العنف ضد المرأة في ميزان الإسلام

شاركت البارحة يوم السبت 30\11\2013 في ندوة نظمتها الأمانة الوطنية للمرأة وشؤون الأسرة بالمقر الوطني بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، فشعرت فيها بكثير من السعادة لما رأيت من اجتماع كفاءات نسوية أصيلة، من عضوات الحركة وغيرهن، وطرحٍ علمي راق من الأساتذة والأستاذات فتأكد مرة أخرى بأن هذه الأمة يمكنها أن تكون رحمة للعالمين لو قادها دينها وساسها الصالحون والصالحات فيها. وقد قدمت في الندوة كلمة افتتاحية من وحي المناسبة فأردت أن أدون بعض الأفكار التي عرضتها في الندوة في مقالين متتاليين.

ـ مقدمة:

صادقت الأمم المتحدة في 20 ديسمبر 1993م على الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة وفي   17 ديسمبر1999م  قررت أن تجعل يوم 25 نوفمبر من كل سنة اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة  وهو القرار 54/134 الذي دعا فيه هذا المنتظم الدولي الحكومات والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية إلى تنظيم نشاطات ترفع من وعي الناس حول الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة في العالم والسبل الكفيلة لإنهائها. وبغض النظر عن السبب المباشر الذي دفع إلى هذا القرار وهو التظاهرات التي نظمتها بعض المنظمات النسوية للتذكير باغتيال الناشطات السياسيات ( الأخوات ميرابال) في جمهورية الدومينيكان في 25 نوفمبر سنة 1960 على يد الدكتاتور رافييل تروخيلو والمطالبة بجعل هذا اليوم يوما عالميا للتنديد بالعنف ضد المرأة فإن أسباب اهتمام الأمم المتحدة بهذه القضية يعود إلى انتشار ظاهرة العنف ضد المرأة في هذا العصر رغم التقدم الكبير الذي أحرزته في مجال الحقوق والحريات.

ويمكننا أن نساهم في هذه الحملة من وجهة نظر إسلامية بالتذكير بنداءات الشريعة الإسلامية للرفق بالمرأة وذكر مقامها في الإسلام، كما نناقش بهذه المناسبة الخلفيات الأيديولوجية التي تحملها النداءات الدولية للحد من هذه الظاهرة الموجودة فعلا في مختلف المجتمعات ومنها المجتمعات الإسلامية ونقدم الرؤية الإسلامية بخصوصها.

العنف ضد المرأة: حقيقة موجودة.

تشير الدراسات التي قامت بها الأمم المتحدة والمنظمات الحكومية وغير الحكومية أن العنف ضد المرأة ليس حوادث معزولة ولكنه ظاهرة عالمية منتشرة في مختلف أنحاء العالم، ويكفي أن نطلع على الإحصائيات التالية المنشورة في موقع “حملة المين العام بان كي مون: اتحدوا لإنهاء العنف ضد المرأة”:

  • أكثر أشكال العنف الذي تتعرض له المرأة شيوعاً على نطاق العالم هو العنف البدني الذي يلحقه بها ‏العشير. وتتعرض امرأة واحدة على الأقل من بين ثلاث نساء في المتوسط للضرب أو لممارسة الجنس ‏قسراً أو للإيذاء على نحو آخر من قبل العشير خلال فترة حياتها.‏
  • النساء اللائي تتراوح أعمارهن بين 15-44 عاماً يزيد خطر تعرضهن للاغتصاب والعنف المنزلي عن ‏خطر تعرضهن للسرطان وحوادث السيارات والحرب والملاريا، وذلك وفقاً لبيانات البنك الدولي.‏
  • تشير عدة دراسات استقصائية عالمية إلى أن نصف جميع النساء اللائي يقضين نحبهن بسبب القتل إنما ‏يقتلهن أزواجهن أو عشرائهن الحاليون أو السابقون. ففي استراليا وإسرائيل وجنوب أفريقيا وكندا ‏والولايات المتحدة، تتراوح نسبة الإناث اللائي قتلن على أيدي عشرائهن 40-70% من بين ضحايا ‏جرائم القتل، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية. وفي كولومبيا، أُفيد بأن امرأة واحدة تتعرض للقتل بواسطة ‏عشيرها الحالي أو السابق كل ستة أيام. وقد اختُطفت مئات النساء أو اغتصبن أو قتلن في ثيوداد ‏خواريث، بالمكسيك، والمنطقة المحيطة بها على مدى فترة 10 سنوات.‏
  • يقدر أن امرأة واحدة من بين خمس نساء على نطاق العالم ستصبح ضحية للاغتصاب أو محاولة ‏الاغتصاب خلال فترة حياتها. ‏
  • وترد البلاغات عن العنف المرتكب ضد المرأة في أثناء الصراعات المسلحة أو بعدها في جميع مناطق ‏الحرب دولية أو غير دولية. وقد تم اغتصاب عدد يتراوح بين 000 250 و 000 500 امرأة خلال ‏الإبادة الجماعية التي وقعت في رواندا عام 1994؛ بينما اغتُصب ما يتراوح بين 000 20 و000 50 ‏امرأة خلال الصراع في البوسنة في أوائل التسعينات.‏
  • وتشير التقديرات إلى أن عدد الذين يجري تهريبهم سنوياً إلى أوضاع منها البغاء أو السخرة أو الرق أو ‏العبودية يتراوح بين 000 500 ومليوني شخص، معظمهم من النساء والأطفال. ‏
  • وتشير عبارة تشويه الأعضاء التناسلية للأنثى (ختان الإناث) إلى عدة أنواع من عمليات البتر التقليدية ‏المترسخة الجذور التي تجرى للنساء والبنات. ويقدر أن ما يزيد على 130 مليون فتاة وامرأة ممن ‏لازلن على قيد الحياة اليوم قد تعرضن للختان، وذلك بصفة رئيسية في أفريقيا وبعض بلاد الشرق ‏الأوسط، وأن مليوني فتاة معرضات لهذا التشويه في كل عام. وفي نيسان/أبريل 2006، كان 15 بلداً ‏من بين 28 بلداً أفريقيا يشيع فيها ختان الإناث قد جعلته من الجرائم التي يعاقب عليها القانون الجنائي. ‏
  • وتواجه كثير من النساء أشكالاً متعددة من التمييز وزيادة في خطر العنف. ويزيد احتمال تعرض نساء ‏الشعوب الأصلية في كندا للموت نتيجة للعنف خمسة أضعاف عن غيرهن من النساء في نفس العمر. أما ‏في أوروبا وأمريكا الشمالية واستراليا، فما زال ما يزيد على نصف النساء المعوقات يتعرضن للإيذاء ‏البدني، مقارنة بثلث عدد النساء غير المعوقات.‏
  • وتتعرض المرأة للتحرش الجنسي طوال حياتها. وقد أبلغت نسبة تتراوح بين 40 إلى 50 في المائة من ‏النساء في الاتحاد الأوروبي عن تعرضهن لبعض أشكال التحرش الجنسي في مكان العمل. وفي ملاوي، ‏أفادت 50 في المائة من بنات المدارس اللائي أجريت عليهن دراسة استقصائية بتعرضهن للتحرش ‏الجنسي في المدرسة. ‏

وقبل أن نتحدث عن نظرة الإسلام للمرأة نسجل الملاحظات التالية على هذه الإحصائيات:

1 ـ بقدر ما تحقق للمرأة من حقوق وحريات في العالم وفق النظرة الغربية في العصر الحديث بقدر ما ازداد العنف الموجه ضدها.

2 ـ لم يسبق أن وصل العنف في تاريخ البشرية ضد المرأة بهذا الاتساع والكثافة والشدة.

3 ـ أكثر أنواع العنف الذي تتعرض له المرأة هو العنف البدني وهو أكثر انتشارا في البلدان الغربية أين حققت المرأة أعلى درجات التحرر والاستقلالية.

4 ـ العنف الموجه ضد المرأة هو في كثير من الأحوال جزء من العنف المستشري في هذا الزمن المعاصر بين البشر بشكل عام.

5 ـ حينما يتعلق الأمر بالعنف ضد المرأة في المحيط الأسري فإن كل أفراد الأسرة معنيون به ويعتبر الأطفال من أكثر ضحاياه.

6 ـ في الوقت الذي تخلصت فيه البشرية من الرق والعبودية اللذين عرفتهما في قرون خلت عاد نوع آخر من الرق وهو بيع الأطفال والنساء ضمن شبكات الاتجار بالبشر والدعارة.

7 ـ أكثر من يتسبب في شبكات الاتجار بالبشر الدول الغربية في أمريكا وأوربة حيث يوجه الرقيق الذي يُشترى في إفريقيا وأمريكا الجنوبية وآسيا ومنطقة الكاريبي إلى تلك الدول” المتحضرة”!

8 ـ رغم التزايد المعتبر لحالات العنف ضد المرأة في العالم العربي والإسلامي بسبب الانهيارات الأخلاقية والجهل فإنه لا يزال هامشيا بسبب ثبات القيم والمعتقدات الدينية في أوساط شرائح واسعة من الناس، ويعود وجود العنف ضد المرأة في البلدان الإسلامية للتقاليد والعادات المحلية التي تتجاوز الانتماء الديني كمسألة ختان الأطفال في بعض الدول الإفريقية والآسيوية.

9 ـ يعتبر الاغتصاب والتحرش الجنسي أحد منتجات الانهيارات الأخلاقية وشيوع التعري والإباحية والاختلاط غير المنضبط بين الذكور والإناث، ومؤثرات التهييج الجنسي عبر مختلف وسائل الإعلام.

10 ـ من بين أهم أسباب العنف ضد المرأة النظرة الدونية، واعتبارها جسدا للمتعة وعدم اعتبار خصائصها الإنسانية وملكاتها العقلية.

11 ـ العنف ضد المرأة هو جزء من المأساة التي يعرفها أكثر سكان الأرض مثل الفقر والأمراض والمخاطر البيئية التي تعود كلها إلى انتشار المادية والفردانية وانهيار القيم والأخلاق والابتعاد عن الهدي الإلهي، ولا تعتمد الأمم المتحدة في محاربة هذه الظواهر إلا بإصدار النصوص والاتفاقيات والتوجيه نحو التشريعات في مختلف الدول، ولا تعترف بالأبعاد الروحية والمفاهيم الدينية كجزء أساسي من الحل لكل هذه الآفات.

12 ـ كثير من الأفكار والحلول التي تقترحها مواثيق الأمم المتحدة تزيد من تفاقم مشكل العنف ضد المرأة ومنها كسر قواعد البنيان الأسري، وجعل المرأة والرجل في مواجهة بعضهما بعضا بدل التكامل بينهما بالإضافة إلى كثير من الاقتراحات الصادمة لقيم الشعوب ومعتقداتهم نعود إليها في المقال الثاني.

نظرة الإسلام للمرأة:

أ ـ في القرآن الكريم:

حينما نتذكر حالة المرأة قبل الإسلام سواء عند العرب أو عند الشعوب والأمم الأخرى يتبين لنا ة بأن أول ثورة كونية سجلها التاريخ لصالح المرأة هي ما جاء به الإسلام لتحريرها وتكريمها وإعلاء شأنها. فقد حدد القرآن تصورا جديدا في العلاقة بين المرأة والرجل لم يكن حاضرا في الحضارات والملل والنحل قبل البعثة النبوية.

لقد كان القرآن صارما ضد النظرة الدونية التي كانت عند المجتمع تجاه المرأة إلى حد الحزن والتشاؤم والشعور بالهوان أمام الناس حينما يخبر أحدهم أنه ولدت له أنثى، ومنهم من يدفعهم غيُّه لوأدها وتغيبها من الوجود، فقبحهم الله لهذا السلوك وسفه نظرتهم وحكمهم أيما تسفيه فقال تعال: ((وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم * يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون) النحل: 58-59

وبين القرآن في مقابل ذلك أن التكريم الإنساني هو لبني آدم كلهم، إناثا وذكرانا، قال تعالى: ((وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)) سورة الإسراء الآية 70.

كما أن الاستخلاف في الأرض هو عام للمرأة والرجل سواء بسواء قال تعالى: (( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)) سورة البقرة الآية 30.

وأن أمانة هذا الاستخلاف هي للإنسان بصفته إنسانا ذكرا كان أم أنثى: ((إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)) سورة الأحزاب الآية 72.

وأن هذا الاستخلاف في الأرض لن يتأتى إلا بمشاركة الجنسين وأن لا فرق على أساس الجنس بينهما بل إن الأكرم هو الأكثر وفاء للأمانة التي حملاها: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )) سورة الحجرات الآية 13.

وأن النفس البشرية نفس واحدة وأن الرسالة الإلهية موجهة لهذه النفس بشقيها الذكري والأنثوي: (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)). سورة النساء الآية 1.

وأن حرمة هذه النفس حرمة واحدة سواء كان امرأة أو رجل: ((مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ )) سورة المائدة الآية 32.

وأن مهمة هذا الإنسان حينما يؤمن هي مهمة واحدة سواء كان مؤمنا أو مؤمنة يقومان بها معا في تناصر وتعاضد وتعاون: (( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )) سورة التوبة الآية 71.

وأن هذه المهام متكاملة مهما تنوعت وهو تنوع يؤدي للمودة والتراحم وليس التضاد والتنافر: ((وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) سورة الروم الآية 21.

وأن النجاح في هذه المهام يستحق نفس الجزاء للمرأة والرجل على سواء: ((وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا)) سورة النساء الآية 141.

ب ـ في السنة النبوية

ثم جاءت السنة النبوية فركزت على ضرورة إكرام المرأة بإلحاح شديد يتناسب مع الحالة المزرية التي كانت عليها المرأة قبل بعثته عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.

وعلى منهاج القرآن حدد الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم طبيعة علاقة المرأة بالرجل فجاء في الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام أحمد عن أم سليم بنت ملحان أن: (( النساء شقائق الرجال)) أي أنهن الشق الآخر للإنسان، مثيلات للرجل كما هو شق أي كائن لشقه الآخر في أساس الخلقة والطبيعة مهما تنوعت وظائف هذا الشق وذاك. وأي انتهاك لشق من الشقين هو أذى للكائن كله، وأي سلامة لشق من هاذين الشقين هو سلامة للكائن كله.

وحينما خاطب رسول الله الناس في حجة الوداع، التي حدد فيها المبادئ العامة التي يقوم على أساسها المجتمع الصالح ومنها حقوق المرأة، كانت هذه الخطبة في هذه الحجة بمثابة مؤتمر تاريخي حضره مائة ألف شخص صدر فيه أول إعلان عالمي مكتوب ضَمَن حقوق المرأة إلى الأبد قرونا قبل كل الإعلانات العالمية الأخرى. ومما جاء في هذه الخطبة بخصوص النساء: (( ألا واستوصوا بالنساء خيراً، فإنما هن عوان عندكم .. ألا إن لكم على نسائكم حقاً، ولنسائكم عليكم حقاً )) أخرجه الترمذي وابن ماجه. والحكمة في الصيغة التي ذكر بها الحديث قوله (( استوصوا)) أي أن قضية حقوق المرأة يجب أن تكون شغلا دائما يقوم به الناس إلى يوم الدين، يوصي بعضهم بعضا بحقوق المرأة والإحسان لها، وليس يوما أو أياما في السنة كما تدعو إليه الأمم المتحدة.

وبشكل عام اعتبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المرأة معرضة للاضطهاد وهضم حقها من قبل الرجل والمجتمع بسبب ضعفها فبين انزعاجه من ذلك وعدم قبوله له فقال في الحديث الذي رواه أبو هريرة عنه صلى الله عليه وسلم: ((إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة)) أخرجه ابن ماجة وأحمد.

ولم يكتف رسول الله بهذا الإعلان العام وبهذا التنبيه الصارم فراح يفصل الحق لكل حالة تكون عليها المرأة، أُمّا أو زوجة أو أختا أو ابنتا أو قريبة أو إمراة ضعيفة بين الرجال.

فكانت المرأة في وصايا النبوة أن تكون الأولى بحسن الصحبة حينما تكون أما، وليس ذلك إلا للأم، كما جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: (( أمك ))، قال: ثم من؟ قال: (( ثم أمك )) ، قال: ثم من؟ قال: (( ثم أمك ))، قال: ثم من؟ قال: (( ثم أبوك )).

وإذا كانت زوجة فلا ينال الرجل الخيرية بين الناس إلا بقدر إحسانه لزوجته ولطفه بها، كما جاء في الحديث الذي أخرجه الترمذي وابن ماجة عن أم المؤمنين عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)) وفي رواية: ((إن أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله)). والحكمة في الحديث أن الخيرية تشهد بها الزوجة ذاتها، وهو أمر في نفسها تشعر به حقيقة حينما يكون زوجها أهلا لهذا الشعور، كما أن الحديث يستعمل كلمة اللطف وهي كلمة رقيقة تنبئ عن خلق رفيع وقد استعمل رسول الله هنا أسلوب ذكر الخاص بعد العام للتأكيد على فضل الخاص.

أما إذا كانت أختا أو ابنتا فقد جاءت أحاديث كثيرة تعلي من شأن من أحسن لأخته أو ابنته، ولم يُذكر في السنة النبوية شيء عن تخصيص الإحسان للأخ والابن إلا من باب الإحسان العام للأهل وذوي الأرحام، بل حذر من تفضيل البنين على البنات وهو توجيه يدل على حالة اجتماعية سيئة جاء الإسلام ليصححها:

فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : (( دَخَلَتْ امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا تَسْأَلُ فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي شَيْئًا غَيْرَ تَمْرَةٍ فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا ، فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا ، وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا ، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا فَأَخْبَرْتُهُ ، فَقَالَ : مَنْ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنْ النَّارِ )) وفي رواية (( فَقَالَ : مَنْ يَلِي مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ شَيْئًا فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنْ النَّارِ )) أخرجه بخاري ومسلم.

ومن ألطف ما ورد في السنة النبوية الحديث الذي أخرجه أحمد وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة عن عقبة ابن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تكرهوا البنات، فإنهن المؤنسات الغاليات)).

وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله: صلى الله عليه وسلم: (( من كان له ثلاث بنات، أو ثلاث أخوات، أو ابنتان، أو أختان، فأحسن صحبتهن، واتقى الله فيهن فله الجنة) (رواه الترمذي.

وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( من عال ثلاث بنات فأدبهن وزوجهن وأحسن إليهن فله الجنة))، وفي رواية قال: (( ثلاث أخوات أو ثلاث بنات أو بنتان أو أختان )) رواه أبوداود.
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:  (( من أنفق على ابنتين أو أختين أو ذواتي قرابة يحتسب النفقة عليهما حتى يغنيهما الله من فضله عز وجل أو يكفيهما كانتا له سترا من النار)) رواه أحمد.

يتبع…

المقال المقبل: مواثيق الأمم المتحدة من وجهة نظر إسلامية.

 

د. عبد الرزاق مقري