زيارتنا لتونس جاءت في وقت دقيق من الحياة السياسية التونسية بشكل عام وحركة النهضة بشكل خاص. وصلنا في ضيافة أشقائنا في النهضة وهم في شأن كبير، هل يدخلون الحكومة أم لا؟
بعد أن أعلن عن حكومة الحبيب الصيد اجتمع أعضاء مجلس الشورى للحركة وقرروا بكل سيادة عدم منح الثقة لهذه الحكومة التي اعتبروها غير معبرة عن روح التوافق. وحينما اتخذوا هذا القرار حدث في تونس ما لا يمكن أن يحدث في أي بلد عربي. حدث أن تراجع الحزب الحاكم عن تعاليه ونزل من برجه إلى ساحة التشاور من جديد، أدرك بأنه في وضع هش أمام حركة عاقلة ولكنها شديدة المراس قادرة على أداء كل الأدوار ضمن ما يتيحه دستور الثورة التي أنقذت من بين كل الثورات العربية. اشترط النهضاويون أن تكون الحكومة حكومة وحدة وطنية، أو بعبارة أخرى حكومة توافقية، يشارك فيها كل التونسيين لكي يشاركوا فيها، على أن تكون مشاركتهم سياسية واضحة يتحملون فيها المسؤولية كاملة. أراد الندائيون تحت ضغط المتشددين الأيديولوجيين منهم، ومن متشددي تيار اليسار العلماني أن تكون مشاركة النهضة غير واضحة ببعض كتاب الدولة وبأسماء غير بارزة، وربما تمنى هؤلاء أن تمنح النهضة ثقتها للحكومة دون أن تشارك فيها!
لم تقبل مؤسسات حركة النهضة هذا التدبير غير المسؤول فأظهروا بقرار مؤسسي استعدادهم لخدمة تونس من موقع المعارضة الواضحة البينة كان قرار جل الأحزاب الأساسية مماثلا لموقفهم ( حزب آفاق تونس، الجبهة الشعبية..) فهرع إليهم حكام تونس الجدد يسترضونهم باعتبارهم الأقوى في المعارضة، أو لكي يربحوا الوقت لعزلهم وحدهم في المعارضة إذا قدروا على استمالة غيرهم وبناء أغلبية مريحة بدونهم. لا شك أن هذا التحول الكبير قد وضع حركة النهضة في ضغط شديد وتحت مسؤولية كبيرة بخصوص الحد الأدنى الذي يجعلهم يقبلوا المشاركة في الحكومة.
كانت لنا فرصة ان نعبر لهم عن وجهة نظرنا بهذا الخصوص، وكان يهمهم جدا ان يسمعوا رأينا بالنظر لخبرتنا الطويلة في التعامل مع مثل هذه القرارات، بإيجابياتها وسلبياتها. كان رأينا أن المحددات التي يجب أن يقوم عليها التفكير هي أربعة: مصلحة تونس، الحريات، وحدة الصف النهضاوي، أن تكون المشاركة أو المعارضة وفق رؤية شاملة. وقدرنا من وجهة نظرنا أن المشاركة في الحكومة أولى إن لم يكن العرض مهينا، والعبرة هنا ليست بعدد الحقائب، فلا حرج أن يشاركوا بما هو أدنى من حجمهم، برجال يختارونهم هم. يكون ذلك عين الحكمة لو تعلق الأمر بتصليب وتثبيت الانتقال الديمقراطي ، والمحافظة على الحريات، وبناء رؤية اقتصادية تطور تونس، وسلوك سياسي يلتزم بالدستور ومواثيق وعهود الثورة.
لقد تأكد لدينا مرة أخرى بأن الله أكرم حركة النهضة بقيادة راشدة متعلقة بالمثل العليا والقيم والمبادئ وتحوز على قدر كبير من الواقعية والموضوعية، وفي نفس الوقت على منسوب عال من الشجاعة والاستعداد لكل الظروف وتحمل المسؤولية مهما كانت ثقيلة وصعبة، وأنا على ثقة تامة بانهم سيتخذون القرار الأصوب والأفضل لتونس ولهم وللمنطقة كلها بإذن الله. وفقم الله وسدد خطاهم.
