المسيرات من أجل فلسطين: الشبهات، أسباب المنع والتخذيل، الفوائد (5)

أولا – الرد على الشبهات

4 – شبهة “السلاح أو لا شيء”:

لا شك أن القتال في سبيل الله هو ذروة الجهاد ، وبغيره لا يكون التحرير ، ولكن ليس هو وحده المطلوب، وحين يوجب ولا يكون متاحا لا يُعفى المؤمنون من العمل في غيره لذات المقصد، أو مما يدخل في الإعداد له. قبل أن تندلع الثورة الجزائرية في نوفمبر 1954 كان ثمة نضال وطني وعمل إصلاحي علني لإعداد الإنسان لأكثر من ثلاثة عقود (الإنسان الذي كان قد طحن الاستعمار إرادته بعد فشل المقاومة الشعبية)، ثم إعداد سري للثورة من 1947 إلى 1954. وحين اندلعت الثورة النوفمبرية لم تقتصر على القتال بالسلاح، بل اعتمدت على جمع المال والاشتراكات، والمسيرات والمظاهرات، والعمل السياسي والدبلوماسي، والعمل الفني والغناء والمسرح، والرياضة، وغير ذلك. وذلك شأن كل الثورات ضد الاحتلال في تاريخ البشرية. إنه من حالات التخاذل الخطيرة التي بيّنها مالك بن نبي في مسيرة النهضة وبعث الحضارة الزيادة على الشيء من أجل تمييعه وإنهاء أثره. كالذي يدعوك إلى ما ليس بيدك لكي يصرفك عمّا تقدر عليه، أو كالذي يدعوك بالبدء بالنتيجة لكي يصرفك عمّا يُحقق النتيجة. ومن هؤلاء، أولئك الذين كلما دعوتهم لعمل شيء ما لصالح القضية الفلسطينية، كالمساعدات وجمع المال، أو المقاطعة، أو العمل السياسي والدبلوماسي والإعلامي، أو المسيرات والوقفات، يقول لك أن كل هذا مضيعة للوقت ولا حل مع الصهاينة إلا السلاح.

وفي العادة هؤلاء ضد القضية أصلا فيكون هدفهم التثبيط وتعظيم الحمل لكي تموت القضية، أو أنهم لا يعملون شيئا للقضية فيحاولون تسكين أوجاع ضمائرهم وإعاقة أي عمل بالزيادة غير الممكنة فيه للتغطية على قعودهم وعجزهم.ولو سألت هؤلاء كيف نوصل ما تقصدونه إلى غزة، في ظل الغلق الكامل من الصهاينة والدول العربية يعجزون عن الجواب، وإذا سئلوا هل لكم اقتراحات في ذلك لا يجيبون.وثمة من هؤلاء من إذ جد الجد في ما يَدعون إليه غيرَهم تخلّفوا، ويحق فيهم ما قاله الله تعالى في بني إسرائيل: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا ۖ قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ۖ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ [ البقرة: 246] وأتذكر حادثة طريفة قصّها لنا الإخوة من مدينة بجنوب البلاد وقعت في بداية الثمانينات مع أحد مؤسسي وقادة الحركة رحمه الله، من الجنوب ، بالغ أحد الشباب في لومه على عدم إرساله إلى الجهاد في أفغانستان فحاك له سيناريو وهميا لكي يتوقف عن المزايدة إذ أرسل إليه ليلا أحدا يقول له بأن الشيخ محفوظ وصله حرصُك على الجهاد وهو يريدك أن تصعد فورا الى العاصمة ليرسلوك إلى أفغانستان فاضطرب الرجل وأسقط في يده وقدم ألف عذر ثم لم يعد يزايد على أحد. وإني لأظن، من خلال معرفتي ببعض من يثبطون على العمل لفلسطين بدعوى “القتال أو لا شيء” أنهم مثل صاحبنا لو ابتلوا.

والله نسأله لنا ولهم العافية.