بيان السياسة العامة: ” بعد الحراك: استمرار التيه”

كما هي عادتنا عند كل مناسبة للتقييم الحكومي منذ العهد السابق نقدم آراءنا وملاحظاتنا وبدائلنا.

يفعل ذلك نوابنا بكل كفاءة واقتدار من خلال الدراسة الجماعية وما يقدمه المتخصصون في أيامهم الدراسية وما تجود به اللجان القطاعية المتخصصة للحركة، وما يظهر من أداءات فردية متميزة لرجالنا في داخل البرلمان وخارجه.

وأضيف من جهتي إلى هذه الجهود المباركة أثناء تلك المناسبات سلسلة مقالات علمية سياسية واقتصادية واجتماعية كما هي العادة. لقد نشرت مقالاتي عن مواقفنا في معارضة حكومات العهد السابق ضمن كتاب أمضيته في معرض الكتاب الدولي بالجزائر تحت عنوان: ” قبل الحراك: التيه الحكومي”.

وقد كتبت في هذا العهد “الجديد” سلسلة مقالات عن مخطط عمل الحكومة الحالي وعن بعض قوانين المالية، وسأضيف إليها مقالات أخرى عن بيان السياسة العامة وأصدر الكل، بإذن الله، في كتاب يقارب النهاية تحت عنوان: ” بعد الحراك: استمرار التيه”.

وأسأل الله تعالى أن يكون كل ما أكتبه خالصا لا نريد به إلا القيام بالواجب وخدمة بلدنا وأمتنا، كما أن نقدنا للحكومة لا يعني أن كل من الحكم فاسدون أو فاشلون، أنا شخصيا أعرف كثيرا من الصادقين أصحاب الكفاءة العالية، ولكن للأسف الشديد السير العام تائه، وأرباب الفساد والرداءة تأثيرهم مسيطر، وواجبنا أن نستمر في النضال إلى أن نحقق المعنى الحقيقي للحكم الراشد الذي تتحدث عنه آثاره في حياة الناس وليس التقارير التي لا تقنع حتى أصحابها.

إن ما ورد في بيان السياسة العامة يؤكد بأن البلد يحتاج إلى التغيير ويؤكد صوابية تواجهاتنا كحزب وطني معارض ينقد وينصح ويؤهل نفسه كل يوم ليكون هو البديل، وهو نقطة الالتقاء للوطنيين الصادقين في كل مكان، أولئك الذين يمارسون السياسة من أجل خدمة البلد وإسعاد الشعب والاستئناف الحضاري للأمة، وليس من أجل الكرسي ومنافعه العابرة وجاهه الزائل.

وكما أعطتنا الأيام الحق وباركت بقاءنا في الساحة، واستمرار نضالنا، وتحقيق نتائج تؤكدها الأرقام الصماء والأوضاع المشهودة للعيان، رغم الصعوبات والتحديات، ستؤكد الأيام صوابية مواقفنا وآرائنا مرة أخرى، ليس لأننا أفضل من غيرنا استشرافا وأعلم ممن في الساحة، ولكن لأننا تحملنا مسؤولية التعبير عن مواقفنا في كل الظروف، متوكلين على الله، وعرّضنا أنفسنا لكل السهام والتآمرات من كل حدب وصوب، لم نختف و لم نتوار كما أراده خصومنا، أو كما يفعله بعض الحسّابين – من مختلف الأحزاب والتيارات – الذين رفعوا رؤسهم وقت الحراك ثم اختفوا، وبقوا يتربصون لعل الأيام تجود عليهم بمكاسب دون نضال في سائر الأيام، فتضعهم كحبة “حب الملوك فوق الكعكة المُجهّزة”.

أما نحن فقد حَسِبنا لصالح بلدنا وأمتنا وحركتنا، ولم نحسب لصالح أنفسنا وطموحاتنا، متيقنين بأن الأمر لله كله، هو الضار والنافع وحده جل في علاه. نعم نقولها بملء الفيه، لم نحسب لأنفسنا، حسبنا فقط لصالح مبادئنا وبلدنا، ونحن واثقون، في الله ثم في مناضلينا وفي شعبنا، بأن جهدنا لن يذهب سدى. لا يخيفنا اختلال موازين القوة لصالح من بيدهم الحكم أبدا.

نحن سادة دراسات علم السنن، نحن متسلحون بالعلم في عملنا السياسي، كُتبنا المفضلة هي مقدمة ابن خلدون وشروط النهضة لمالك بن نبي وما كتبه المعاصرون بمختلف اللغاة عن نهوض وسقوط الدول والأمم.

نحن نعرف كيف يصبح القوي – الذي يصل بقوته إلى أن “يتربب” فيعبده الضعفاء – كيف يضعف هو ذاته ويزول حين يتكبر فلا يصلح نفسه، ونعرف كيف يصبح الضعفاء الذين يزدريهم المتزلفون والساذجون أقوياء حين يكونون صادقين وجادين ومضحين وفاعلين، وقد يحدث ذلك بين عشية وضحاها من حيث لا يحتسبون. .. ولا يقين بذلك في معيار الزمن، إنما هي تقديرات، فلا نضيق بالدهر وتقلباته ولا نضجر. ” فإن الله هو الدهر يقلب ليله ونهاره”.

إنما علينا الجهد المتبصر، وجهدنا مستمر بحول الله، لا توقفه التحولات والتطورات، وقد عملنا لسنوات ليكون الأمر كذلك، ولا يضيع الله أجر المحسنين.

ومما يضمن استمرار هذا الجهد إلى أن يثمر فنكون في الحكم يوما ما نطبق برنامجنا لصالح البلاد والعباد، ضمن معايير ديموقراطية حقيقية وتوافق وطني صادق وفاعل، هو أن ما نقوم به، سواء على مستوى البرلمان، أو عبر الخطاب السياسي، أو في التجمعات والندوات، أو من خلال العمل الجواري، أو على مستوى العلاقات، إنما هو عمل جماعي تقوده قيادة جماعية في المكتب التنفيذي الوطني والقيادات المحلية وفي المؤسسات، كل واحد منهم في مستوى رئيس حزب سياسي، بمستوياتهم العالية، بتاريخهم، وثباتهم، وتضحياتهم، وأخلاقهم، وما أنفقوه من أوقاتهم ومن صحتهم، وما حققوه من نتائج على كل الأصعدة بعون الله وتوفيقه، حتى صارت الحركة مؤسسة كبيرة مستقرة منسجمة تسير على أصول التخطيط العصري والإدارة الاستراتيجية وفق رؤية ولجت أعماق الضمائر والنفوس، تتنقن إدارة التنوع والاختلاف في وجهات النظر ضمن لوائح وقوانين عادلة.

وحول هذه المنظومة القيادية ذات الكفاءة قاعدة نضالية في كامل التراب الوطني مضحية ومنشغلة في عمومها بالإنجاز، برهنت مرات ومرات على كامل الثقة في مسؤوليها، في إطار الحب المتبادل والتقدير الكامل، وحول هؤلاء المناضلين قاعدة شعبية وفية في كل أنحاء الوطن، هي بعد الله التي ضمنت التطور السياسي والاجتماعي للحركة وخففت عنا مظالم ومهالك التزوير الانتخابي بما جعلنا في موقع الريادة والشهادة على الناس.

نحن بحق، كما قال لي أحد المسؤولين السابقين الكبار في الدولة: حزب حكم (Un parti de gouvernement)، وسنناقش بيان السياسة العامة من هذا المنطق، من موقعنا كحزب معارض وفق ما تنص عليه الدستورية والقانونية … على ما فيها من قصور.

١ – مغالطات الأرقام ومؤشرات التيه…. ي

تبع..

د. عبد الرزاق مقري