إنّ استشهاد قائد كبير في حركة جهادية مقاوِمة مثل حركة المقاومة الإسلامية حماس أمر عادي فذلك هو مصير من رشّح نفسه لهذه المهمة النبيلة، وهذا الذي حدث في الثورة التحريرية الجزائرية، إذ أغلب القيادات الكبيرة اُستشهدت كمصطفى بن بولعيد، والعربي بن مهيدي، وعميروش وسي الحوّاس وغيرهم الكثير.
لقد فاز الشهيد إسماعيل هنيّة بأعظم منحة يتمناها مؤمن صادق، فهو حي يرزق عند ربه وفق قول الله تعالى في سورة آل عمران: ((وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ – 169)).
لا يؤثر قتل القادة الكبار في مسيرة الحركات المقاومة لتحرير بلدانها، بل يزيدها قوّة وتماسكا وانتشارا، فقد قُتل المؤسس والمسؤول الأول في حركة حماس الشيخ أحمد ياسين والعديد من قادة الصفّ الأوّل، فجعل ذلك الحركة هي مرجع الكفاح والنضال في الساحة الفلسطينية وفي العالم بأسره، وهي اليوم تُعجز الكيان الصهيوني وكل حلفائه إلى درجة التشكيك في إمكانية استمرار الكيان نفسه.
يعتبر اغتيال الشهيد أبي العبد هنيّة إعلان الكيان بأنّه يريد استمرار المواجهة فعلى المقاومة في فلسطين أن تأخذ علما بذلك وأن تستعد لجولة طويلة من الجهاد إلى غاية التحرير، وعلى الشعب الفلسطيني كله أن يأخذ علما بأنه لا يراد له أن يعيش بكرامة وأنه يراد معاقبته دون تمييز على كل محاولة لأخذ حقوقه، فالبارحة استشهد ياسر عرفات لأنه أراد بعض الحقوق عن طريق المفاوضات واليوم يستشهد إسماعيل هنية لأن حركته أرادت أخذ الحقوق عن طريق المقاومة، فالاستشهاد بكرامة على طريق الجهاد هو السبيل الأوحد الذي حررت به الشعوب بلدانها، فلا حل للشعب الفلسطيني إلاّ أن يتحد وراء المقاومة من أجل حريته وصناعة مجده كما فعلت شعوب أخرى، وكل تردد واِرتعاش أمام جبروت الاحتلال هو مزيد من الإذلال واِستمرار الاحتلال.
على الدولة الإيرانية أن تتحمل مسؤوليتها بالرد المناسب على هذه الجريمة التي وقعت على أرضها والشهيد اِستهدف وهو في ضيافتها، ويجب أن تستعد لمواجهة واسعة من الكيان، لأنه بات واضحا بأن ذلك ما يريده قادة الاحتلال من أجل التغطية على الهزيمة التاريخية النكرة التي حلت بهم في طوفان الأقصى.
على الأمة العربية والإسلامية بمختلف طوائفها أن تكون جاهزة للتحولات الكبيرة المتوقعة على إثر هذه الجريمة الشنعاء، وعلى الحكومات أن تكون في صف المقاومة بلا مواربة وأن لا تغرق أكثر في الخنوع والاستسلام للإرادة الأمريكية الصهيونية، فإنها في كل الأحوال لن تهنأ بسلطانها ما دامت فلسطين تحت الاحتلال، ومادام الكيان موجودا، وعلى النخب والشعوب أن تتحمل مسؤوليتها وأن لا تقبل بسقوف الخور والهوان الذي تفرضه الأنظمة ضمن هذه التحولات التاريخية العظيمة. إنّ طوفان الأقصى سيفصل في الأمة بين طائفتين، طائفة في المكان الصحيح من التاريخ مع المقاومة الفلسطينية، وطائفة في المكان الخاطئ من التاريخ يجتمع فيه من هم ضد المقاومة مع المثبطين ومع من لا يبالون بما حدث ومن يغرقون في حساباتهم الشخصية ومصالحهم الضيقة.
على أحرار العالم والقوى الدولية المدركة لخطورة الفوضى التي ترعاها أمريكا بإطلاق أيادي حليفها الصهيوني أن تنصرف لوقف هذا التدحرج المستمر نحو الهاوية والمواجهة الشاملة التي يريدها المجرم نِتِنْياهو لإنقاذ نفسه ويريدها تجار الحروب والمتخصصون في التحكم في العالم بواسطة الفوضى.
الأمين العام لمنتدى كوالالمبور للفكر والحضارة، الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم