك، وكان لك فيه بصمة، فسيرتفع أجرك ويسجل التاريخ ذكرك.
- الناجحون هم المنجزون الذين تبقى آثارهم، لا الذين يكثرون الحركة ويتطاولون في الحديث ولا يتركون شيئا وراءهم.
- لن تكون وطنيا بلغة الخشب، وتكرار مصطلحات المستبدين، بل بالتضحية من أجل الوطن، لتخليصه من المستبدين
- لكل مرحلة زمانها وإنجازاتها والعيب كل العيب في الرسوب أو الرجوع الى الوراء.
- الإستبداد كله شر، وبكل أنواعه لا يأتي بخير.
- لا نهضة ولا تنمية ولا تطور بدون إبداع ولا إبداع دون منافسة عادلة ولا منافسة عادلة دون حرية
- يمكنك أن تحاور الاستبداد، بل أحيانا واجبك أن تحاور، ولكن للدفاع عن رؤيتك لا لتندمج في رؤية الآخر.
في ذكرى تأسيس الحركة (3) : وطن ينهض، حركة تتجدد
لم يكن ُيتصور بضعة أشهر قبل الاحتجاجات الشعبية في جانفي 2011 وثورات الربيع العربي بأن الحركة ستراجع توجهاتها السياسية الاندماجية في منظومة الحكم، لقد كاد الارتباط بالحكم أن يتحول إلى عقيدة سياسية لا تتزعزع، والمشاركة في الحكومة حتمية لا تتبدل، وكانّها بصمة وراثية ذات حمض نووي ريبوزي راسخ لا يتغير، رغم الخسائر الكبيرة التي لحقت بالحركة في رمزيتها واستقرارها جراء ذلك المنهج، ورغم التقييم السلبي الرسمي الذي قدمه رئيس الحركة الشيخ أبو جرة عن التحالف الرئاسي، ورغم تحول الحركة إلى نوع من “الربيب” بين شقيقين أصليين لرب الأسرة، يشترك في غرم العائلة ولا حظ له في الغنم.
لقد كانت الأصوات المعارضة لذلك التوجه مبحوحة داخل الحركة لا يُسمع لها ولا يُعتد بها، وقد كنتُ ضمن تلك الفئة المعارضة، قد أصابني اليأس في القدرة على فعل شيء ما من داخل الحركة وأخبرت بعض القريبين مني بأن آخر عهدي بهياكل الحركة سيكون بمناسبة المؤتمر الرابع في 2013. غير أنني كتبت ورقة طويلة في ذلك الوقت عرضتها في المكتب التنفيذي الوطني إبراء للذمة، بينت فيها موقفي من الاستمرار في الارتباط بالسلطة عبر المشاركة الهزيلة في الحكومة، المضرة بالحركة والبلاد، ورؤيتي التي تصلح البلاد والحركة.
فإذا بالأوضاع تنقلب رأسا على عقب بعد الاحتجاجات الشعبية في الجزائر والعالم العربي، ويصبح المناضلون يرون أنفسهم بأنهم في الجانب الخاطئ من التاريخ، فيشكلون تيارا جارفا يريد رؤية متجددة وقيادة جديدة تمكّن من العودة بالحركة إلى أحضان الشعب ومقاومة الفساد والاستبداد، فتجسدت نظرية المكان المناسب عند التحولات السننية، إذ اتجهت أنظارهم إلى الشخص الذي ثبت في الدعوة إلى ذلك الهدف فلم يتغير ولم يتبدل، فكان التقاءٌ بالقدر، لي وللحركة، لم يكن أحد قد خطط له أو سعى إليه، وتلك هي المرحلة الخامسة، أو الطور الخامس من أطوار تطور المنهج.
جاءني أحد المسؤلين في الحركة مبتهجا ذات يوم ينقل لي ما سمعه من مسؤول كبير سابق في الحركة في جلسة استشارة في لجنة تحضير المؤتمر السابق من: “أن ثمة مشروعين في تاريخ الحركة، مشروع الشيخ محفوظ الشيخ محفوظ نحناح ومشروع الدكتور عبد الرزاق مقري”، وكان هذا المسؤول السابق والحالي في الحركة يقول، هو وغيره من بعض المسؤولين السابقين والحاليين، بأن فترة رئاسة دكتور مقري هي بمثابة تأسيس ثان للحركة.
لم يكن هذا قولي، ولم أسع أن أناقش مع أحد من القائلين أو المعترضين على هذا القول، فما مرحلتي في ظني إلا مرحلة من مراحل تطوير منهج الحركة، ولم يكن يهمني سوى التجديد الفكري لدى الأفراد والإنجاز في الميدان، ولكن يبدو أنني وإن نجحت في تحقيق إنجازات في الميدان فأنا لم أفلح في تغيير القناعات في الأفكار، وإذا لم يتحقق تغيير الأفكار فإن الإنجازات ستعود حتما على أصلها بالإبطاال، ما لم تنتقم الأفكار في ظرف مناسب لاحق.
لقد كان حرصي الكبير في قيادتي للحركة أن يقود الفكرُ الإنجازَ، فمنذ أن رأيت أن ثمة تيارا جارفا يتجه إليّ لم أشأ أن تكون رئاستي للحركة مبنية على رد فعل للربيع العربي يقوم على حالة عاطفية انتهازية، لا سيما أن الخروج من الحكومة جاء بعد نقاش دام سنة كاملة بين 2011 -2012 بعد الاحتجاجات، وقرابة ثمانية أشهر من انتظار تجسيد الإصلاحات التي وعد بها الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة رحمه الله في 15 أفريل 2011 ولم تتجسد.
ولذلك رجعت إلى الأفكار التي كنت أناضل بها، لا سيما الوثيقة التي سلمتها للشيخ محفوظ عام 1997 والتي اشرت إليها في المقال السابق، فطورت كل تلك الأفكار ضمن رؤية شاملة للتجديد في كتاب دخلت به المؤتمر الخامس عام 2013 تحت عنوان ” البيت الحمسي” يتناسب مع شعار المؤتمر ” حركة تتجدد، وطن ينهض” وفي ما دونته في كتابي “الحركة الإسلامية في الجزائر: الماضي، الحاضر والرؤية المستقبلية” الذي صدر عن دار الخلدونية عام 2015 ثم كتاب آخر دخلت به المؤتمر السابع، لعهدتي الثانية، عام 2018 (بعد المؤتمر السابع مؤتمر الوحدة)، تحت عنوان “البيت الحمسي 2 ” وختمت عهدتي الثانية بكتاب يعبر عن رؤية شاملة للعمل الإسلامي في العالم العربي ” الاستنهاض الحضاري وتحدي العبور” الذي لقي بحمد الله قبولا كبيرا لدى العلماء والمفكرين واعتمده الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين بعد تحكيمه من لجنة من خيار أهل العلم والفكر واعتمدته بعض الحركات الإسلامية في مناهجها التكوينية، علاوة على كثير من النصوص التي قدمتها طيلة العهدتين بمناسبة مجالس الشورى ولقاءات الهياكل والملتقيات والجامعات الصيفية التي جمعت جزء منها في كتابين، الأول: ” وثائق في الفكر والسياسة والدعوة” صدر عام 2015، والثاني: “أفكار وسياسات: من نصوص العهدة 2013-2018” صدر عام 2018.
لا شك أنه لكل طور من أطوار الحركة الخمسة نجاحاتها وإخفاقاتها، أما النجاحات في الطور الخامس فقد كانت بارزة ظاهرة ثمنها المؤتمر السابق بتصويت يفيد الإجماع وثبّتَ محاورَها الكبرى نظريا في الوثائق التي صادق عليها للمرحلة التي تليه، وكان الظن أن هذه المرحلة الجديدة ستكون وفية لتلك النجاحات، ومن تلك الإنجازات :
- الإنجازات الأخلاقية والقيمية: لا أزعم أننا حققنا نجاحات حاسمة في هذا الجانب كما سأبين أدناه ولكن حاولنا أن نشكل في الحركة اتجاها عاما منافيا للانتهازية السياسية ويرفض استغلال الحركة للطموحات الشخصية، وعملنا على أن يقوم سلم القيم والقدوة على الاستقامة والتعفف والإنجاز، وكان العمل جادا على رفع قيم التضحية و الشجاعة والوفاء والتجرد وأصبحت ساحة الحركة والنقاشات الدائرة فيها لخدمة الوطن والأمة والقضية الفلسطينية، وأصبح الفرد يفكر داخل الحركة ماذا يعطي لها وليس ما يأخذ منها، وظل من نحسبه كذلك، والله وكيل الجميع، هو الذي يتقدم في الصف ويظهر في المشهد!
- الإنجازات الدراسية و الفكرية : إذ أصبحت الحركة تعتمد على مؤسسات التفكير المتخصصة وبات خطابها السياسي والاقتصادي خطابا علميا مقنعا، وظلت برامجها الانتخابية والتخصصية في مستوى قيادة الدولة تنتجها لجان قطاعية متخصصة، ويثني عليها رؤساء حكومات ووزراء وعلماء وأكاديميون. وعلى المستوى الفكري نظّرنا لعلاقة الدعوي بالسياسي المطروحة للنقاش بإلحاح في الساحة الفكرية الإسلامية وابتكرنا في هذا الشأن مقاربة التخصص الوظيفي و طبقناها بما أضفى فاعلية أكبر في الوظيفة السياسية والوظائف الأخرى الدعوية والاجتماعية وغيرها، فاستوعب هذا التدبير طاقات وكفايات كثيرة وفعّل قدرات بشرية كانت خاملة وأحيا وظائف استراتيجية، كما وضعنا قواعد الانتقال من المشاركة السياسية إلى الشراكة على أساس ميزان القوة – وإن لم نحقق ذلك بسبب اختطاف الحراك الشعبي – واخرجنا الكفاح السياسي من حتمية ثنائية الصدام أو الاندماج إلى الآفاق الرحبة للمقاومة السياسية، وبلورنا رؤى الانتقال الديمقراطي والتأهيل القيادي والاستنهاض الحضاري، وغير ذلك من ورشات النقاش الفكري الواسعة، و أصبحت الحركة ورجالها ومنتجاتها وتوجهاتها السياسية والإدارية ومشاريعها ومؤسساتها بحمد الله من أهم مصادر التطوير والتجديد في الحركة الإسلامية والإصلاحية في العالم العربي والإسلامي.
- الإنجازات التنظيمية واستحقاقات الوحدة حيث عرفت الحركة استقرارا كاملا طيلة عهدتَي الطور الخامس، فلم تعرف الحركة صراعات ولا انشقاقات، خلافا للأطوار الأربعة السابقة، بل تم تحقيق الوحدة مع جهتين مهتمين كانتا قد غادرتا الحركة من قبل، وهما جبهة التغيير وطبقة واسعة من القادة والمسؤلين والمناضلين كانوا قد غادروا الحركة على عدة مراحل منذ التسعينات. كما تم تنمية الموارد البشرية من حيث الكم والنوع، فبرز في الحركة جيلان قياديان جديدان هم من يقود الحركة اليوم محليا ومركزيا، وتم التركيز أكثر على الشباب فهم اليوم في مواقع قيادية أساسية في الهياكل والإدارة والمؤسسات.
- الإنجازات الشورية والديمقراطية حيث أننا انتبهنا بأن الشورى الحقيقية والديمقراطية الحقة هي التي توفر التعبير عن الرأي والرأي الآخر في النقاش أثناء مرحلة صناعة القرار في المشاورات والمداولات المختلفة وأثناء اتخاذ القرار في مؤسسات اتخاذ القرار، وأن المشاورات التي تقيمها الحركة في مختلف القضايا شكلية يسيطر عليها التنظيم وقادته بما يؤدي إلى تعارض المصالح، وفق المصطلحات العلمية الإدارية المعبرة عن ذلك، وتكون النتيجة حتما لمن يتحكم في التنظيم والمشاورات إذ رأيه هو وحده ما يُشرح ويسوق له باحتكار استخدام وسائل الحركة، وهذا سبب رئيسي للصراعات والانشقاقات والفتور وخسران الكفاءات، فابتكرنا طرائق جديدة تضمن حضور الرأي المخالف ومن ذلك: دعوة رؤوس الرأي المخالف إلى المكتب التنفيذي الوطني وتقديم آرائهم والدفاع عنها متى شاؤوا وطبقنا ذلك فعليا، واتفقنا مع رؤساء مجلس الشورى الوطني المتتالين بأن لا يُحدد الوقت لرؤوس الرأي المخالف والقادة السابقين أثناء تدخلاتهم وطبقنا ذلك، وشكلنا هيئة استشارية عليا يُضمن فيها حضور الآراء المختلفة بشكل متوازن كان حضور أصحاب الرأي الآخر قويا ومكثفا، بالإضافة إلى المجالس الاستشارية المتخصصة الشبابية والنسوية ومجلس المؤسسات واللجان القطاعية. وحاولنا أن ننظم مسألة التنافس الداخلي على المناصب لإنهاء عهد الكولسة الخفية والعلنية، ولتكون الحملات الانتخابية الداخلية شفافة يُسمح لكل المرشحين الاتصال بالهياكل التنظيمية والمناضلين باستعمال وسائل الحركة بالعدل والمساواة، فاقترحنا لائحة تنظم ذلك للمؤتمر السابع عام 2018 ولكن للأسف الشديد أسقطها من كان يُفترض أن يستفيد منها، ثم حاولنا الرجوع إليها في المؤتمر الثامن ألأخير فلم نفلح بسبب عدم توفر السند اللائحي ولكن وضعنا هذا السند في قوانيننا بما يسمح بالمنافسة الشفافة والعادلة لاحقا.
- الإنجازات السياسية: إذ ارتفعت رمزية الحركة بعد ما تضررت صورتها بسبب التوجهات السياسية السابقة، خصوصا بسبب التورط في فتح العهدات ودعم بوتفليقة عدة مرات، وبسبب الانشقاقات والصراعات الداخلية، فبات يُنظر إلى الحركة ورموزها بتقدير واحترام، وتجدّدَ الأمل فيها. وقد تجلى ذلك في نتيجة الانتخابات التشريعية والمحلية، حيث نجحنا في بلديات كبرى كانت محرمة علينا سابقا، منها وهران وعنابة، وحصلنا على نتائج في الانتخابات التشريعية الأخيرة تقارب نتائج زمن الألق السياسي في بداية التعددية، وذلك رغم العزوف الانتخابي، ولم تفلح محاولات التقليص من أهمية النتيجة الانتخابية بإبراز تراجع الكتلة الناخبة للحركة من قبل خصوم خطنا السياسي التقليديين من داخل الحركة آنذاك، والتي بات يرددها بلا أخلاق اليوم خصومٌ جدد كانوا بالأمس معنا في هذا الشأن خلافا لما يدّعونه اليوم. ويخفي هؤلاء وهؤلاء أن تراجع الكتل الناخبة هو على الأحزاب كلها وليس الحركة فقط، وأن سبب العزوف الانتخابي هو النظام السياسي (الذي يسندونه) من خلال التزوير المستدام للانتخابات، وأن الحزب الذي يستطيع أن يفرض نفسه ضد العزوف وضد التزوير وضد المرجفين ويحقق المرتبة الحزبية الثانية بعدد النواب يستحق التقدير والثناء وليس الهمز واللمز.
- الإنجازات المؤسسية المجتمعية حيث رجعت المؤسسة الاجتماعية إلى استقرارها وكثير من نشاطها وفاعليتها، وأرجعنا النقابة الطلابية إلى حضنها الأصلي، وأضفنا من خلال نظرية التخصص الوظيفي أربع أضعاف تلك المؤسسات بعضها صار جزء أساسيا من المشهد الوطني، وبعضها بلغ العالمية، وأحيينا بفضل الله كثيرا من وظائف المنهج وصار للمؤسسات التي يقودها رجالنا حظ وافر في خدمة القرآن والدعوة والقضية الفلسطينية وخدمات المجتمع.
- الإنجازات على صعيد العلاقات الداخلية إذ استطاعت الحركة أن تفرض نفسها في المشهد وأن تفعّل الساحة السياسية لعدة سنوات لخدمة رؤية الانتقال الديمقراطي المتفاوض عليه وبناء ميزان قوة يسمح بتحقيق التوافق الوطني والشراكة السياسية في القرار من أجل نهضة البلاد والمساهمة في نهضة الأمة، فكانت الطرف الأساسي في بناء التنسيقية الوطنية للانتقال الديمقراطي والاجتماعات التاريخية في مزفران مع كل أطراف المعارضة، وعادت لنفس الرؤية في مبادرة التوافق الوطني وكادت أن تحقق به انتقالا ديمقراطيا حقيقيا من خلال مفاوضاتها مع الرئاسة البوتفليقية في فترة ضعفها الشديد لو لا إحباط المحاولة من جهة قوية في السلطة لصالح العهدة الخامسة فأدت تلك الحركية الجماعية الدؤوبة إلى حالة وعي عامة فجّرت بشكل غير مباشر الحراك الشعبي. لقد صنعت هذه الحركية الدائمة في العلاقات مكانة معتبرة للحركة وقادتها وظلت أبواب الحوار مفتوحة لنا في كل الاتجاهات، في المعارضة وفي السلطة، ولِجناها بكل ثقة وإيمان بأفكارنا ومشاريعنا، وكنا في كل تلك الحوارات نرفع حركتنا بقوة حجتنا، ولم نتحدث وراء الأبواب المغلقة – آنذاك – إلا في ما ينفع بلدنا ولا نتورط في التآمر ضد أحد، قريبا كان أم بعيدا، ولو وجد أحد في ما كنا نقوله سعيا لمصلحة شخصية أو تآمرا على أحد أو على جهة ما لأسمعوا العالم بها.
- الإنجازات في العلاقات الخارجية: كما سبق أن قلنا تسببت حالة الصراع والخلافات داخل الحركة إلى عزلها عزلة تامة دوليا، ولكن استطعنا أن نعود بقوة منذ أسطول الحرية، ثم طورنا علاقاتنا حتى أصبحنا جزء أساسيا في المشهد الإسلامي العالمي، ومع أحرار العالم، سواء في المساهمات الفكرية والإعلامية أو المشاركة وقيادة المنظمات الدولية الفاعلة، كما وصلت مؤسساتنا المتخصصة إلى مستوى النمذجة و الريادة الدولية خصوصا في مجال التأهيل القيادي الشبابي وفي القضية الفلسطينية
أما عن الإخفاقات فيمكن تصنيفها وفق ما يلي:
- بالرغم من أن العمل السياسي ضمن تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي كان جماعيا فإننا لا بد أن نتحمل نصيبنا من المسؤولية في عدم تحويل هذه التنسيقية إلى قوة جماعية ضاغطة على السلطة تؤثر في ميزان القوة من أجل التحول الديمقراطي، وبالرغم من أننا بادرنا باسم الحركة إلى إحيائها مباشرة بعد اندلاع الحراك الشعبي ولم نجد تجاوبا من الشركاء فإنه من الواجب الإقرار بفشلنا جميعا كطبقة سياسية في تشكيل قيادة مشتركة للحراك الشعبي تمنع تفتيته ايديولوجيا ثم استيعابه من طرف السلطة كما تم فعلا. وكانت مبادرة ملتقى الحوار الوطني بعين البنيان أثناء الحراك مبادرة فاشلة أخرى. ولما أخذنا المبادرة وحدنا قبل الحراك عبر مشروع التوافق الوطني عجزنا على الاستشراف بأن الرئاسة لم تكن ضعيفة فقط، بل لم تصبح تزن شيئا فأضعنا وقتنا في الحوار معها و عرّضنا أنفسنا للمخاطر إذ كانت القوة متمركزة كلية لدى قيادة الأركان، وهي التي فرضت العهدة الخامسة. غير أن المحاولة التي قمنا بها إنما كانت عملا صالحا نرجو ثوابها من الله تعالى، أقمنا بها الحجة أمامه سبحانه و على الجميع، وسيبين التاريخ أن المبادرة التي قدمناها بكل صدق ومهنية هي الوحيدة التي كانت ستحقق الانتقال الديمقراطي ونهضة البلد لم تم اعتمادها ودعمها.
- – ويبدو من خلال التطورات الجارية في الحركة بعد المؤتمر الأخير بأن الإخفاق الكبير التي اتسم به الطور الخامس هو الإخفاق في تغيير القناعات لدى قيادات الحركة، وأن التوجه للمقاومة السياسية ضد الفساد والاستبداد خارجيا، وضد الانتهازية داخليا، الذي وقع بين المؤتمرين السادس والثامن كان أكثره ردة فعل لأحداث الربيع العربي ثم تجاوبا غير مُكلِف مع حالة الضعف التي عرفها النظام البوتفليقي والتأثر بالحراك الشعبي الذي أزاحه، وربما بالنسبة للبعض للمحافظة على المواقع، ولم يكن قناعة عميقة عامة تعين على التضحية إلى غاية تحقيق الهدف ولو طال الزمن، وهو أمر يتطلب تعمقا في الدراسة نعود إليه لاحقا. كما اتضح كذلك بأن القناعة بالتخصص الوظيفي بقيت سطحية والتراجع الفعلي عن مكتسباتها بات ممكنا وسهل المنال. وعليه يمكن لأي دارس محايد أن يقول بأن التحولات العميقة التي وقعت في هذا الطور بقيت تمثل رؤية شخصية لرئيس الحركة قد أخذت تتبدد فور مغادرته موقع القيادة، وقد عبر الشيخ أبو جرة عن ذلك بوضوح حين عبر عن سعادته في مجلس الشورى الأخير بعودة الحركة إلى نهجه الذي كانت عليه قبل عشر سنوات.
- وحينما نرى تراجع العمل الحزبي ومستوى الأنماط القيادية و زيادة شيوع الآفات السياسية وتحولها إلى خلق عام في الطبقة السياسية كالانتهازية السياسية والزبونية والتزلف واللؤم والغدر والتدليس والكذب والفجور في الخصومة وخلف الوعود ونقض العهود وتقديم النفعيين على أفاضل الناس، بشكل عام، علاوة على استمرار الفساد في مختلف مستويات المؤسسات الرسمية والمجتمعية ورسوخ السيطرة والتحكم وغلق هوامش الحريات أكثر من أي وقت مضى نقول بأن مساهماتنا في أخلقة العمل السياسي وتثمين جدوى العمل الحزبي في التغيير لم تحقق النتائج التي كانت أجيال من السياسيين الصادقين تضحي من أجلها، كما أننا لم نتوصل داخل الحركة إلى ترسيخ قيمة االثقة بالنفس والاستعلاء الإيمانيّ وقدرتنا على أن نكون قدوة و بديلا لغيرنا بأخلاقنا وفكرنا وبرامجنا وتاريخنا وحضورنا، رغم وجود هذه المعاني في الوثائق، ولم يصبح الانتقال الديمقراطي قناعة تتطلب التضحية والتعرض إليها وفق التحولات السننية، ولم تصبح رؤية السعي إلى الشراكة السياسية سوى اسماً مغلفا للعودة الى المشاركة السياسية التي تسببت في مختلف أعطاب الحركة.
تابع – المقال الرابع: التحليل والآفاق المستقبلية.
في ذكرى التأسيس: نحو طور جديد!
لقد كانت المرحلة الرابعة هي تلك التي دشنها المؤتمر الثالث الذي جاء بعد وفاة الشيخ محفوظ رحمه الله وحمل شعار “نحو طور جديد”، حُسم فيه الأمر لصالح التغيير حيث كان يُعتقد بأن الرأي الذي كان يتصاعد داخل الحركة ضد النهج السياسي الذي جعلنا نؤيد بوتفليقة رغم إقصاء مرشحنا عام 1999، وجعلنا نتراجع في الانتخابات التشريعية عام 2002 ، ونخسر كثيرا من وجودنا الدعوي وخصائصنا التربوية [وفق ما بينه ملتقى داخلي لا تزال وثائقه وخلاصاته بحوزتي] سيجد في القيادة الجديدة ما يجسد التغيير المنشود.
غير أن المؤتمر اتسم بتوتر شديد فُتح فيه المجال لطور الصراعات والانشقاقات، ولو لا حفظ الله لتحقق فينا قول الله تعالى: ” ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم”، فلم تصبح من أولوية لدى أغلبية مناضلي الحركة والعديد من قياداتها سوى حفظ الحركة من الاندثار، وقد كان للمؤسسات ضمن شعار المرحلة “من التأسيس إلى المؤسسة” الذي رفعه رئيس الحركة الشيخ أبو جرة سلطاني دور كبير في تمكين الحركة من الاستمرار رغم التصدعات الكبرى، كما كان لمحاولات إشغال الحركة عن الفتن والاحتقان الداخلي المتواصل بالعمل والإنجاز من خلال نشر ثقافة التخطيط ورفع مستوى مهارات المسؤولين المحليين، وإتاحة الفرصة لطبقات قيادية جديدة والزيارات المكوكية لرئيس وقيادات الحركة لمختلف الولايات دور كبير في صيانة الحركة من الجمود والترهل.
غير أن تجدد الصراع على رئاسة الحركة في المؤتمر الرابع عام 2008 أسس للانقسام وخروج جزء معتبر من القيادات والإطارات من الحركة، وتأسيس حزب جديد.
لم يكن في فترة الصراع المتواصل مجال لاستكمال التطوير الداخلي الذي تم الشروع فيه عبر خطط ورؤى ومجهودات واعدة، وتدريب أجيال من القادة المحليين على المهارات اللازمة للتطوير، بل توسعت الخلافات إلى المؤسسة الاجتماعية والشبابية والطلابية، وضُرب الحصار على الحركة في علاقاتها الدولية، بسبب تورط بعض الأفاضل في خلافاتنا من خارج البلاد، بطرق غير موفقة ولا حكيمة زادت في الشرخ القائم، وقد أصاب هؤلاء لاحقا ما أصابنا من الصراع والانشقاقات للأسف الشديد، والله نسأل أن يفك كرب المكروب منهم، وأن يرحم من توفاه الله، وأن يجمعنا جميعا في جنات النعيم.
ومن أخطر ما أصاب الحركة في ظل أزماتها المتتالية الغفلة عن التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الوطن، وعدم الانتباه إلى أن ثمة عصابة تتشكل داخل النظام السياسي، تعمل على تحويل مركز السلطة من العسكر إلى رجال الأعمال، وقد أدى الصراع الداخلي في الحركة إلى تنافس الطرفين على الاقتراب من السلطة الحاكمة للاستقواء بها، أو على الأقل تجنب عدم انحيازها للطرف الآخر، ومن الخطايا التي ألجأ إليها ذلك الصراع الداخلي والتي لم يغفرها الرأي العام إلى الآن مشاركة الطرفين في فتح العهدات للرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة واتفاقهما التلقائي على ذلك رغم اختلافهما الشديد، علما بأنه كانت ثمة أصوات داخل الحركة ترفض التورط في فتح العهدات ولكن لم يكن يسمع لها.
لا شك أن ثمة إيجابيات مهمة حققتها الحركة في طورها الرابع بعهدتيه وأهمها أنها حافظت على ذاتها ولم ينهها الخلاف كما كان يراد منه، حيث قيل آنذاك ب”أن ثلاثة أشهر ستكون كافية لسحب البساط من تحت أرجلها”، واسترجعت المبادرة السياسية بعودتها إلى مرتبتها الثالثة في الانتخابات التشريعية عام 2007 وحاولت ترقية الائتلاف الحكومي الذي كان في وقت الشيخ محفوظ إلى تحالف الرئاسي، كما حاولت جمع كلمة جزء من التيار الإسلامي سياسيا عبر تكتل الجزائر الخضراء عام 2012، بالرغم من أن مكسبها من ذلك التكتل لم يكن مرضيا على مستوى عدد النواب والانتشار في الولايات وتسبب لها في أزمات تنظيمية كبيرة، واستطاعت كذلك استرجاع مكانتها الدولية، خصوصا بعد المشاركة الفاعلة في أسطول الحرية الذي قال عنه رئيس الحركة السابق الشيخ أبو جرة سلطاني: “كنا نريد أن نشارك في أسطول الحرية لفك الحصار عن غزة فإذا به يفك الحصار عن حركة مجتمع السلم”، وبالفعل أخذت علاقاتنا الخارجية تتوسع بشكل مطرد بعد أسطول الحرية.
غير أن الخسائر على الخط الاستراتيجي كانت معتبرة من حيث الصراعات الكبيرة التي خرجت للعلن ووصلت إلى المحاكم في المؤسسة الاجتماعيّة وتراجع أداء هذه الأخيرة وتأثيرها، وكذلك تراجع قوة وتأثير المؤسسة الطلابية والخروج النهائي من القيادة في المؤسسة الشبابية، ومن ذلك ابتعاد طبقة قيادية واسعة من المؤسستين الأخيرتين عن الحركة وتحول العديد منهم إلى إطارات في المواقع الإدارية الرسمية. مع أن الحركة عملت في هذه المرحلة على استدراك الخسائر التي وقعت في هذه القطاعات من خلال تأسيس منظمتين شبابيتين استوعبتا عددا غير قليل من الشباب، وثبتت إحداهما إلى اليوم وأمدت الحركة والمجتمع برموز قيادية شبابية فاعلة في مستويات ومجالات عدة بحمد الله.
قامت الحركة بتقييم شامل للتحالف الرئاسي قدمه رئيس الحركة آنذاك في اجتماع رسمي بحضور عبد العزيز بلخادم وأويحيى أكد فيه أن لا بندا من بنود التحالف تم احترامه، واستمر التقييم داخل مؤسسات الحركة، وقد قُدمت ورقتان في ماي 2011 لمجلس الشورى الوطني، الأولى بينت خسائر الحركة بمشاركتها في الحكومة وورقة تؤكد على منافع المشاركة، وكان التوجه في المجلس جارفا ضد البقاء في التحالف، وتقرر على إثر ذلك فك الارتباط بالتحالف سياسيا والبقاء في الحكومة الى غاية معرفة مدى جدية السلطة في الإصلاحات التي وعد بها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على إثر الاحتجاجات الشعبية في الجزائر في جانفي 2011 وانتفاضات الربيع العربي، وفي الأخير قرر مجلس الشورى، ستة أشهر بعد قرار فك الارتباط مع التحالف الرئاسي، الخروج من الحكومة، وكان ذلك في جانفي 2012 بتصويت 134 عضوا مقابل 35 كانوا يريدون البقاء فيها. وأحدث هذا القرار رجة أخرى إذ قرر الوزير عمر غول وعدد من إطارات الحركة الانفصال وتأسيس حزب جديد، وبالرغم من أن هذا الانشقاق الثاني لم يؤثر كثيرا في هياكل الحركة فقد ألحق ضررا كبيرا بمعنويات المناضلين وسمعة الحركة.
لا شك أن احتجاجات الربيع العربي واحتجاجات جانفي 2011 في الجزائر كانت سببا رئيسيا في تغيير المزاج العام لمناضلي حركة مجتمع السلم إذ شعروا بأنهم في المكان الخطأ من التاريخ فسارعوا الى التصحيح والاستدراك ثم جاء المؤتمر الخامس في ماي 2013 فرسم هذا التوجه الجديد ودعا إلى نهج متجدد تحت عنوان ” وطن ينهض، حركة تتجدد” واختار القيادة المناسبة لهذا الطور الخامس الجديد.
يتبع: المرحلة الخامسة: وطن ينهض، حركة تتجدد.