“الفكرة دينية” عبارة شهيرة للفيلسوف الجزائري الكبير مالك بن نبي استعملها في بعض كتبه وبشكل أساسي في كتاب ” شروط النهضة” أثناء شرحه سبل التوصل إلى الاستئناف الحضاري للمسلمين بعد حالة الخمول والتقهقر والتخلف التي هم عليها منذ قرون، معتبرا أن لا انبعاث للحضارة إلا على أساس ديني، مستأنسا في قناعته بدراسة التاريخ ومؤكدا ما ذهب إليه غيره قبله من الفلاسفة وعلماء العلوم التاريخية والاجتماعية الكبار الذين أجمعوا أن نشأة كل الحضارات التي عرفتها البشرية إنما أساسها الدين.
حينما يتطرق المؤرخون إلى الحضارة التي عرفها المسلمون يسمونها الحضارة الإسلامية نسبة إلى دينهم. وذلك هو فعلا ما سجله التاريخ إذ بزغت الفكرة المنشئة للحضارة في غار حراء ببداية نزول القرآن الكريم، وبعد أن صارت الفكرة حالة اجتماعية في جزيرة العرب بحثت لها عن أرض تقيم فيها دولتها فكانت يثرب هي المأوى، وكان يوم الهجرة الذي نعيش ذكراه هو منطلق تأسيس الدولة ثم صار تاريخ المسلمين كله يُؤقّت وفق هذا اليوم العظيم، وكان ذلك اليوم هو أول يوم لنهضة العرب بكيان سياسي جديد ذي رؤية عالمية صنعت حضارة إنسانية اندمجت فيها وساهمت في قيادتها أعراق كثيرة عبر قرون طويلة من الزمن.
تعودت أن أكتب في كل عام مقالا بمناسبة ذكرى هجرة المصطفى صلى عليه وسلم من مكة إلى مدينة أُبرِز فيه كل مرة ملمحا جديدا من ملامح ذلك اليوم العظيم، وقد اخترت هذه السنة أن أتحدث عن البعد الديني في صناعة الحضارة الإسلامية انطلاقا من يومِط قيام دولة المسلمين في يثرب بعد الهجرة، ولعلني أضيف بعض البَيّنات التي تؤكد دور الدين في قيام الحضارة، ولأضع، في مقابل ذلك، الفكرة العلمانية في حيزها التاريخي الأوربي ضمن مسار قيام وسقوط الحضارات.
إن الهجرة النبوية الشريفة هي الدليل القاطع على مركزية الدين في بناء الدولة ونهضة العرب ونشأة الحضارة الإسلامية وشذوذ ما يُنكِر ذلك من الأفكار في عالم السياسة، فرسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي أمرنا الله أن نتأسى به وأن يكون قدوتنا وفق قوله سبحانه وتعالى: (( ولكم في رسول الله أسوة حسنة))، تصرف عند وصوله المدينة كرجل سياسي يبني دولة حديثة بإعلانه “وثيقة المدينة” التي تُعد وثيقة دستورية كاملة الأركان بالمصطلح العصري، حددت الحقوق ومعنى المواطنة لسكان دولته الحديثة، من كان منهم مسلما ومن كان على غير عقيدة الإسلام، ومن خلال تحديد بناء المسجد كمقر لحكومته، وبواسطة إرساء مفهوم الأخوة كوشيجة أساسية بين السكان جميعا، وكذلك من خلال تدشين سوق جديدة بديلة عن السوق التقليدية التي يسيطر عليها اليهود وفق رؤية اقتصادية حديثة للدولة الناشئة.
لقد كانت الهجرة النبوية هي الخطوة التاريخية التي انتقلت فيها الفكرة الدينية الإسلامية من التَّمثُل بها لدى الأشخاص المؤمنين بها والمناصرين لها، ومن الحالة الاجتماعية التي صارت إليها في مكة ثم في المدينة إلى الكيان السياسي الذي حوّلها إلى قوانين وإجراءات ومسؤوليات، وعلاقات سلم وحرب ومعاهدات، وَحَّدت سكان الجزيرة العربية وصنعت لهم مصيرا جديدا ، ثم اتجهت في حياته عليه الصلاة والسلام إلى خارح الجزيرة لتعلن عن عالميتها ورؤيتها الخارجية المستقبلية من خلال الرسائل الموجهة إلى ملوك الدنيا في ذلك الوقت (ملوك الحبشة والبحرين وعمان واليمن ومصر والروم واليمامة والغساسنة وفارس) و من خلال الألوية التي عقدها (مؤتة وتبوك وبعث أسامة) لصد الاعتداءات التي بدأتها جيوش الروم، الأمة الأقوى حينئذ المتهَيِّبة من الأمة الإسلامية الصاعدة.
بعد وفاة المصطفى عليه الصلاة والسلام انشغل المسلمون بحروب الردة فكانت تلك الحروب الأهلية مناورات عسكرية شاملة بحق، بالذخيرة الحية كما يُقال اليوم، تشكلت من خلالها جيوش المسلمين التي باشرت الفتوحات الإسلامية في كل أنحاء العالم القديم ابتداء بقضائها المبكر على الدولة المتداعية في فارس في عهد الفاروق رضي الله عنه، والانخراط في المواجهة الطويلة مع الامبراطورية الرومانية البيزنطية إلى أن أسقط محمد الفاتح عاصمتها القسطنطينية في القرن الخامس عشر.
لقد كانت الفكرة الدينية التي بزغت في غار حراء بمكة وأقامت الدولة في المدينة هي الروح الدافعة لتلك الفتوحات، وهي المُنشئة للنهضة العلمية التي جعلت المسلمين يهتمون بالإبداعات الحضارية للأمم السابقة في البلاد التي فتحتها واحتكت بها، فترجموا علومها وزرعوا فيها الروح الدينية وأخضعوا معارفها للمقاصد الشرعية الإسلامية وزادوا عليها ابداعاتهم وابتكاراتهم في مختلف الفنون والعلوم عبر الصروح الجامعية التي يدرس فيها الطلبة من مختلف الأجناس والأعراق بلسان عربي مبين فأهدوا للبشرية أسمى حضارة إنسانية عرفها التاريخ وأكثرها رحمة بالخلق ومن أطولها استغراقا في الزمن.
لقد كان يوم الهجرة هو اللبنة الأولى لصرح الحضارة الإسلامية والأساس الأول للمنظومة القيمية للدولة الإسلامية، ثم اكتملت صياغة النموذج السياسي والاجتماعي في عهد الراشدين، ثم انطلقت الثورة الحضارية العلمية في زمن الأمويين ووصلت إلى ألَقِها في العهد الذهبي في زمن العباسيين في القرن التاسع الميلادي، ثم تحقق فيها ما قضاه الله في الناس من سنة التداول وفق قوله تعالى ((وتلك الأيام نداولها بين الناس)) فكان سقوط بغداد على يد المغول في منتصف القرن الثالث عشر أمارة الانحدار نحو الأفول إلى أن انطفأت الحضارة الإسلامية في حدود القرنين الخامس عشر والسادس عشر تزامنا مع عصر امبراطوريات البارود الإسلامية ( الدولة العثمانية، الدولة الصفوية، دولة مغول الهند) التي استطاعت واحدة منها، وهي الدولة العثمانية، أن تفتك اعتراف علماء الأمة بأنها هي الأجدر بأخذ لقب الخلافة الإسلامية في عهد سليم الأول بعد إنهائه دولة المماليك، الراعية للخلافة العباسية الصورية. وكان العثمانيون هم الأجدر بذلك حقا إذ على أيديهم تحققت نبوة فتح القسطنطينية ومن خلالهم استمرت الفتوحات في اتجاه الغرب المسيحي الذي لم يتوقف عن التحرش بالمسلمين منذ معارك مؤتة وتبوك وبعث أسامة في بداية القرن السابع الميلادي التي كان سببها تحرشات الروم بالمسلمين للقضاء على الدين الجديد قبل استفحال أمره – كما زعموا – وفق ما تذكره كتب السير والتاريخ.
لقد عظُم شأن الأتراك كحاملي لواء الإسلام قرابة ستة قرون، من أول القرن الثالث عشر إلى بدايات القرن العشرين، غير أن تميزهم انحصر في الجوانب القانونية والإدارية والعسكرية ولم يسهموا كثيرا في الجوانب الحضارية العلمية، فكان حالهم كحال الامبراطورية الرومانية إذ دامت بالقوة الإدارية والعسكرية وكانت في الجوانب العلمية والفلسفية عالة على الحضارة الإغريقية. بلغ أوج القوة العسكرية للأتراك عند فتح القسطنطينية سنة 1453م وبدأت في التراجع بعد فشل حصار فيينا سنة 1683م، وفي تلك الفترة كان يظهر للمطّلع على الأحداث التاريخية دو تأمل أن ثمة تماثلا في القوة بين العثمانيين وملوك أوربا، غير أن المتمعّن في وقائع التاريخ يدرك أن المسلمين بقيادة الأتراك كانوا في زمن الأفول الحضاري وكان الأوروبيون في مرحلة النهضة الحضارية. كما أن المسلمين في زمن سقوطهم كانوا يبتعدون عن دينهم وكان الأوربيون في زمن نهوضهم، يجددون تمسكهم بدينهم كما سنبينه لاحقا.
سقطت الدولة الإسلامية في بداية القرن العشرين عند إلغاء الخلافة الإسلامية العثمانية سنة 1924 بعد أن أفَلت الحضارةُ الإسلامية أربعة قرون من قبل. وقد كانت الفكرة الدينية هي صانعة الحضارة في الأمة الإسلامية في منشئها المشحون بالقيم والقوة الروحية في الدولة والمجتمع في عهد النبوة والخلافة الراشدة، وحين غلبت العصبية العشائرية مرجعية الشورى الشرعية في الحكم، وصار الحكم لمن غلب منذ عهد الأمويين، ظلت الفكرة الدينية متجذرة في المجتمع، تتحصن بالعلماء العاملين المجاهدين الذين وإن كانوا قد أفتوا بشرعية الحاكم المتغلب تجنبا لاستمرار الفتنة بين المسلمين قد قادوا المجتمع لمنع السلطان من أن يفارق القرآن عبر شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فأنتج تاريخ المسلمين حكاما صالحين مصلحين وحكاما فاسدين فرض عليهم الجو الإسلامي الغالب بين الناس الالتزام بأحكام الإسلام في السياسة والحكم بشكل عام، كما قاد علماء الدين النهضة الإسلامية بأنفسهم ببعث حركة الأوقاف التي أطّرت الثورة العلمية الإسلامية ومنحتها استقلاليتها من الناحية المادية واتجاهاتها العلمية بتأسيس الجامعات والإنفاق على الطلبة والأساتذة وأدوات التعليم، وببروز العلماء الموسوعيين في الشريعة والطب والفلك والرياضيات والكيمياء والفيزياء وغير ذلك من العلوم، فبقي الوحي والعقل مجتمعان يضمنان استمرار الحضارة في كل مجالاتها، إلى أن انغمس المجتمع الإسلامي ذاته في الشهوات وأصابه الخمول وتسربت إليه اتجاهات القدرية والقبورية فلم يصبح للحكم الإسلامي حاضنة اجتماعية خالصة، تسنده أو تحرصه أو تردعه، فدالت الأيام على دولة الإسلام فسقطت بتآمر اليهود والنصارى، وتحالف النفاق والعمالة والجهالة من المسلمين، وحل محلها الدولة العلمانية التي ربطت مصيرها بقوى الاستعمار فاستدام التخلف وطال أمده.
إن المتمعن في تاريخ الحضارة الإسلامية يلحظ تطورها بين النهوض والفتور والسقوط بقدر قربها أو بعدها عن الدين. كما أن الشعوب التي احتوتها الحضارة الإسلامية من عرب وعجم لم يكن لمجملها في يوم من الأيام شأن في التاريخ بغير الإسلام، خصوصا الشعوب العربية والتركية التي تداولت الخلافة الإسلامية العالمية.
لم تشمل الحضارة الإسلامية دولة واحدة، بل تعاقبت عليها دول كثيرة من عرب وعجم، وقد خضعت كل تلك الدول إلى نظرية التداول التي أبدعها ابن خلدون حين حدد مراحلها الخمس وأجيالها الثلاثة، وكان الجيل الأول بعد النبوة يُخضعُ مطلبَ العصبية، الضرورية لاستقرار الدولة الناشئة، للفكرة الدينية المنشئة للحضارة الخالدة، فكان الجيل الأول – مؤسس الدولة – على نحو ما قاله ابن خلدون جيل البداوة والبسالة والشجاعة والتقشف والاكتفاء بالضروري من العيش في أحوالهم، يشتركون جميعا في المجد، لم يغرهم ما بُسط لهم من ملك وعز ورفاه عبر الفتوحات التي أطلقوها، يتمسكون بالفكرة الدينية ويمثلونها أحسن تمثيل، ثم جاء مَن بعدهم فانتقلوا بالدولة إلى الحضارة وإحكام الصنائع والإبداع في العلوم باسم الدين فكانت لهم في البداية قوة وازدهار وهيبة ثم جاء من انشغل بالتفنن بملذات الحضارة والانشغال بمنتجاتها بدل الزيادة فيها فبلغ الترف فيهم غايته فنسوا تضحيات جيل التأسيس وظنوا أن النعيم مخصوص لهم من السماء ففسدت أخلاقهم وطباعهم وانسلخوا عن هدي دينهم وانقلب التناصر بينهم إلى تنافر وتترسوا بالجند والعسكر، لا ليزيدوا في الفتح والملك ولا ليقهروا به طالب ملكهم من الخارج، ولكن ليتصدوا إلى بني قومهم ممن لم يعجبهم حال أمرائهم، ثم استعانوا بالموالي ثم بأطراف خارجية على بعضهم بعضا فكانت النهاية. ولعل مما ساهم في إطالة حضارة الإسلام ودوام سلطانه تداول العصبيات والأعراق على الحكم باسم الإسلام وفق نظرية التداول الخلدونية، فكانت كل دولة حديثة تجدد أمر الأمة وتحمل على عاتقها عز الإسلام ومجده وتُوسِّع جغرافية الإسلام وتزيد في عدد معتنقيه وحجم موارده وخيراته ثم تشيخ وتُهزم وتسقط داخل إطار الأمة، وكان كل قادة دولة حديثة يبررون طلب الملك لإزالة الظلم والفساد وحين يُمَكَّنون يحاولون فعل أحسن مما فعل من قبلهم حتى كانت النهاية في آخر عهد الدولة العثمانية بكثرة الخَبث في الداخل والتنكر التام للدين من فئات من المسلمين وبتصاعد قوة الأمم الغربية الصاعدة الساعية لإزالة حكم الإسلام واستعمار بلاده، وحينما جاء الرجل الصالح عبد الحميد الثاني للحكم كان سهم الانحدار قد بلغ القاع فلم يكن تحويل اتجاهه نحو الأعلى ممكنا.
ولو ننظر إلى أمر الحضارة الإسلامية بشكل أوسع بغض النظر عن الدول التي تداولت فيها لفهمنا علاقة الدين بنهوضها وسقوطها وفق البيان الذي رسمه مالك بن نبي عن تداول الحضارات في كتابه “شروط النهضة ” حيث يعتبر أن المرحلة الأولى في كل حضارة هي مرحلة الروح التي تضمن نشأتها، ثم تعقبُها مرحلة العقل التي تصنع منتجاتِها، ثم تليها مرحلة الغريزة التي تتسبب في نهايتها.
يضع مالك لشروط النهضة ثلاثة عناصر: التراب ( ويقصد بها الإمكانيات المادية الطبيعية) والوقت والإنسان، ولكن لكي تتفاعل هذه العناصر الثلاثة بشكل إيجابي ولكي تكون مؤهلة لصناعة النهضة يجب أن توفر مركبٌ (catalyseur) أساسي يتدخال بينها وهو مركب “الفكرة الدينية”. ويعتبر مالك بن نبي أن الفكرة الدينية عملت عملها في أجواء المدينة بعد الهجرة النبوية الشريفة، ولكن تغير حالها بعد ذلك في أجواء معركة صفين التي نقلت الأمة من الخلافة الراشدة إلى الملك العضوض ثم كانت نهاية الحضارة الإسلامية مع إنسان ما بعد الموحدين حيث انتشر الخمول والعجز في الثلث الأخير من القرن الثالث عشر.
يؤكد فطاحلة علم التاريخ والاجتماع و تداول الحضارت ، ابتداء من ابن خلدون – مؤسسه الأول – الذي يقول :” أن الدعوة الدينية تزيد الدولة في أصلها قوة على قوة العصبية التي كانت لها من عددها” إلى علمائه الكبار وفلاسفته المشهورين، أمثال توينبي الذي يعتبر أن : التفسير النهائي للتاريخ تفسير ديني في جوهره” والمؤرخ الفرنسي فرانسوا جيزو والفيلسوف كسرلنج الذي يعتبر “أن الروح المسيحية ومبدأها الأخلاقي هما القاعدتان اللتان شيدت عليهما أوربا سيادتها التاريخية” ، إلى فيلسوف الأمة مالك بن نبي صاحب نظرية ” مركب الفكرة الدينية” أنه لا نشوء للحضارات بغير الباعث الديني. ويمكننا أن نضيف فنقول أن تأثير الدين في الحضارات بعد نشوئها من حيث عدلها ونفعها للإنسان ومن حيث طول وجودها مرتبط بصحة الفكرة الدينية ذاتها. فلما كانت الفكرة الدينية الإسلامية مصدرها الوحي الصحيح المحفوظ من التحريف استطاعت أن تصنع حضارة إنسانية عالمية أدمجت كل الأعراق والأجناس في قيادتها منذ لحظتها الأولى، وحين نُقلت إلى الناس عبر الفتوحات والدعاة تركتهم أحرارا في اعتناقها، وكانت الفكرة الإسلامية هي الدافعة للتفكر في النفس وفي ملكوت السماوات والأرض، وهي التي جعلت العلم والتعلم من أزكى العبادات كما جعلت التعلم طريقا للإيمان. ولهذه الدوافع الإيمانية لم يستقل العلم عن الإيمان في الإسلام أبدا، ولم يجاف العقلُ الوحيَ مطلقا، بل على العكس من ذلك توقف العطاء العلمي وفتُرت الحضارة حين ضعُف الإيمان وانغمس المجتمع في الملذات. وحين حوربت الفكرة الدينية في الدولة غرقت الأمة كلها في التخلف.
قد يجادل البعضُ بأن الحضارة الغربية نشأت على غير دين وأنها إنما لمعت حين انفصلت عن الدين من خلال الفكرة العلمانية، وهذا تفكير خاطئ يخالف حقائق التاريخ التي تؤكد بأن الحضارة الغربية نشأت على أساس الديانة المسيحية، وأن الانفصام النكد بين العلم والإيمان، وبين السياسة والدين، طرأ لاحقا في وقت مبكر بسبب انحراف الفكرة الدينية المسيحية وهذا الذي سنبينه في المقال المقبل بحول الله.
“الفكرة دينية” عبارة شهيرة للفيلسوف الجزائري الكبير مالك بن نبي استعملها في بعض كتبه وبشكل أساسي في كتاب ” شروط النهضة” أثناء شرحه سبل التوصل إلى الاستئناف الحضاري للمسلمين بعد حالة الخمول والتقهقر والتخلف التي هم عليها منذ قرون، معتبرا أن لا انبعاث للحضارة إلا على أساس ديني، مستأنسا في قناعته بدراسة التاريخ ومؤكدا ما ذهب إليه غيره قبله من الفلاسفة وعلماء العلوم التاريخية والاجتماعية الكبار الذين أجمعوا أن نشأة كل الحضارات التي عرفتها البشرية إنما أساسها الدين.
حينما يتطرق المؤرخون إلى الحضارة التي عرفها المسلمون يسمونها الحضارة الإسلامية نسبة إلى دينهم. وذلك هو فعلا ما سجله التاريخ إذ بزغت الفكرة المنشئة للحضارة في غار حراء ببداية نزول القرآن الكريم، وبعد أن صارت الفكرة حالة اجتماعية في جزيرة العرب بحثت لها عن أرض تقيم فيها دولتها فكانت يثرب هي المأوى، وكان يوم الهجرة الذي نعيش ذكراه هو منطلق تأسيس الدولة ثم صار تاريخ المسلمين كله يُؤقّت وفق هذا اليوم العظيم، وكان ذلك اليوم هو أول يوم لنهضة العرب بكيان سياسي جديد ذي رؤية عالمية صنعت حضارة إنسانية اندمجت فيها وساهمت في قيادتها أعراق كثيرة عبر قرون طويلة من الزمن.
تعودت أن أكتب في كل عام مقالا بمناسبة ذكرى هجرة المصطفى صلى عليه وسلم من مكة إلى مدينة أُبرِز فيه كل مرة ملمحا جديدا من ملامح ذلك اليوم العظيم، وقد اخترت هذه السنة أن أتحدث عن البعد الديني في صناعة الحضارة الإسلامية انطلاقا من يومِط قيام دولة المسلمين في يثرب بعد الهجرة، ولعلني أضيف بعض البَيّنات التي تؤكد دور الدين في قيام الحضارة، ولأضع، في مقابل ذلك، الفكرة العلمانية في حيزها التاريخي الأوربي ضمن مسار قيام وسقوط الحضارات.
إن الهجرة النبوية الشريفة هي الدليل القاطع على مركزية الدين في بناء الدولة ونهضة العرب ونشأة الحضارة الإسلامية وشذوذ ما يُنكِر ذلك من الأفكار في عالم السياسة، فرسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي أمرنا الله أن نتأسى به وأن يكون قدوتنا وفق قوله سبحانه وتعالى: (( ولكم في رسول الله أسوة حسنة))، تصرف عند وصوله المدينة كرجل سياسي يبني دولة حديثة بإعلانه “وثيقة المدينة” التي تُعد وثيقة دستورية كاملة الأركان بالمصطلح العصري، حددت الحقوق ومعنى المواطنة لسكان دولته الحديثة، من كان منهم مسلما ومن كان على غير عقيدة الإسلام، ومن خلال تحديد بناء المسجد كمقر لحكومته، وبواسطة إرساء مفهوم الأخوة كوشيجة أساسية بين السكان جميعا، وكذلك من خلال تدشين سوق جديدة بديلة عن السوق التقليدية التي يسيطر عليها اليهود وفق رؤية اقتصادية حديثة للدولة الناشئة.
لقد كانت الهجرة النبوية هي الخطوة التاريخية التي انتقلت فيها الفكرة الدينية الإسلامية من التَّمثُل بها لدى الأشخاص المؤمنين بها والمناصرين لها، ومن الحالة الاجتماعية التي صارت إليها في مكة ثم في المدينة إلى الكيان السياسي الذي حوّلها إلى قوانين وإجراءات ومسؤوليات، وعلاقات سلم وحرب ومعاهدات، وَحَّدت سكان الجزيرة العربية وصنعت لهم مصيرا جديدا ، ثم اتجهت في حياته عليه الصلاة والسلام إلى خارح الجزيرة لتعلن عن عالميتها ورؤيتها الخارجية المستقبلية من خلال الرسائل الموجهة إلى ملوك الدنيا في ذلك الوقت (ملوك الحبشة والبحرين وعمان واليمن ومصر والروم واليمامة والغساسنة وفارس) و من خلال الألوية التي عقدها (مؤتة وتبوك وبعث أسامة) لصد الاعتداءات التي بدأتها جيوش الروم، الأمة الأقوى حينئذ المتهَيِّبة من الأمة الإسلامية الصاعدة.
بعد وفاة المصطفى عليه الصلاة والسلام انشغل المسلمون بحروب الردة فكانت تلك الحروب الأهلية مناورات عسكرية شاملة بحق، بالذخيرة الحية كما يُقال اليوم، تشكلت من خلالها جيوش المسلمين التي باشرت الفتوحات الإسلامية في كل أنحاء العالم القديم ابتداء بقضائها المبكر على الدولة المتداعية في فارس في عهد الفاروق رضي الله عنه، والانخراط في المواجهة الطويلة مع الامبراطورية الرومانية البيزنطية إلى أن أسقط محمد الفاتح عاصمتها القسطنطينية في القرن الخامس عشر.
لقد كانت الفكرة الدينية التي بزغت في غار حراء بمكة وأقامت الدولة في المدينة هي الروح الدافعة لتلك الفتوحات، وهي المُنشئة للنهضة العلمية التي جعلت المسلمين يهتمون بالإبداعات الحضارية للأمم السابقة في البلاد التي فتحتها واحتكت بها، فترجموا علومها وزرعوا فيها الروح الدينية وأخضعوا معارفها للمقاصد الشرعية الإسلامية وزادوا عليها ابداعاتهم وابتكاراتهم في مختلف الفنون والعلوم عبر الصروح الجامعية التي يدرس فيها الطلبة من مختلف الأجناس والأعراق بلسان عربي مبين فأهدوا للبشرية أسمى حضارة إنسانية عرفها التاريخ وأكثرها رحمة بالخلق ومن أطولها استغراقا في الزمن.
لقد كان يوم الهجرة هو اللبنة الأولى لصرح الحضارة الإسلامية والأساس الأول للمنظومة القيمية للدولة الإسلامية، ثم اكتملت صياغة النموذج السياسي والاجتماعي في عهد الراشدين، ثم انطلقت الثورة الحضارية العلمية في زمن الأمويين ووصلت إلى ألَقِها في العهد الذهبي في زمن العباسيين في القرن التاسع الميلادي، ثم تحقق فيها ما قضاه الله في الناس من سنة التداول وفق قوله تعالى ((وتلك الأيام نداولها بين الناس)) فكان سقوط بغداد على يد المغول في منتصف القرن الثالث عشر أمارة الانحدار نحو الأفول إلى أن انطفأت الحضارة الإسلامية في حدود القرنين الخامس عشر والسادس عشر تزامنا مع عصر امبراطوريات البارود الإسلامية ( الدولة العثمانية، الدولة الصفوية، دولة مغول الهند) التي استطاعت واحدة منها، وهي الدولة العثمانية، أن تفتك اعتراف علماء الأمة بأنها هي الأجدر بأخذ لقب الخلافة الإسلامية في عهد سليم الأول بعد إنهائه دولة المماليك، الراعية للخلافة العباسية الصورية. وكان العثمانيون هم الأجدر بذلك حقا إذ على أيديهم تحققت نبوة فتح القسطنطينية ومن خلالهم استمرت الفتوحات في اتجاه الغرب المسيحي الذي لم يتوقف عن التحرش بالمسلمين منذ معارك مؤتة وتبوك وبعث أسامة في بداية القرن السابع الميلادي التي كان سببها تحرشات الروم بالمسلمين للقضاء على الدين الجديد قبل استفحال أمره – كما زعموا – وفق ما تذكره كتب السير والتاريخ.
لقد عظُم شأن الأتراك كحاملي لواء الإسلام قرابة ستة قرون، من أول القرن الثالث عشر إلى بدايات القرن العشرين، غير أن تميزهم انحصر في الجوانب القانونية والإدارية والعسكرية ولم يسهموا كثيرا في الجوانب الحضارية العلمية، فكان حالهم كحال الامبراطورية الرومانية إذ دامت بالقوة الإدارية والعسكرية وكانت في الجوانب العلمية والفلسفية عالة على الحضارة الإغريقية. بلغ أوج القوة العسكرية للأتراك عند فتح القسطنطينية سنة 1453م وبدأت في التراجع بعد فشل حصار فيينا سنة 1683م، وفي تلك الفترة كان يظهر للمطّلع على الأحداث التاريخية دو تأمل أن ثمة تماثلا في القوة بين العثمانيين وملوك أوربا، غير أن المتمعّن في وقائع التاريخ يدرك أن المسلمين بقيادة الأتراك كانوا في زمن الأفول الحضاري وكان الأوروبيون في مرحلة النهضة الحضارية. كما أن المسلمين في زمن سقوطهم كانوا يبتعدون عن دينهم وكان الأوربيون في زمن نهوضهم، يجددون تمسكهم بدينهم كما سنبينه لاحقا.
سقطت الدولة الإسلامية في بداية القرن العشرين عند إلغاء الخلافة الإسلامية العثمانية سنة 1924 بعد أن أفَلت الحضارةُ الإسلامية أربعة قرون من قبل. وقد كانت الفكرة الدينية هي صانعة الحضارة في الأمة الإسلامية في منشئها المشحون بالقيم والقوة الروحية في الدولة والمجتمع في عهد النبوة والخلافة الراشدة، وحين غلبت العصبية العشائرية مرجعية الشورى الشرعية في الحكم، وصار الحكم لمن غلب منذ عهد الأمويين، ظلت الفكرة الدينية متجذرة في المجتمع، تتحصن بالعلماء العاملين المجاهدين الذين وإن كانوا قد أفتوا بشرعية الحاكم المتغلب تجنبا لاستمرار الفتنة بين المسلمين قد قادوا المجتمع لمنع السلطان من أن يفارق القرآن عبر شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فأنتج تاريخ المسلمين حكاما صالحين مصلحين وحكاما فاسدين فرض عليهم الجو الإسلامي الغالب بين الناس الالتزام بأحكام الإسلام في السياسة والحكم بشكل عام، كما قاد علماء الدين النهضة الإسلامية بأنفسهم ببعث حركة الأوقاف التي أطّرت الثورة العلمية الإسلامية ومنحتها استقلاليتها من الناحية المادية واتجاهاتها العلمية بتأسيس الجامعات والإنفاق على الطلبة والأساتذة وأدوات التعليم، وببروز العلماء الموسوعيين في الشريعة والطب والفلك والرياضيات والكيمياء والفيزياء وغير ذلك من العلوم، فبقي الوحي والعقل مجتمعان يضمنان استمرار الحضارة في كل مجالاتها، إلى أن انغمس المجتمع الإسلامي ذاته في الشهوات وأصابه الخمول وتسربت إليه اتجاهات القدرية والقبورية فلم يصبح للحكم الإسلامي حاضنة اجتماعية خالصة، تسنده أو تحرصه أو تردعه، فدالت الأيام على دولة الإسلام فسقطت بتآمر اليهود والنصارى، وتحالف النفاق والعمالة والجهالة من المسلمين، وحل محلها الدولة العلمانية التي ربطت مصيرها بقوى الاستعمار فاستدام التخلف وطال أمده.
إن المتمعن في تاريخ الحضارة الإسلامية يلحظ تطورها بين النهوض والفتور والسقوط بقدر قربها أو بعدها عن الدين. كما أن الشعوب التي احتوتها الحضارة الإسلامية من عرب وعجم لم يكن لمجملها في يوم من الأيام شأن في التاريخ بغير الإسلام، خصوصا الشعوب العربية والتركية التي تداولت الخلافة الإسلامية العالمية.
لم تشمل الحضارة الإسلامية دولة واحدة، بل تعاقبت عليها دول كثيرة من عرب وعجم، وقد خضعت كل تلك الدول إلى نظرية التداول التي أبدعها ابن خلدون حين حدد مراحلها الخمس وأجيالها الثلاثة، وكان الجيل الأول بعد النبوة يُخضعُ مطلبَ العصبية، الضرورية لاستقرار الدولة الناشئة، للفكرة الدينية المنشئة للحضارة الخالدة، فكان الجيل الأول – مؤسس الدولة – على نحو ما قاله ابن خلدون جيل البداوة والبسالة والشجاعة والتقشف والاكتفاء بالضروري من العيش في أحوالهم، يشتركون جميعا في المجد، لم يغرهم ما بُسط لهم من ملك وعز ورفاه عبر الفتوحات التي أطلقوها، يتمسكون بالفكرة الدينية ويمثلونها أحسن تمثيل، ثم جاء مَن بعدهم فانتقلوا بالدولة إلى الحضارة وإحكام الصنائع والإبداع في العلوم باسم الدين فكانت لهم في البداية قوة وازدهار وهيبة ثم جاء من انشغل بالتفنن بملذات الحضارة والانشغال بمنتجاتها بدل الزيادة فيها فبلغ الترف فيهم غايته فنسوا تضحيات جيل التأسيس وظنوا أن النعيم مخصوص لهم من السماء ففسدت أخلاقهم وطباعهم وانسلخوا عن هدي دينهم وانقلب التناصر بينهم إلى تنافر وتترسوا بالجند والعسكر، لا ليزيدوا في الفتح والملك ولا ليقهروا به طالب ملكهم من الخارج، ولكن ليتصدوا إلى بني قومهم ممن لم يعجبهم حال أمرائهم، ثم استعانوا بالموالي ثم بأطراف خارجية على بعضهم بعضا فكانت النهاية. ولعل مما ساهم في إطالة حضارة الإسلام ودوام سلطانه تداول العصبيات والأعراق على الحكم باسم الإسلام وفق نظرية التداول الخلدونية، فكانت كل دولة حديثة تجدد أمر الأمة وتحمل على عاتقها عز الإسلام ومجده وتُوسِّع جغرافية الإسلام وتزيد في عدد معتنقيه وحجم موارده وخيراته ثم تشيخ وتُهزم وتسقط داخل إطار الأمة، وكان كل قادة دولة حديثة يبررون طلب الملك لإزالة الظلم والفساد وحين يُمَكَّنون يحاولون فعل أحسن مما فعل من قبلهم حتى كانت النهاية في آخر عهد الدولة العثمانية بكثرة الخَبث في الداخل والتنكر التام للدين من فئات من المسلمين وبتصاعد قوة الأمم الغربية الصاعدة الساعية لإزالة حكم الإسلام واستعمار بلاده، وحينما جاء الرجل الصالح عبد الحميد الثاني للحكم كان سهم الانحدار قد بلغ القاع فلم يكن تحويل اتجاهه نحو الأعلى ممكنا.
ولو ننظر إلى أمر الحضارة الإسلامية بشكل أوسع بغض النظر عن الدول التي تداولت فيها لفهمنا علاقة الدين بنهوضها وسقوطها وفق البيان الذي رسمه مالك بن نبي عن تداول الحضارات في كتابه “شروط النهضة ” حيث يعتبر أن المرحلة الأولى في كل حضارة هي مرحلة الروح التي تضمن نشأتها، ثم تعقبُها مرحلة العقل التي تصنع منتجاتِها، ثم تليها مرحلة الغريزة التي تتسبب في نهايتها.
يضع مالك لشروط النهضة ثلاثة عناصر: التراب ( ويقصد بها الإمكانيات المادية الطبيعية) والوقت والإنسان، ولكن لكي تتفاعل هذه العناصر الثلاثة بشكل إيجابي ولكي تكون مؤهلة لصناعة النهضة يجب أن توفر مركبٌ (catalyseur) أساسي يتدخال بينها وهو مركب “الفكرة الدينية”. ويعتبر مالك بن نبي أن الفكرة الدينية عملت عملها في أجواء المدينة بعد الهجرة النبوية الشريفة، ولكن تغير حالها بعد ذلك في أجواء معركة صفين التي نقلت الأمة من الخلافة الراشدة إلى الملك العضوض ثم كانت نهاية الحضارة الإسلامية مع إنسان ما بعد الموحدين حيث انتشر الخمول والعجز في الثلث الأخير من القرن الثالث عشر.
يؤكد فطاحلة علم التاريخ والاجتماع و تداول الحضارت ، ابتداء من ابن خلدون – مؤسسه الأول – الذي يقول :” أن الدعوة الدينية تزيد الدولة في أصلها قوة على قوة العصبية التي كانت لها من عددها” إلى علمائه الكبار وفلاسفته المشهورين، أمثال توينبي الذي يعتبر أن : التفسير النهائي للتاريخ تفسير ديني في جوهره” والمؤرخ الفرنسي فرانسوا جيزو والفيلسوف كسرلنج الذي يعتبر “أن الروح المسيحية ومبدأها الأخلاقي هما القاعدتان اللتان شيدت عليهما أوربا سيادتها التاريخية” ، إلى فيلسوف الأمة مالك بن نبي صاحب نظرية ” مركب الفكرة الدينية” أنه لا نشوء للحضارات بغير الباعث الديني. ويمكننا أن نضيف فنقول أن تأثير الدين في الحضارات بعد نشوئها من حيث عدلها ونفعها للإنسان ومن حيث طول وجودها مرتبط بصحة الفكرة الدينية ذاتها. فلما كانت الفكرة الدينية الإسلامية مصدرها الوحي الصحيح المحفوظ من التحريف استطاعت أن تصنع حضارة إنسانية عالمية أدمجت كل الأعراق والأجناس في قيادتها منذ لحظتها الأولى، وحين نُقلت إلى الناس عبر الفتوحات والدعاة تركتهم أحرارا في اعتناقها، وكانت الفكرة الإسلامية هي الدافعة للتفكر في النفس وفي ملكوت السماوات والأرض، وهي التي جعلت العلم والتعلم من أزكى العبادات كما جعلت التعلم طريقا للإيمان. ولهذه الدوافع الإيمانية لم يستقل العلم عن الإيمان في الإسلام أبدا، ولم يجاف العقلُ الوحيَ مطلقا، بل على العكس من ذلك توقف العطاء العلمي وفتُرت الحضارة حين ضعُف الإيمان وانغمس المجتمع في الملذات. وحين حوربت الفكرة الدينية في الدولة غرقت الأمة كلها في التخلف.
قد يجادل البعضُ بأن الحضارة الغربية نشأت على غير دين وأنها إنما لمعت حين انفصلت عن الدين من خلال الفكرة العلمانية، وهذا تفكير خاطئ يخالف حقائق التاريخ التي تؤكد بأن الحضارة الغربية نشأت على أساس الديانة المسيحية، وأن الانفصام النكد بين العلم والإيمان، وبين السياسة والدين، طرأ لاحقا في وقت مبكر بسبب انحراف الفكرة الدينية المسيحية وهذا الذي سنبينه في المقال المقبل بحول الله.
د. عبد الرزاق مقري