هل الجزائر مع فلسطين؟ وإلى أي مدى؟ (1\3)

مقدمة قبل البدء:

إن التثمين والمدح للسلطات في الجزائر يضرب أطنابه، يسيطر على الفضائيات والمؤسسات الإعلامية وعبر الذباب الالكتروني وفي بيانات الأحزاب والمنظمات، فلا يجب على السلطات أن تقلق حينما تظهر أصوات معزولة داخل البلد،  وسط زخم المثمنين والمدّاحين، فهو صوت لا يكاد يُسمع بين هؤلاء، وفي كل الأحوال سيتولاه الذباب الالكتروني، وسيرد عليه بقسوة الطبّالون.

وخلافا لما يدّعيه الذين يحكمون على الغير “بالذي عليه أنفسهم” فلا يعملون عملا إلا بقصد المنفعة السياسية أو المادية فإن الله يعلم أن موقفنا لا نية فيه سوى محاولة أداء المهمة كاملة أمام الله وبعونه، ثم تسجيل الموقف للتاريخ لكي لا تقول الأجيال المستقبلية أن الجميع كان مقصرا في الضغط الحقيقي على النظام السياسي ليقوم بواجبه كاملا تجاه فلسطين.

وكذلك حينما تنجلي معارك طوفان الأقصى، يستطيع المرء أن ينظر إلى وجهه في المرآة فلا يشعر بالندم على ما فات مما كان يمكن القيام به.

الموضوع:

لقد كان موقف الجزائر تجاه القضية الفلسطينية  قبل طوفان الأقصى مشكورا ضمن ظروف خاصة نشرحها في الجزء الثاني من هذا المقال، ولكن بعد الطوفان لا يوجد شيء مميّز قدمته الجزائر إلى الآن للفلسطينيين في محنتهم الجارية على أرض غزة وكذا في الضفة الغربية، فلا الخطاب الرسمي بالنسبة لغيرها متقدم، ولا حديثا سمعناه من المسؤولين عن الإدانة الواضحة للولايات الأمريكية المتحدة عن تخطيطها ومشاركتها في الجريمة،  ولا الجسر الجوي الذي تم التصريح به سابقا ظهر أثناء أيام الهدنة، ولا سُمح للشعب الجزائري أن يُعبر عن غضبه من الصهاينة وحليفهم الأمريكي، وعن تضامنه مع إخوانه المظلومين، كغيره من الشعوب، ولا المواد العينية التي جمعها الهلال الأحمر وبعض الجمعيات وجدت طريقها لمن جُمعت لهم، ولا كان للجزائر دور دبلوماسي مؤثر واضح في حشد القوى الدولية لصالح أشقائنا المظلومين المقهورين، ولا حتى نقْل المرضى والجرحى إلى المستشفيات الجزائرية  قائم كما تفعل بعض الدول أخرى. ورغم ذلك ثمة في الأحزاب والشخصيات والإعلاميين والنواب من يكرر و يبالغ في التثمين والمدح والشكر للسلطة المتحكمة، ومن تجرأ من هؤلاء فقال بعد التثمين المكرر “ولكن” اعتُبر مقصرا ومتجاوزا لحدوده.

كما أن القول بأن مصر رفضت مرور المساعدات والمساهمات الجزائرية، قول لا يستر التقصير، فالمساعدات التي تعطلت مساعدات شعبية، والجسر الجوي إنما تضمنُه الدولة، وهل يعقل أن ترفض مصر الحمولات الإغاثية  الجزائرية  الرسمية، وأين هو إذن وزن دولتنا إن كان المنع المصري حقا؟ وأين هو جزاء الخدمة العظيمة التي قدمتها الجزائر بإرجاعها مصر إلى الاتحاد الافريقي بعد تعليق عضويتها على إثر الانقلاب العسكري الذي قام به ” الجنرال السيسي” على الرئيس الشرعي “الشهيد مرسي” ؟  مع أننا لم نسمع في حقيقة الأمر تصريحا رسميا بخصوص الرفض المصري للمساعدات الجزائرية لأهلنا في غزة.

ولا شك أن ما قامت به نقابتا القضاة والمحامين تحت عنوان “العدالة للشعب الفلسطيني” عمل مهم، في انتظار تجسيد مخرجاته، ولكن هذا جهد المقل، إذ مثل هذه الندوات نُظمت في العديد من الدول، ومنها الدول الغربية المتحالفة مع الكيان الصهيوني، إذ هي مبادرات تقوم بها  تحالفات منظمات حقوقية وقانونية كجهات مخولة في أي مكان في العالم وفق القانون الدولي بتقديم الشكوى لمحكمة الجنايات الدولية بخصوص جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، ولا تتحمل الدولة  التي تتشكل فيها أي تكلفة سياسية أو تبعات قانونية بخصوصها.

ومن أتعس ما سمعنا من أنواع البروباغندا التي بلغت الآفاق، والتي لا أدري من وراءها لإظهار “البطولة” الجزائرية بطرق ساذجة تجعل الأمم تضحك عنا ما يدور من أخبار مزيفة مخجلة في الوسائط الاجتماعية بأن طيارا جزائريا استطاع أن يخادع الجيش الإسرائيلي وينزل بطائرته المحملة بالبضائع في غزة – التي لا يوجد فيها أصلا مطار – وأن بوارجنا اعترضت في عرض البحر سفينة ألمانية محملة بالسلاح متجهة للكيان الصهيوني. لقد كان من المفروض أن يقبض على مروجي هذه الأكاذيب، والغريب في الأمر أن ثمة من المثقفين وأصحاب المكانة من حدثني يستفسر عن هذه الحوادث “العظيمة” التي لم تتحدث عنها وكالات الأنباء ولا سمعنا بها في القنوات الشائعة، والتي لا يقبلها العقل تماما.

وكم كان رد أحد المفكرين الفلسطينيين الكبار  ـ كنت في تواصل معه مؤخرا ـ مفحما لشخص من النخب الجزائرية الموالية للسلطة الجزائرية حين تحدث هذا الأخير بكثير من العُجب في مناسبة من المناسبات، عن “الدور المتقدم للدولة الجزائرية في دعم القضية الفلسطينية”، إذ قال له القائد الفلسطيني: قل لي بربك ماذا قدمت الجزائر لأهل غزة وللمقاومة؟ نحن لا نرى شيئا عمليا مميزا، يمكننا أن نشكر الجزائر على عدم انسياقها للتطبيع أما عن دعمها للفلسطينيين أثناء طوفان الأقصى فلا شيء مميز بالنظر لِما يتعرض له أشقاؤهم من ظلم عظيم وما تقوم به المقاومة من دور تاريخي لتحرير فلسطين  والأمة كلها. وبالفعل كلام مثل الذي تحدث به ذلك المتحمس الجزائري الواهم لا ينفع في مثل هذه الظروف، فهو إما سذاجة أو خداع.

ومن الخداع الذي ينشر كذلك: “أنتم لا تعرفون، هناك أشياء تقوم بها الجزائر  لا تعرفونها” وهذا لعمري جريمة لا تغتفر، كيف يحاول بعض من ليسو لا في العير ولا في النفير تغليط الناس لتخفيف الضغط على النظام السياسي، فقط ليدعموا توجههم المهادن للنظام السياسي، ألا يخشى هؤلاء الله تعالى.

نحن في اتصال مباشر بالعديد من المسؤولين الفلسطينيين، من داخل غزة نفسها، وهم ينادون بأعلى صوت : “أين الجزائر؟” وقبل يوم فقط كنت في اتصال مع أحد كبار المسؤولين من داخل غزة يتوسل أن تستقبل الجزائر بعض الجرحى والمرضى، وإلى حد الآن لا استجابة.

إن المعايير التي يُقيّم بها أداء الجزائر ليست المعايير التي تُحاسَب بها الدول العربية العميلة المطبّعة، ولكن معايير تقييم أداء بلدنا بخصوص دعم القضية الفلسطينية تتعلق بدولة قامت على أساس ثورة تحريرية كبرى وتضحيات جسيمة على نحو ما هي عليه القضية الفلسطينية اليوم.

إن الأمر الذي يحتاج إلى تثمين حقا بخصوص الجزائر هو عدم التطبيع مع الكيان الصهيوني، ولكن لقصة عدم التطبيع مسار طويل قد شرحته من قبل في بعض المداخلات وسأعود إليه في الجزء الثاني من هذا المقال بشيء من التركيز بحول الله.