مداخلة السيد رئيس الحركة في ندوة الحريات والانتقال الديمقراطي / الثلاثاء 10 جوان 2014
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
السيد رئيس الجلسة السادة الحضور، كل بمقامه ومكانته
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
إن هذا اليوم يوم تاريخي وبالغ الأهمية من عدة وجوه:
فهو مهم من حيث نوعية ورمزية الحضور في هذا الاجتماع الذي يشمل شخصيات سياسية مرموقة وقادة أحزاب ومنظمات فاعلة رافضة للوضع الراهن وتواقة للإصلاح والتغيير.
وهو مهم من حيث قدرة المعارضة على الاجتماع بهذا الحجم و هذا التنوع وهذا المستوى لكسر مسلمة تفرق الطبقة السياسية التي عاش في ظلها الفساد وسوء التدبير طويلا.
وهو مهم من حيث تقارب وجهات النظر بين هؤلاء الحضور في تقييم الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلد وتقاربهم في الحلول الضرورية لإخراجه من ازماته.
وهو مهم من حيث توقيته حيث يجتمع هؤلاء السادة والسيدات ضمن ظروف دولية وإقليمية خطيرة تقابلها أوضاع هشة في بلدنا تتسبب فيها حوكمة مترهلة لنظامنا السياسي تنذر بمخاطر جسيمة لا يقدر على معالجتها سوى أمثال هؤلاء السادة والسيدات.
وهو مهم من حيث موضوعه، إذ أننا نجتمع من أجل التشاور بيننا في كيفية نقل بلدنا من نظام سياسي مغلق أدى إلى غلق المجتمع وتضييع كل فرص الرقي الاقتصادي والاجتماعي والثقافي إلى نظام سياسي ديمقراطي تصان فيه الحريات وتفتح فيه الآفاق لبناء جزائر أصيلة وعصرية، قوية وآمنة ومستقرة في الحاضر والمستقبل يعمها العدل والحرية والرفاه.
أيها السادة والسيدات،
لقد احتفظنا ببرامجنا لأنفسنا وسكتنا عليها بيننا في هذا العمل المشترك لأنه لا توجد فرصة للتنافس على البرامج في بلادنا، ولم نتطرق إلى الحديث عن أيديولوجياتنا لأن أيديولوجية الفساد والمال الوسخ وغلق مجال الحريات غلبت كل الأيديولوجيات. إن المساحة المشتركة التي تجمعنا، والرؤية العامة التي سهلت لنا الالتقاء، والأرضية الموحدة التي نقف عليها جميعا هي النضال من أجل الحريات في بلدنا، إننا جميعا نتفق بأنه لا مجال للنهوض واللحاق بالركب الحضاري ومصاف الدول المتقدمة إلا بإطلاق الحريات وصيانة حقوق الناس والمساواة في الفرص وأمام القانون في جميع الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والفنية والثقافية وغيرها، حيث أنه لا مجال لبروز الإبداع الذي تنهض به الأمم إلا بتوفر الحريات وضمانها وعدم القدرة على الاعتداء عليها. وإننا حينما نتحدث عن الانتقال الديمقراطي بالمقاصد والأهداف والمبادئ والمعايير التي تطرقت إليها أرضية الندوة والتي نتبناها في حركة مجتمع السلم كما هي إنما نريد بذلك التأسيس لعهد الحريات الحقيقية التي لا تدليس فيها ولا تغليط ولا تزوير و لا قلب للمسلمات والحقائق، إنما نريد إعلاء شأن قيمة الحرية لتكون قناعة عامة في المجتمع ولدى النخب الحاكمة والمجتمعية تحميها مؤسسات حكومية كما تحمي حدود الوطن ومقدساته.
أيها السادة والسيدات،
لقد علمتنا أحداث العالم العربي التي تحول بعضها إلى مأساة دموية أن المشكلة في عالمنا العربي مشكلات أخلاقية وقيمية وفكرية قبل أن تكون مشكلات سياسية واقتصادية، وأن المجتمعات التي تنتقل إلى آفاق أرحب وأفضل بسلاسة وفاعلية ونجاح هي تلك المجتمعات التي يسبق تحولها السياسي نهضة فكرية ويقظة أخلاقية تكسر المألوف المفروض الذي تجاوزه الزمن، يقظة تسكن العقول والنفوس قبل ساحات النزال السياسي، وهي تلك المجتمعات التي تتوفر لديها قيادة سياسية ومجتمعية ذات مصداقية تحمل رؤية صارمة وصادقة وصامدة للتغيير. وإنني أحسب أن هذا الاجتماع الذي أعطى أهمية كبيرة للنقاش الفكري والسياسي الذي تتضمنه الأرضية ومداخلة السادة والسيدات الحضور، والذي أعطى صورة ناصعة جديدة عن النخب والأحزاب السياسية ستساهم مساهمة كبيرة في تغيير الصورة النمطية السلبية التي نسجتها أجهزة ومنظومات نظامية وعمقتها أخطاؤنا وثبتها تفرقنا.
أيها السادة والسيدات،
إن الأولوية اليوم هي في تنمية هذه اليقظة الفكرية التي نعيشها في هذه اللحظة والتي شيدها وعينا الجماعي بخطورة المرحلة وجسدها اجتماعنا وضمنها تنازلنا لبعضنا البعض، إن الأولوية اليوم هي تنمية هذه اليقظة لكي تعم المجتمع كله وتصبح قناعة عامة لا يقدر على طمسها حاكم متسلط ولا سلطة متجبرة.
إن اجتماعنا هذا يكون مجديا ونافعا وتاريخيا بحق إذا أسس لميلاد عهد جديد عنوانه رص الصفوف والعمل المشترك بما يجعل السلطة الحاكمة تعي بأنها لن تقدر على تجاوز إرادة الطبقة السياسية في الإصلاح والتغيير، وبما يجعل الشعب الجزائري يثق في نزاهة وصدق الطبقة السياسية أمام الأهداف التي تعلنها، وفي قدرتها على الفعل والتأثير. إن هذه الحصيلة لو تحققت ستكون أفضل هدية نقدمها الطبقة السياسية للجزائر حيث تكون مؤهلة لتغيير موازين القوة وقادرة على احتواء أية أزمة قد يتسبب فيها نظام الحكم لتحويلها إلى فرصة حقيقية للتحول الديمقراطي الآمن والسلس.
إن هذه الندوة هي بداية طريق قد يطول أو يقصر، والعبرة في ما بعدها إنما هي بمدى قدرتنا على المواصلة في التنسيق والعمل الميداني المنسق والاحتكاك بالمواطنين وتعبئتهم وتجنيدهم من أجل أن يقوموا بواجبهم في التغيير السلمي لنبني معا الجزائر التي حلم بها الشهداء ونأملها لأنفسنا وأولادنا وأمتنا.
تقبلوا أسمى التحيات والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عبد الرزاق مقري / رئيس حركة مجتمع السّلم