كلام متداخل في السياسة : نعم ولكن؟

أثير نقاش لدى بعض المهتمين بالشأن السياسي حول إعلان جاهزيتنا لخوض غمار الانتخابات، ويقولون أنه يجب تأجيل الانتخابات وأن الأولوية للتغيير والإصلاح السياسي ،

ولكن السؤال المحير هو لماذا لم يساعدنا هؤلاء حينما دعونا قبل الحراك إلى ” الإصلاحات قبل الانتخابات”؟ وإلى تغيير الدستور وقانون الانتخابات وإنشاء لجنة وطنية مستقلة لتنظيم الانتخابات، وكل هذا بالحوار  وبالتوافق الوطني ولو اضطرّنا الأمر إلى تأجيل الانتخابات من ستة أشهر إلى سنة؟ مع منع العهدة الخامسة للرئيس بوتفليقة وتمديد عهدته، ورفض فرض شخصية أخرى بدله من داخل سرايا الحكم دون توافق، كما أعلنا عنه في وقته ونشرنا وثائقه وتقاريره بأسماء المعنيين من السلطة والمعارضة، وكذلك لماذا لم يسند هؤلاء ملتقى الحوار في عين بنيان من أجل ضمان مسار إصلاحات ومسار انتخابي متفق عليه؟
لقد علمتنا التجربة بأن كثيرا من المواقف في شأننا السياسي أساسها الأنانية والحسابات الشخصية والحزبية والجهوية والفئوية والمصلحية، والقليل بيننا من يثق في اختيار الشعب الجزائري ويجتهد للمصلحة العامة حقيقة.
نحن جاهزون، في حركة مجتمع السلم، في أي وقت للحوار الجاد والتوافق الوطني الصادق ولكن لسنا ساجذين ولن ننتظر الأوهام، ونحن جاهزون فعليا للمنافسة الانتخابية. ونقول للجميع:
نعم للحريات، نعم للتغيير والإصلاح السياسي، نعم لضمانات نزاهة الانتخابات، نعم لتمدين العمل السياسي، نعم لحرية الإعلام، نعم لحرية تأسيس الأحزاب والجمعيات، نعم لاستقلالية القضاء، نعم لحرية المظاهرات والمسيرات،  نعم لإطلاق سراح سجناء الرأي، نعم لميزان قوة سياسي لصالح التغيير، نعم لحماية البلد من التدخلات الأجنبية، نعم لحماية الاقتصاد من الفساد وتبديد الثروة وخدمة مصالح الأجانب واللوبيات المهيمنة… نعم للحوار حول كل هذا… ولكن كيف يمكن بناء مؤسسات شرعية وقوية وذات مصداقية تضمن كل هذا بدون انتخابات تجسد الإرادة الشعبية؟ هل سنظل ننتظر ظهور أحزاب قادرة على المنافسة حتى ننظم انتخابات؟ انتخابات تبقى تؤجل بلا رؤية ولا اتفاق حتى نخرج من الإطار الدستوري وننتقل من الشرعية المنقوصة إلى غياب الشرعية كليه ثم نضيع جميعا؟ لمصلحة من هذا؟ أليس هذا لمصلحة النظام السياسي ولمصلحة الأقليات النافذة؟ ألم يُظهر الوضع الذي وصلنا إليه  فشل المرحلة الانتقالية التي جاءت بعد إلغاء الانتخابات سنة 1992؟ ألم نستفد من فشل المؤسسات التي أقيمت بالتعيين؟ ثم ألم تخدعنا الأوهام بأن هناك من ينزل من السماء لحماية الوطن وحماية ثوابته وحماية الإرادة الشعبية ويعفينا نحن من التضحية والنضال السياسي؟ ألم نجد أنفسنا أمام الأمر الواقع الذي نضطر للتعامل معه حين تركنا المشاركة السياسية ضمن المتاح؟ ألم يحن الوقت لنفهم بأن السياسة في الأخير هي ما يتحقق فعليا في مسار المقاومة السياسية السلمية الهادفة، إما جذريا أو على مراحل بما تتيحه الظروف وعزائم الرحال؟  إما عن  طريق  الشارع برؤى وطنية سلمية هادفة أو عن طريق الانتخابات مهما كانت هوامشها المتاحة؟ ألم ندرك أن أن أسوء السياسيين هم الذين يتكلمون كثيرا ولكن لا يفعلون شيئا سوى الكلام والخصومات المعيقة الفارغة؟ نعم نحن جاهزون للتعاون مع من يعمل ويحترم الغير وله الاستعداد للتنازل ولكن في نفس الوقت نحن جاهزون لرفع التحديات قياما بالواجب ثم ثقة بأنفسنا.
عبد الرزاق مقري.