عن مخطط عمل الحكومة (10)

أما عن موضوع الطاقة الذي تم التطرق إليه في مخطط عمل الحكومة ضمن القطاعات المساهمة في التنمية والنمو الاقتصادي من حيث تطوير هذا القطاع والفاعلية الطاقوية والطاقات المتجددة وكل ما يتعلق بالانتقال الطاقوي يجب أن يبدأ بتحديد الحكومة نوع المزج الطاقوي الذي تقترحه علينا وما هي نسبة كل مكون من مكوناته وما هي آجال تحقيق ذلك وما هي الآليات والإمكانات البشرية والمادية المرصودة لهذا التحدي الكبير.

وحينما لا تحدد هذه المعطيات القابلة للقياس معنى ذلك أنه لا توجد جدية في تطبيق ما كتب على الورق.  
  لقد قامت حركة مجتمع السلم بتقديم اقتراحات عملية بهذا الصدد في برنامجها، فصلتُها أكثر في كتابي الانتقال الطاقوي الذي سأعيد نشره بهذه المناسبة أثناء مناقشة برنامج الحكومة، مع التأكيد مرة أخرى بأنه سبق للحكومات السابقة أن تحدثت عن مشاريع ضخمة بهذا الصدد في زمن كانت فيه الإمكانيات عظيمة ثم تبخرت وذهبت أدراج الرياح. إن أول تدبير يجب القيام به لتحقيق الأمن الطاقوي هو تطوير قطاع المحروقات إذ يجب المحافظة على هذه الميزة التي نتمتع بها إلى أقصى حد ممكن ويدخل في هذا رفع مستوى الاسترجاع البترولي من الآبار الذي يعد منخفضا جدا في الجزائر بسبب شيخوخة الآبار الكبيرة وعدم التحكم في التكنولوجيا وسوء التسيير، والاستثمار في الاستكشاف في اليابسة وفي المحيط الإقليمي البحري، علاوة على تثمين وتطوير المنتجات البترولية التحويلية، والخفض من التبذير على مستوى تقنيات الحرق التي لا تزال مستعملة أو بالتسريبات والحوادث وغير ذلك، وكذلك التوقف عن التوسع في المولدات الكهربائية عن طريق الغاز في كل مكان لأغراض شعبوية مثل ما هو متواصل في هذا المخطط كذلك والبحث عن بدائل أخرى لتلبية حاجات السكان، وهناك بعض الإشارات الإيجابية من هذا في المخطط غير الكافية، علاوة على المحافظة على الحصص  الجزائرية في السوق الطاقوية العالمية، خصوصا أسواق الغاز حيث أن الجزائر بلد غازي أكثر منه بترولي،  والتحولات الكبرى في سوق الغاز أصبحت مهددة مع ظهور منافسة كبيرة. وبالرغم من أن الجزائر لم يعد لها ثقل في مفاوضات السوق العالمية البترولية على مستوى منظمة الأوبك والدول المنتجة بسبب تراجع حصتها الناتج عن تراجع الإنتاج فإنه ينبغي عليها المساهمة من خلال سمعتها وعلاقاتها للمحافظة على توازن الأسعار مناسب للمنتجين والمستهلكين حتى لا تقع تقلبات مفاجئة مهلكة لاستقرار الدول المنتجة التي ليس لها احتياطات كبيرة في الانتاج أو في احتياطي الصرف، وقد توصلنا  من خلال مطالعاتنا لمختلف الدراسات بأن السعر الذي يضمن التوازن هو في حدود 70 دولار للبرميل وهو ما أدرجناه في كتابنا الانتقال الطاقوي. ومن الإيجابي الذي لاحظناه في هذا المخطط هو عدم التطرق إلى مسألة إنتاج الغاز الصخري، ويبدو أن أصحاب القرار اقتنعوا بما رافعنا من أجله وكتبنا فيه الكثير بأن الغاز الصخري غير مجدي اقتصاديا في المرحلة الحالية بسبب عدم تحكمنا في التكنولوجيا المتعلقة به، وبسب انخفاض أسعار البترول التي لا تتناسب مع كلفة انتاج البرميل، وبسبب المخاطر البيئية خصوصا المخاطر على الطبقة الألبية المائية التي تعتبر ثروة أهم بكثير من ثروة البترول، خصوصا مع أزمة الماء الذي تعرفها الجزائر وما يمكن أن تقدمه هذه الطبقة  في تطوير صحرائنا وصناعة حياة مؤهلة لعمارتها مستقبلا. وأما إن كان هناك انتاج للغاز الصخري غير معلن فإن ذلك خيانة كبيرة سيحاسب المسؤولون عنها. 
وبالإضافة إلى تطوير قدراتنا الطاقوية الأحفورية ثمة ما يتعلق بالفاعلية الطاقوية التي كل ما تسير عليه الجزائر يتناقض مع ما هو مكتوب في المخطط ابتداء من طبيعة التشييد العمراني وبناء السكنات التي لا تخضع فقط لمقاييس الفاعلية الطاقوية بل مبذرة تبذيرا كبيرا للطاقة، إلى الاستهلاك المفرط للطاقة على مستوى النقل والصناعة وفي البيوت، إلى مختلف أنواع المقتنيات الكهرومنزلية وأدوات الإنارة وغير ذلك، فالفاعلية الطاقوية هي أولا ثقافة ثم أنماط عمرانية ثم مقاييس صناعية ثم ضوابط استهلاكية ثم قوانين وتدابير إدارية، ثم تدابير تحفيزية وردعية، والمسافة التي بيننا وبين هذا بعيدة جدا بالرغم من أن الحديث عن هذا الأمر المهم، المرتبط بأمننا الطاقوي ارتباطا مباشرا، كان قد بدأ منذ سنوات طويلة.         
أما ما يتعلق بالطاقات المتجددة فإن الجزائر تملك مؤهلات غير محدودة في هذا الشأن خصوصا ما يتعلق بالطاقة الشمسية حيث تملك الجزائر حقلا شمسيا من الحقول الثلاثة الأكبر في العالم من حيث السعة وساعات ومستوى الإشعاع الحراري الشمسي، ولا زال الجزائريون ينتظرون تفسيرات رسمية عن مشروع ديزارتيك مع الألمان لماذا ألغي وكيف تحول إلى دولة مجاورة ونجح نجاحا كبيرا هناك؟ ولماذا دول في إفريقيا صارت رائدة في المجال، بل السلطة الفلسطينية تحت الاحتلال حققت تقدما جيدا، وهناك دول بدون طاقة شمسية معتبرة حققت طفرات كبيرة وتحول إنتاج الطاقة الشمسية في البيوت عندها مصدرا ماليا إضافيا للسكان حيث يباع الفائض عن الحاجة المنزلية للدولة، علما بأن الطاقة الشمسية تعرف نسب نمو كبيرا في العالم، ومنها الطاقة الشمسية الكهروضوئية هو مصدر الطاقة الأسرع نموا في العالم، حيث وصل إلى نسبة نمو 22%على أساس سنوي في 2019 ويساهم بنحو 3% من مزيج الطاقة المولد عالميا، في حين وصل نمو الطاقة الشمسية الحرارية إلى نمو قدره 6.29%. وتستطيع الجزائر أن تكون نموذجا في نجاح هذه الطاقة المتجددة وتكون قطبا عالميا، وهي من الثروات المهدورة في بلادنا. علاوة على أنواع أخرى من الطاقة المتجددة تستطيع أن تحقق فيها الجزائر نجاحات معتبرة بسبب اتساع الإقليم وتنوع المناخ والمكونات الجيولوجية والبيئية ومن ذلك طاقة الرياح، والطاقة الكهرومائية التي يمكن أن تتطور لو يتوسع الاتجاه إلى تشييد السدود لأغراض متعددة، ثم هناك الطاقة التي يمكن استخلاصها من الكتلة الحيوية الزراعية والنفايات الصلبة والطاقة الحرارية الأرضية، علما بأن الجزائر أطلقت مشاريع كبرى وطموحة  في هذا الصدد شرحناها وقيمناها في كتابنا الانتقال الطاقوي، دون إهمال الطاقة النووية التي تعتبر المصدر الأساسي لإنتاج الكهرباء في العديد من الدول، وذلك رغم المخاطر المتعلقة بها والتي يمكن التحكم فيها بالتحكم العلمي والإداري. وحين نتكلم عن قطاع الطاقة والمناجم لا يمكن أن نتجاوز مسألة الفوضى الحاصلة في إنتاج الذهب والفساد الكبير المرتبط به، والاحتكار المضروب على إنتاج الفضة، وما يتعلق بكنز الأتربة النادرة التي لا يعلم الجزائريون ما يتوفر لدينا من احتياطات وما هي قدراتنا في استغلال هذه الريوع المهمة.
…. يتبع

د. عبد الرزاق مقري