رسالة لرؤساء وملوك العالم العربي

هذه رسالة وجهتها لرؤساء وملوك العالم العربي قبل انعقاد اجتماع الجامعة الأسبوع الماضي في الجزائر أحببت أن أنشرها للرأي العام..

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

السادة رؤساء وملوك الدول العربية الشقيقة.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

أهلا وسهلا بكم في بلدكم الجزائر، متمنيا لكم إقامة طيبة في بلد الشهداء بمناسبة ذكرى الفاتح من شهر نوفمبر شهر الجهاد والبطولات، سائلا الله تعالى أن تكلل أعمالكم في الدورة 31  للجامعة العربية بالنجاح بما يخدم بلداننا جميعا ويحقق مصالح شعوبنا.

السادة ملوك ورؤساء الدول العربية،

 يعيش العالم اليوم أحداثا كبرى على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية والعسكرية والأمنية تنبئ بأنه ستقع تحولات كبرى تغير وجه المعمورة، وبالرغم من الكوارث الكبرى التي تسببت فيها المنظومة الدولية الراهنة ضد الإنسان والطبيعة فإن ثمة هوامش تتاح بإمكانها أن تساهم في بروز عالم جديد متعدد الأقطاب أرحم بالعباد وبالكرة الأرضية التي نعيش فيها. وبالرغم من أن الإمكانات الكبرى الجغرافية والسكانية وعلى مستوى الموارد الكبرى التي تتمع بها الأمة العربية لم تستطع احتلال مكانة مرموقة مركزية بين الأمم تؤهلها لتكون قطبا من الأقطاب المشكلة لعالم الغد.

ورغم مؤاخذاتنا الكبيرة على أداء الجامعة العربية التي باتت تمثل رمزا من رموز خيبات الأمل التي تعيشها شعوبنا في العالم العربي فإننا في حركة مجتمع السلم نتمسك بها كإطار جامع للأوطان العربية وفرصة جاهزة لتصحيح الأداء وتحقيق الطموحات والأهداف التي تنص عليها مواثيقها لصالح الدول والشعوب.

وإنه لشرف لنا أن نستقبل أشقاءنا العرب في بلادنا، والشرف مضاعف أن يكون الاستقبال بمناسبة الفاتح من شهر نوفمبر ، ذكرى الثورة التحريرية المجيدة، التي حظيت بدعم كبير من  إخواننا في العالم العربي، ونصرة مشهودة  للمجاهدين  الجزائريين حتى تحقق لنا النصر على الاستعمار الفرنسي البغيض، وإننا لنتمنى التوفيق الكامل للدورة وأن تتوج بالنجاح البيّن،  وأن تكون دورة حاسمة في بعث حيوية هذا المجمع القومي المهم وتطويره، كما نشكر السلطات الجزائرية على المجهودات الكبيرة التي بذلتها وتبذلها في جمع البيت العربي واستضافة الاجتماع في الجزائر والتمهيد له بإنجاز مهم يتعلق بالمصالحة الفلسطينية.

السادة ملوك ورؤساء الدول العربية،

إن العالم العربي يحتل قلب العالم، وهو همزة الوصل بين كل القارات، وبه ممرات بحرية وبرية وجوية ومضايق وقنوات وموانئ  لا غنى عنها في حركة النقل لكل الشعوب،  ويصل تعداد سكانه 423 مليون نسمة، وله موارد بشرية وطبيعية ومقدرات سياحية وفلاحية وصناعية وثقافية وحيوانية ضخمة ومتكاملة تتجاوز مجتمعة مقدرات أغلب الأمم القوية في العالم.

غير أن الفاعلية في التسيير والفساد المستشري منع الدول العربية من الصعود كما هو حال دول أخرى صعدت هي أقل منها من حيث الإمكانيات والفرص، وبقيت دولنا للأسف الشديد  تعيش أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية وأمنية متعددة، يغرق كثير من شعوبها في صعوبة المعيشة والأمية والأزمات الغذائية والصحية والتعليمية والإسكانية وغيرها.   .

السادة ملوك ورؤساء الدول العربية،

إننا نود أن يكون اجتماعكم اليوم وثبة حقيقية للإقلاع وإن ذلك ضروري وممكن إذا انطلق العمل المشترك على رؤية جديدة وعمل جاد ودؤوب وفق ما ننصح به على النحو التالي:

أولا – يمكن بدأ الإصلاحات بتطوير المنظومة الفكرية والهيكلية للجامعة نفسها بما يجعلها أكثر تمثيلا للشعوب وأكثر مرونة في معالجة المشكلات وأسرع في اتخاذ القرارات وأوسع مدى في مشاركة الأطراف وأكثر إنصافا في تحمل المسؤوليات، على أن تكون الرؤية العامة المستقبلية هو تحقيق الوحدة العربية ضمن النظريات الوظيفية والتكاملية في العلاقات الدولية.

ثانيا – ومن أبرز  مقاصد هذه النظريات  هو تشجيع تبادل المنافع البسيطة وتفضيل الاستثمار العربي مرورا بالسوق المشتركة لاحقا وفتح الحدود،  وصولا  إلى العملة الموحدة ثم إنجاز الوحدة التي تُحفظ فيها سيادة كل دولة في إطار الموقف الخارجي الموحد والدفاع المشترك والمؤسسات البرلمانية العربية المنتخبة انتخابا مباشرا،  والمؤسسات التنفيذية المركزية العربية.

– ثالثا – إن ضمان تطور أداء الجامعة العربية والسير قُدما نحو إنجاز حلم الوحدة العربية هو صيانة السيادة العربية في المؤسسات الرسمية والشعبية  وتجنب التبعية للقوى الأجنبية ونبذ وتجريم الاستعانة بالأجنبي ضد الأشقاء، وعدم تدخل الأشقاء العرب في شؤون بعضهم بعضا لإلغاء الإرادة الشعبية، أو إضعاف وإرباك الحكومات أو استغلال الخيرات خارج إطار الاتفاقيات الشفافة والعادلة.  ثم التوجه معا إلى العالم خصوصا نحو عالمنا الإسلامي الفسيح وأشقائنا في الدين الذين يحقق محورنا المشترك معهم أقوى المحاور في العالم للأسباب الحضارية والسكانية والجغرافية والطبيعية التي يزخر بها، والتوجه معا نحو إفريقيا – بدل التنافس والتصارع في أرجائها – هذه القارة الكنز  التي تتنافس عليها اليوم الأمم ونحن الأقرب إليها تاريخيا وجغرافيا واجتماعيا ومن حيث المصالح.

رابعا – إن تحقيق هذا الحلم لا يمكن أن يتم دون حل الخلافات البينية والجماعية وتحريم المقاطعة وقطع العلاقات وغلق الحدود مهما كان حجم المشاكل، والسعي الحثيث والصادق والدائم لفك النزاعات بالحوار والوساطات العربية، وفي حالة استعصاء أي مشكلة يتم تجاوزها وعدم إلغاء كل أوجه التعاون الأخرى بسببها، واستعمال الوسائل العصرية لمتابعة حل تلك المشكلات المستعصية، والاستفادة من أبعادنا الروحية التي تحث على إصلاح ذات البين والأخوة الإسلامية.

خامسا – ولا يمكن تصور قيام وحدة عربية دون الموقف الموحد من القضية الفلسطينية والوقوف المشترك ضد الاحتلال الصهيوني وتجريم التطبيع ودعم المقاومة  وعدم الضغط على الفلسطينيين بغرض توريطهم مرة أخرى في المسار التفاوضي العقيم والتسويات المهلكة لأرضهم وشعبهم وللمقدسات وحق العودة،  فلا مستقبل لدولة الكيان الصهيوني؟  والقضية الرابحة مستقبلا هي قضيتنا المركزية وهي القضية الجامعة لكل الشعوب العربية والإسلامية.

سادسا  – ومما يجعل الروح تسري في الجامعة العربية فيُقرب الأشقاء لبعضهم بعضا هو إعلاء البعد الحضاري الإسلامي المشترك، فحضارتنا حضارة عالمية علمت الغرب ونقلت لحضارتهم علوم وحكمة الأمم السابقة، فكيف لا تكون لنا ملهمة للنهوض من جديد لا سيما وأن كل الحضارات تتنافس في إظهار تميزها الحضاري ولا تقبل غريبا عنها يكون في بلدانها إذا أراد المحافظة على انتمائه  – كما هي بالخصوص الحضارية الغربية –

لا شك أننا سننفع أنفسنا بديننا الإسلامي القويم لما يتضمنه من أبعاد روحية مهذِّبة وقيم إنسانية هادية وأفكار تجديدية لا تزال رائدة في مختلف المجالات الاقتصادية والقانونية والسياسية وغيرها. ويمكننا أن نفيد البشرية بحضارتنا التي تحفز على التعارف والتعايش بين الشعوب والقبائل وتنهى عن الظلم والعدوان مطلقا.

سابعا –  كما أن في تنوعنا الطبيعي والثقافي وفي طبيعة الموارد البشرية في العالم العربي الفسيح ثروة عظيمة يمكنها أن تجعل في التبادل السياحي والأدبي والفني والعلمي  والرياضي بهجة للشعوب تحبب أوطاننا العربية لنا وتشدد أواصر  الأخوة بيننا وترفع من أداء أبطالنا ومبدعينا وعلمائنا ومؤسساتنا المدنية ذات الاختصاص، لنذهب بعد ذلك معا للالتقاء الإنساني في مختلف المجالات متعاونين متآزرين وبما يجعل بلداننا قبلة سياحية واسعة متكاملة  للتمتع بخصائصها الطبيعية الخلابة،  والاستفادة الحضارية البديعة من حكمتها وعراقتها، والتبادل الاقتصادي الثقافي النافع للجميع.

وفي الأخير تقبلوا مني، السادة رؤساء وملوك الدول العربية أسمى عبارات الترحيب والتقدير .

د. عبد الرزاق مقري

رئيس حركة مجتمع السلم – الجزائر –

الجزائر يوم 30 أكتوبر 2022م

الموافق ل: 04 ربيع الآخر 1444هـ