ذكرى 11 ديسمبر: إرادة الشعب هي الحاسمة

جاء العسكريون الفرنسيون المسيطرون على الوضع في الجزائر المستعمرة بالجنرال ديغول لرئاسة دولتهم في ظل أزمة ماي 1958 لتثبيت فكرة “الجزائر الفرنسية” التي زعزعتها ضربات المجاهدين الجزائريين. استعمل ديغول ما لا يخطر على البال من القوة العسكرية الفتاكة بدعم مباشر من الحلف الأطلسي حتى كاد يوقف مسيرة الثورة النوفمبرية في الجبال. وحينما اشتد هول الحرب غير المتكافئة وألحق أضرارا جسيما في صفوق الثوار الميامين، تحركت الإرادة الشعبية الجماعية في 11 ديسمبر 1960 وخرج الشعب عن بكرة أبيه يعلن عبر اللافتات التي لا تزال صورها يحفظها أرشيف التاريخ ” الجزائر مسلمة”. عندها أدرك ديغول بأن القضية الجزائرية ليست قضية مجاهدين في الجبال تعدادهم بالآلاف، ولكنها قضية شعب بكامله تعداده بالملايين، وأن فرنسا مهما كانت قوتها، ومهما كانت قدرتها على إطفاء هذه الثورة أو تلك سيهزمها الشعب الجزائري الرافض لبقائها. وأن إصرار دعاة ” الجزائر الفرنسية” سيجعل فرنسا تدفع أثمانا باهضة تدمرها في فرنسا ذاتها وعلى المستوى الدولي. إن إصرار المجاهدين وتضحياتهم هي التي أوقدت جذوة الوعي لدى عموم الشعب الجزائري، ولكن الإرادة الجماعية الشاملة للجزائريين هي التي جعلت ديغول يفهم بأن الثورة المسلحة والمقاومة الشعبية لن تتوقفا حتى نيل الجزائريين استقلالهم، فقبل عندئذ الدخول في المفاوضات لتنظيم نهاية العهد الفرنسي في الجزائر.
وكذلك هو الحال في كل معركة نبيلة لتحقيق كرامة الإنسان ونيل استقلاله أو حقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية ضد الظلم والفساد والسيطرة والهيمنة. تبذل النخب ما تستطيع لتغيير الأوضاع وتصبر على ذلك مهما طال الزمن، عبر كر وفر لا يتوقفان، ولكن لن يحسم المعركة إلا الإرادة الجماعية السلمية للشعب … حينما تبين تلك الإرادة بشكل بين وواضح وحاسم، ويعبر عنها بالطرق الذكية العبقرية التي تقطع الطريق عن كل متربص يستغلها على غير مرادها، عندئذ سيفهم المسيطرون الظالمون بأنه عليهم أن يتغيروا أو يُغيروا … وسيحصل ذلك، وقتئذ، لا محال.
عبد الرزاق مقري.