عن قطع العلاقات مع المغرب

إن الدولة المغربية تأتي في الصنف الأول ضمن الدول العربية التي أضاعت سيادتها، فهي دولة وظيفية لا تملك قرارها، تشتغل لصالح فرنسا والكيان الصهيوني ضمن المحور الغربي والمظلة الأمريكية الأعلى.

والمغرب بلد ضعيف بدون مقدرات يعيش أزمات اقتصادية واجتماعية لم تستطع، أو لم ترد، دول المحور الذي ينتمي إليه إخراجه  منه، ويسعى نظامه لإشغال الرأي العام المغربي بإدخال الجزائر عنوة في موضوع ملف الصحراء الغربية، بالرغم من أن الحالة الراهنة هي ذاتها التي كانت زمن التقارب الجزائري المغربي أثناء حكم الشادلي والحسن الثاني، حينما اتفق البلدان على تحسين العلاقات ثم الشروع في تأسيس مشروع المغرب العربي دون اشتراط الاتفاق على ملف الصحراء، أي التقارب بين البلدين وترك موضوع الصحراء الغربية جانبا عند الأمم المتحدة. فالذي غير سياسته هو المخزن في زمن محمد السادس وليس الجزائر. وللضغط على الجزائر وجرها إلى واقع جديد اتجه المغرب إلى سياسة عدائية جديدة متصاعدة في ملفات خطيرة جدا خصوصا موضوع جلب الكيان الصهيوني إلى المنطقة رسميا بعد ما كان موجودا فعليا قبل فترة طويلة وتطبيع العلاقة الدبلوماسية علنيا ودعمه لإدخاله كعضو مراقب في الاتحاد الافريقي، وكذلك دعم تنظيم ” الماك” الانفصالي المرتبط علانية بالكيان الصهيوني والوصول بلا مواربة وبكل خسة إلى الدعوة الرسمية من قبل الممثل الدائم للمغرب في الأمم المتحدة إلى إقامة “دولة القبايل” في الجزائر، علاوة على الحرب القائمة من خلال التصدير الإجرامي للمخدرات إلى الجزائر، علما بأن المغرب من أبرز البلدان تصديرا  للعالم  القنب الهندي (الكيف أو الحشيش) مثلها مثل أفغانستان  وقدد قرر الترسيم القانوني لزراعته وإنتاجه.
رغم كل هذا يُعتبر قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب قرارا متسرعا كان يفترض مشاورة الشركاء السياسيين في الموالاة وفي المعارضة بشأنه – كما تفعل الدول الديمقراطية في مثل هذه الأمور  الهامة ذات الأثر المتعدي – لو كان النظام السياسي الجزائري يؤمن حقيقة بالأحزاب والوجود الطبيعي والمفيد للمعارضة.
إن حركة مجتمع السلم، على سبيل المثال، ليست جهازا ملحقا بالحكومة عليه أن يؤيد ويشرح موقفها. وبالإضافة إلى ذلك فإن قطع العلاقات مع بلد شقيق، مهما كانت عدوانية نظامه على بلادنا، ليس بالأمر الهيمن، وقد حدث أن بلدان في حالة حرب ولا تقطع العلاقات وتترك مجالا للديبلوماسية.
ولئن كانت العلاقات السياسية والاقتصادية مقطوعة فعليا بين البلدين منذ سنوات، لم يكن الأمر يتطلب تعميق آثار الأزمة على المستوى الاجتماعي بين الشعبين للترابط الوثيق بين الناس العاديين العابر للحدود وللسياسة بين البلدين،  وعلى المستوى المعنوي في الساحة العربية كلها، التي ضجر سكانها من التشتت والضعف الذي هم فيه. كان يمكن تخفيض مستوى التمثيل كرسالة للنظام المغربي وحلفائه، مع أخذ كل الاحتياطات الصارمة لمنع الاختراق الصهيوني عن طريق المغرب، بسبب أن التطبيع المغربي هو الأخطر في العالم العربي بسبب بعده الاجتماعي.

وإذا كان السبب المباشر  لقطع العلاقات هو دعم منظمة الماك الانفصالية فإن فرنسا تأوي رأس هذا التنظيم وتوفر له الحماية والدعم، وعناصره الأشرس والأكثر تطرفا موجودين على أرض هذا البلد، وإذا كانت الخلفية هي التطبيع الرسمي فإن دولة الإمارات هي عرابته عند العرب ومشجعته وداعمته في منطقتنا، كما أن أكبر عراب للكيان الصهيوني في أفريقيا هي فرنسا، وما الدولة المغربية في هذا الموضوع وفي هذه الساحة إلا خادمة لأسيادها، وما ابتهاج مدير مكتب وكالة الأنباء المغربية (الرسمية) بعضوية الكيان في الاتحاد الافريقي الا رجع صدى للابتهاج الصهيوفرنسي،  علاوة على أن مصائبنا الثقافية والاقتصادية الأكبر تأتينا دائما من فرنسا ولوبياتها، وقد نبين لاحقا بالأمثلة الساطعة كيف نجت المصالح الفرنسية من موجة الحراك الشعبي، بل زادت، بالرغم بأن فضائحها هي التي سلط عليها الحراكيون الأصلاء الضوء بالأدلة والعبارات الأكثر وضوحا أثناء الحراك الشعبي، ويجب أن نتذكر ذلك الشعار الذي زلزل شوارع العاصمة في جمعاته الأولى “ماكانش الخامسة يا ولاد فرانسا” .
وفي الأخير يجب أن نقولها بكل صراحة بأن الجزائر كانت قادرة على الريادة المغاربية بالتفوق والتميز في مختلف الجوانب، خاصة في الجانب الاقتصادي بما يمنع المغرب من أن يتحول إلى وكيل للصهاينة وقوى الاستعمار  كما هو الآن، وكان للجزائر كل الإمكانيات لذلك لو لا فساد العصابة التي جعلتنا بلدا ضعيفا يطمع نظام المخزن العميل في الاستثمار في ظروفنا الصعبة لتغيير الحدود الراسخة في العلاقة بين البلدين رغم مشكلة الصحراء الغربية.

ومع الفرص الضائعة نقول  بأن الحل الجذري في العلاقة مع المغرب، في حالة انسداد الأفق وعدم القدرة على حل المشكل بالحوار، هو التفوق والارتفاع عن الندية ولا يزال الأمر ممكنا.

إن الحل لمشكلة المغرب هو نهضة الجزائر على كل الأصدعة وخاصة على الصعيد الاقتصادي والدبلوماسي  وبتمتين الجبهة الشعبية على أسس ديمقراطية حقيقية وليس بالاعتماد على أصوات الانتهازية، الأكثر ابتهاجا بقطع العلاقة مع المغرب من النظام السياسي نفسه.

وفي حالة استمرار النظام المغربي في غيّه أحسن طريقة لتجاوزه مغاربيا ليس قطع العلاقات ولكن القدرة على إعانة الأشقاء التوانسة والليبيين لحل مشاكلهم والسعي لتحقيق وحدة المغرب العربي بدون المغرب – فلا مغرب عربي أبدا دون الجزائر-  إلى أن يعود إلى وضعية ما قبل التطبيع  ويترك دعم الحركة الانفصالية على الأقل، مع ضرورة الاهتمام بالعمق الافريقي، والمساهمة في محاصرة المخططات الفرنسية والمغربية والصهيونية الدعائية للجزائر وفلسطين  في هذا العمق الاستراتيجي، وعدم الثقة في أي تنسيق مع فرنسا في الساحل لأنها هي المسؤولة عن كل مآسي الأفارقة كما يقول المثقفون الأفارقة أنفسهم.

ويكون الوجود الفاعل في أفريقيا بالتعاون مع الأشقاء والأصدقاء القدماء ذوي الثقل الأفريقي والتعاون مع القوى الدولية الصاعدة المهتمة بأفريقيا.

د. عبد الرزاق مقري