مروان بن قطاية: شاب بألف.

تعرّف الرأي العام بشكل أوسع على مروان بن قطاية بمناسبة دوره الريادي في قافلة الصمود، وكرئيس لمؤسسة جيل الترجيح للتأهيل القيادي. غير أن مروان لم تصنعه قافلة الصمود، ولم يكن منتَجا حصريا لمؤسسة جيل الترجيح ( واسمها الأصلي أكاديمية جيل الترجيح)، وإنما كانت القافلة تكريما له من الله تعالى على انخراطه الصادق الشجاع في القضية، نصرة لأهلنا في “غ” ضمن تطورات ” ط أ”، كما أن مؤسسة جيل الترجيح للتأهيل القيادي إنما كانت محطة أساسية في حياته ضمن مسار طويل في التربية والتأهيل والتكوين، وجد فيها ما يُمثّل أفكاره التي نشأ بها، وطموحاته في إصلاح الوطن التي شبّ عليها، وتطلعاته للعمل من أجل الاستنهاض الحضاري للأمة التي رغب فيها، وللتميز في الحياة في مختلف المجالات الذي كان صورة له.

ولد مروان بن قطاية في بلدية العطف ولاية غرداية في أسرة محافظة من والدَين صالحين كانت تربية الأولاد وتنشئتهم على الدين والأخلاق هي مبلغ علمهما، فحفظ القرآن صغيرا في القرية، وكانت بوابة دخوله العمل الدعوي هي تربية الوالدين وحفظ كتاب الله الكريم، ثم تواصل بناؤه التربوي ودخل العمل الميداني النضالي منذ صغره في الكشافة الإسلامية الجزائرية،  فكانت الكشافة هي مدرسته الجماعية الأولى للتكوين على الانضباط والجندية والروح الوطنية والمسؤولية الجماعة والفاعلية الميدانية، وتطور فيها حتى صار قائدا كشفيا محترما ومبجلا، وفي المرحلة الثانوية التحق بحركة مجتمع السلم  فاستفاد من أسرها التربوية معالم المنهج الدعوي والوعي الإسلامي وأشواق الالتزام بالعبادات والانضباط الأخلاقي والتطلع إلى العودة الحضارية للأمة، مع المحافظة الدائمة على التفوق الدراسي والحرص المستمر على رضا الوالدين والعطف على الأشقاء إذ كان هو بكر العائلة. وحين دخل الجامعة فُتحت له أبواب النضال في مختلف المجالات على مصراعيها، فكان من مؤسسي فرع الاتحاد العام الطلابي الحر في جامعة غرداية، ولتميزه لم يلبث طويلا ليكون رئيس الفرع طيلة حياته الجامعية، فصُقلت في الجامعة بواكير شخصيته القيادية المتكاملة، فكريا ودعويا وتربويا واجتماعيا وثقافيا.

ولأن مروان من الشباب الذين يمنعهم الطموح من الراحة والسكون، ولا يرضون بالرقي دون المعالي، توسعت اهتماماته خارج العائلة والمسجد والجامعة، فاهتم بالمجال الفني عبر تأسيسه فرقة الضياء الإنشادية التي برزت فيها موهبته الإنشادية وصوته الشجي الذي لازلنا نتمتع به إلى الآن، خصوصا حين يقرأ القرآن وهو يؤمنا في الصلاة،  وكان عبر تلك الجمعية سببا لاكتشاف مواهب شبابية فنية أخرى، كما اهتم بالرياضة في سن مبكرة وكانت هوايته الفنون القتالية، وبالتحديد رياضة “الكونغفو”، التي واصل مساره فيها إلى أن وصل بعد عشر سنوات إلى الحصول على الحزام الأسود.

وحين أوصله القدر إلى مؤسسة جيل الترجيح للتأهيل القيادي وجد فيها ضالته وما يعبر عن رؤيته، ووجدَته هي نعم القائد الجاهز الذي يجب صقل شخصيته وترقية مدركاته وتوسيع مداركه وعلاقاته، وفتح الفرص له بلا حدود، كما هو حال الرشد في التأهيل الذي يتمسك  بالطاقات والمواهب ويصبر عليها ولا يبذرها. وكان منهج الأكاديمية ذاك ما يناسب مساره ويُكمل دربه ويقوّم أخطاءه ويُفجّر طاقاته ويُستفاد من كفاءته، وذلك من خلال منهجها الذي يؤهل القادة وفق قواعد “الشمول والتوازن”، والتعميم والتركيز”، و”القيادة العامة والقيادة المتخصصة”و “شيء عن كل شيء وكل شيء عن شيء”، عبر الأفواج على المستوى الأفقي لتركيز التربية والتكوين والتأهيل، ومشاريع الفاعلية على المستوى العمودي في فرق العمل لاكتشاف المواهب وصقلها.

التحق مروان بن قطاية بالأكاديمية في دفعتها الأولى بغرداية، ومن هناك صار عضوا في قسم السلوك، ومن قسم السلوك أسس مع نظرائه المتميزين، خصوصا في مجال القرآن الكريم والتربية السلوكية، مشروع النهضة بالقرآن، مكلفا بقسم المشايخ بالإدارة الوطنية.   

لم يأت مروان بن قطاية إلى رئاسة الأكاديمية كمظلّيٍ مُقحَمٍ من الأعلى، بل تدرّج فيها من مرتبة إلى مرتبة، إذ بعد نجاح مشروع النهضة بالقرآن واستقلاله بنفسه، بحمد الله، في فضاء المجتمع الفسيح، أصبح مروان رئيس قسم الحملات في قسم الفاعلية، ثم رئيسا للقسم، في المكتب التنفيذي للأكاديمية ثم مديرا تنفيذيا، ثم صار بشكل منطقي رئيسا للمؤسسة حين احتاجت المؤسسة أن يكون أحد أبنائها من يقودها.

لقد تابعتُ مروان من بعيد وهو يمارس القيادة في منظمة مترامية الأطراف تتوزع أفواجها في كل أنحاء الوطن، فرأيت فيه كثيرا من الصفات القيادية النادرة التي تحتاجها المنظمات والأحزاب والبلدان والدول والأمم لكي تصنع نهضتها، سواء على مستوى الالتزام الشرعي والأخلاقي وابتعاده عن الشبهات وانضباطه في العبادات، أو من حيث الصفات الشخصية القيادية كالشجاعة ورباطة الجأش والصدق والوفاء والكرم والمروءة والمصداقية، وأخرى لا أجد لها سوى عبارة بالعامية هي “الرُّجْلة”، أو من حيث الصفات المهارية القيادية، كالرؤية والخطابة والبيان والقدرة على الإقناع والقدرة على ربط العلاقات العامة، أو على مستوى العلاقات الاجتماعية، سواء حسن رعايته لوالدته وأشقائه وشقيقاته بعد وفاة والده، وخيريته لأهله، أو حرصه على صلة أرحامه، وإكرام السابقين في غرداية ومن لهم فضل عليه في تنشئته، بذكره  الحسن الدائم لهم وإقراره بجميلهم، خصوصا الأستاذ عز الدين قادري رئيس مجلس الشورى الولائي الذي كان سبب التحاقه بالحركة، واهتمامه بمن هو مسؤول عليهم في الأكاديمية، ووفاؤه النموذجي  للكشافة والاتحاد ولأكاديمة جيل الترجيح ولكل من كان لهم فضل عليه في ما وصل إليه . 

لا شك أن مؤسسة جيل الترجيح كانت هي العتبة التي اعتلاها مروان للوصول إلى المسؤوليات العليا في حركة مجتمع السلم، كما هو حال أغلب الشباب الذين هم حول رئيس حركة حمس حاليا، القائمين بشؤونه في الديوان والإعلام والمقر وغير ذلك، ولكن وصوله إلى المسؤولية في المكتب الوطني لم يأت من علٍ، بل صعد صعودا متدرجا ابتداء من عضويته في المكتب البلدي للحركة في غرداية، إلى عضوية الأمانة الولائية للشباب والطلبة، إلى عضوية مجلس الشورى الوطني، إلى عضوية الأمانة الوطنية للشباب، إلى عضوية مجلس المؤسسات، إلى عضوية المجلس الاستشاري للشباب، إلى عضوية لجنة تحضير المؤتمر.

لا يمكن لقائد متميز، صاحب رؤية وخبرة وصادق اللهجة في الدفاع عن رأيه، أن لا يصل العالمية في مساره النضالي، فها هو مروان بن قطاية يتحول إلى رمز دولي يشترك في تأسيس “ملتقى شباب العالم الإسلامي” ويكون أحد قادته المقدّرين بين أعضائه من كل أنحاء العالم، ثم يتم اختياره في ظروف صعبة ليكون عضو المكتب التنفيذي الدولي بالاتحاد الإسلامي الدولي للمنظمات الطلابية والشبابية (الإيفسو)، ويشهد له أقرانه بقدرته على التشبيك وربط الشباب عالميا بروح الرسالة والوحدة والعمل.

وحين اعتقد العديدون بأنه تلقى ضربة كبيرة في مسيرته القيادية رفعه الله من حيث لا يحتسب بأقدس قضية في الأمة وهي القضية الفلسطينية، أعطاها بشجاعة وصدق في تعامله مع طوفان الأقصى فأعطته من الرفعة ما لم يكن في باله بقيادته قافلة الصمود. لقد كان مروان بن قطاية من الذين اجتهدوا من أجل النجاح في امتحان طوفان الأقصى، أحسبه كذلك والله حسيبه وحسيبنا، إذ حرص أن يكون في المكان الصحيح من التاريخ ضمن سننية الطوفان، فلم يتوان في بذل الجهد المسموح والممنوع لنصرة أهلنا في غزة، فأوذي في سبيل ذلك إيذاء شديدا وظن من عاقبه بأنه عاقبه بأشد العقاب، على “تعنته” وإصراره في القيام بالواجب وتميزه على الآخرين، فلم يُحبط ولم يكسر، ولما جاءت فرصة قافلة الصمود بادر إلى تشريف الجزائر وتكريمها بالحضور، ضمن ظروف صعبة وإعراض بئيس ومخاطر جمة، فنظّم وأطّر وعبّأ وأنفق، والتقى في العمل مع شيخ فاضل وقائد كريم، يحيى ساري، فكانت المشاركة الجزائرية تحت قيادتيهما، المنطلقة من مقر مؤسسة جيل الترجيح والعائدة إليها، تاريخية رائدة رغم قلة العدد بالنسبة لعدد الليبيين والتونسيين، وصار مروان هو نجم القافلة كلها، وسمعت من التونسيين والليبيين، ثم من الفلسطينيين، حديثا عن مروان جعلني أعتز بجزائريتي، وبحركتي، وبمؤسسة جيل الترجيح للتأهيل القيادي …

إنني أستطيع أن أقول بلا مجازفة بأن مروان بألف شاب، على نحو وصف عمر بن الخطاب لبعض صحابة رسول الله صلى عليه وسلم، وهو من الرواحل الذين لا تكاد تجد مثلهم في المائة على نحو ما ذكره رسول الله صلى الله عليه في الحديث،  وإني لأرى لهذا الشاب، الذي وهو في الثلاثينيات من عمره كأنه في الأربعينيات، مستقبلا قياديا زاهرا بحول الله، بأي حال من الأحوال، إذ أمامه فسحة طويلة من الزمن أسأل الله أن يطيل عمره ويصلح عمله. سيكون له حقا شأن كبير، بإذن الله سبحانه ومشيئته، نسأله تعالى لنا وله حسن الخاتمة.

إن الشهادة التي أشهدها في مروان بن قطاية أشهدها لوجه الله، لأنه يستحق ذلك، وكل ما قلته فيه صادق، ولا أزكي على الله أحدا، وقد حرصت على الشهادة في هذا الوقت بالذات وقوفا معه في وقت الشدة، كما يقف الرجال مع الرجال، ولفضله الكبير على الأكاديمية ومكانته فيها، ولوفائه الرجولي، وخصوصا لموقفه المشرف تجاه القضية الفلسطينية. ولم أقف هذا الموقف لأن مروان أقرب الشباب إلي، فعلاقتي اليومية الشخصية بغيره من بعض الشباب أكثر، وهو لم يكن لطيفا معي في كل الأحوال قبل أن يعرفني عن قرب إذ أساء إلي  ( رغم موقعه المتقدم آنذاك في الأكاديمية ) مع عدد من الطلبة بمناسبة مؤتمر من مؤتمرات الاتحاد قبل أن ينتبهوا إلى حجم خطئهم وتسميم معلوماتهم،  كما أن موقفي من مروان ليس  موقفا طارئا في حياتي، فأنا لا أتمالك نفسي أبدا حين أشهد الظلم ولو في الطريق، حتى لا أبالي في رد الفعل على الظلم بالمآل أحيانا، وفي الحركة وقفت مع الشيخ محفوظ نحناح أمام الملايين في حصة ملتقى الاتجاهات بالتلفزيون الجزائري ومسحت الأرض بمن ظلمه عام 1999، وكان رحمه الله كريما شهما، في قمة الوفاء، إذ رد الإحسان بالإحسان وغمرني بجميل صنعه منذ تلك الحادثة ( دافع عني برجولة ومروءة في وجه الجنرالات والمسؤولين الذين أرادوا الإساءة إلي بسبب دفاعي عنه وقد شهدت ذلك بنفسي، وعرض عليّ الوزارة بعد الانتخابات، وحين رفضت قبِل من قدّمتُه له بدلي، وبقي يدافع عني حتى في وجه من يؤذونني بسبب نقدي له، ويذكرني بخير ويرفع مقامي حتى توفاه الله رحمه الله)، ووقفت مع الشيخ بوجرة علانية حين استهدف في شخصه أثناء الاضطرابات الداخلية وعندما أساء له بوتفليقة وآذاه أويحي، ووقفت مع الرئيس الحالي للحركة قبل أن يتمكّن في منصبه بعد المؤتمر، ودافعت عن مسؤولين في الحركة مركزيا ومحليا حين ظُلموا وزُبروا من القوائم الانتخابية.

أنا أؤمن بمروان بن قطاية، وهو فرصة كبيرة للحركة والوطن والأمة والقضية الفلسطينية وأدافع عنه دون أن أنتظر منه شيئا ولا يهمني هل سيكون وفيا كريما مثل الشيخ محفوظ نحناح أم أنه سينسى المعروف أو ينقلب عليه، فالله أعز وأكرم. والله الموفق ولا حول ولا قوة إلا بالله