أول نوفمبر: ذكرى ومعنى … وحدث

إنها ذكرى أول نوفمبر التي شاءت الأقدار أن تأتي متوافقة  مع ذكرى مولد المصطفى محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، لنتذكر  معنى نوفمبر فندرك بأنها  ثورة من ذات مشكاة النبوة، قامت لله من أجل تحرير  الوطن وسارت على هدي الإسلام بتحديد أهداف قيام دولة الاستقلال لتكون ديمقراطية

بمعنى أن تكون للشعب فيختار فيها بنفسه حكامه ودساتيره وقوانينه، وتكون سيدة لا تتبع الاستعمار بعد خروجه، ولتكون ضمن إطار المبادئ الإسلامية لا تحيد عن هدي الإسلام ورحمته أبدا، ولا يكون فيها ما يخالف الدين ويناقض شرعه، وليحدَّد انتماء الجزائر المستقلة الذي تتعامل على أساسه مع العالم ضمن إطار منطقي لا تكلُّف فيه ولا إكراه ولا تدليس وهو ” وحدة شمال افريقيا ضمن إطاره الطبيعي العربي الإسلامي”.  هكذا وحّد بيان أول نوفمبر  مفجرو الثورة المعتزون بدينهم الإسلامي من كل الأعراق بلسانهم العربي والشاوي والقبائلي والميزابي والترقي. وعلى هذا الهدي الإسلامي النوفمبري كانت المنظومات والعبارات والمصطلحات الثورية دينيةً بيِّنةً فسمي الثائر مجاهدا، والقتيل شهيدا، وصيحة الحرب الله أكبر، و من كلمات السر في القتال عقبة وخالد، وفي الحكم في المسائل قضاءٌ شرعي. وصدق الشاعر إذ فصل في الأمر في إلياذته فقال: نوفمبر غيرت مجرى التاريخ … وكنت نوفمبر مطلع فجر.وذكرتنا في الجزائر بدرا … فقمنا نضاهي صحابة بدر.  وتشاء الأقدار أن يُحشر في هذه الذكرى الجليلة استفتاء على وثيقة فرّقت بين الجزائريين ولم تجمعهم، هدّدت هويتهم النوفمبرية ذات الهدي المحمدي، زكّاها أقوام ثار الشعب عليهم في حراكه الميمون، وابتهج بها أرهاط من العلمانيين مشهورون في بغض الدين والاعتداء عليه، ودعت فرنسا لدعمها فصار بموقفها الأمر  بيّنا لمن كان له قلب وعقل ولم يطمس الهوى سمعه وبصره. هل ثمة من  يريد أن يجعل أول نوفمبر مناسبة لذكرى هزيمة الشهداء وهم في قبورهم؟ وإذلال الأوفياء لنهجهم وهم الكثرة باستعمال وسائل الدولة وجبروتها؟ … ولكن هيهات هيهات … لن يزيل هذا الحدث طهور الذكرى ومعناها. سيبقى أول نوفمبر  وسيشع هدي بيانه الذي هو ذات هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي نعيش ذكراه، وستسقط هذه الوثيقة حسيا أو فعليا وينساها الزمن، ومهما يكن من أمر سيزول التدليس والكذب والدجل وأصوات الانتفاخ المقرفة، وستتراجع أحاديث وأحداث الأوهام المضلة إلى أوكار الظلام النتنة فلا تنبعث منها أبدا، وسيسجل التاريخ من قاوم محاولات المسخ وركب المخاطر وكافح وناضل ضده.. ومن صنعه وسايره وأيده.  
د. عبد الرزاق مقري |