السيناريوهات المستقبلية في الجزائر ورؤيتنا لتخطي الأزمة “04”

السيناريوهات المستقبلية:

عرضت في المقال السابق الحلول السياسية التي نقترحها ضمن سلسلة مقالات تتعلق بالسيناريوهات المستقبلية ورؤيتنا لتخطي الأزمة التي توشك الجزائر أن تتعثر فيها على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وربما الأمنية، وعلى أساس هذه الرؤية وحظوظها في التجسيد على أرض الواقع يمكننا أن نرسم توقعات مستقبل الجزائر بعد الانتخابات التشريعية وفق هذه السيناريوهات الثلاثة:

1 ـ السيناريو المشرق: وقوع انتخابات حرة ونزيهة وذات مصداقية والانخراط في الرؤية السياسية التوافقية التي ذكرناها في المقال السابق وعندئذ ستتجه الجزائر نحو المشهد المشرق الذي رسمناه المقال السابق ذاته.

2 ـ تزوير الانتخابات والفشل في تحقيق التوافق وفرض سياسة الأمر الواقع وعندئذ ستتجه الجزائر إلى أحد السيناريوهين الآتيين:

أ ـ سيناريو الانفلات والعياذ بالله حيث ستتافقم الأزمة بين نهاية 2017

و2018 و2019 كما أوضحناه سابقا وتجد الحكومة ـ أو الحكومات التي ستتغير كثيرا ـ عاجزة على مواجهة الشعب الجزائري الغاضب، ويتوقف قلمي حقيقة عن التعبير عن ملامح هذا السيناريو، نسأل الله العافية، غير أني أقول بأن أي مكروه يصيب الجزائر في هذه الحالة سيكون المسؤول الوحيد عنه هم من بيدهم الحكم اليوم.

ب ـ سيناريو الأزمات الدائرية: الدخول في مسلسل أزمات دائرية متفاقمة قد تطول ولكن دون حدوث انفلات في بادئ الأمر وقد تتطور هذه الأزمات الدائرية إلى أحد السيناريوهين:

ـ إما العودة للسيناريو (1) أي السيناريو المشرق وتحقيق التوافق بين الجزائريين ضمن ظروف أصعب في لحظة ما تتوفر فيها شروط الانتقال الاقتصادي والسياسي، إما باستفاقة على مستوى أصحاب القرار من داخل النظام السياسي بالنظر للصعوبات التي ستواجههم والمخاطر الكبرى التي تفرض نفسها عليهم، أو من خلال تغيّر ميزان القوة بصعود أحزاب معارضة عاقلة تقدر على فرض قواعد لعبة جديدة تحفظ الجزائر من الانفلات ولكن تفرض على السلطة القائمة آنذاك إرادتها لمصلحة الجزائر، وستكون هذه الأحزاب المعارضة على قدر كاف من القوة الشعبية من خلال حالة وعي جماهيري جديد ينتجها زوال الوهم وإدراك حقيقة التحذيرات التي نبهت إليها الأحزاب والشخصيات السياسية عبر سنوات من الصبر والمقاومة السياسية.

ـ وإما فقدان التوازن في لحظة ما والدخول في السيناريو (2-أ) في حالة استماتة من بيدهم الأمر في تعنتهم وفشلهم في الاستجابة لاحتياجات المواطنين وغياب أحزاب ووسائط مجتمعية قوية تقدر على تأطير الجمهور الغاضب في ذلك الوقت.

قد يقول قائل ولكنك لم تذكر سيناريو آخر ولو على سبيل الافتراض وهو أن يصلح هذا النظام الحاكم دون الحاجة لكل هذا ويتكفل وحده دون غيره بإخراج البلاد من الأزمة التي صنعها بنفسه، وجوابي في ذلك أن هذا السيناريو بعيد المنال ولا يصح التفكير فيه، إذ هو تسليم الجزائر لسلطة أكدت عدم قدرتها مرات ومرات ومرات على تحقيق ذلك. ليس من العقل، وليس من المسؤولية وليس من المصلحة الوطنية أن نفكر في هذا أو نتبع هذا الوهم، فالذي عجز عن تحقيق هذا في زمن البحبوحة المالية ضمن ظروف سياسية وأمنية وإقليمية ودولية مثالية هو أعجز على تحقيق ذلك في زمن التقشف ضمن ظروف سياسية وأمنية وإقليمية ودولية صعبة. إن التجربة البشرية في مختلف القارات ضمن ظروف مشابهة أثبتت بأن تحقيق ذلك غيرُ ممكن، وعلاوة عن كل ذلك كتاب الله يرشدنا إلى الحذر من هذه الأوهام وفق قوله سبحانه: (( ..إن الله لا يصلح عمل المفسدين)) يونس 81، وقولِه (( .. ولو دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض)) البقرة 251 وقوله ((كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى)) العلق 6-7.

هذا عن السيناريوهات الممكنة المتعلقة بالجزائر كلها فما هي السيناريوهات حركة مجتمع السلم.

لا بد من التأكيد قبل ذكر ذلك بأن حيرتنا في حركة مجتمع السلم هي على الجزائر وليس على حركتنا. حركتُنا أعدت نفسها لكل السيناريوهات وهي في كل الأحوال ستكون بإذن الله واقفة شامخة لا يحدوها إلا البحث عن الموقع الذي تخدم منه بلدها وفق السيناريوهات الآتية:

1 ـ تكون الانتخابات ذات مصداقية، وتنجح الحركة في الانتخابات وتستطيع أن تصل في مفاوضاتها من أجل التوافق مع المعنيين إلى مستوى الشراكة الذي يمكنها من أن تساهم في خدمة الجزائر كشريك حقيقي وليس مجرد واجهة لنظام لا تعرف أين يتجه، فتساند الحركة في هذه الحالة الحكومة بأن تكون طرفا فيها، أو أن تساندها مساندة ناقدة من خارجها للاحتياط وفق مستوى الاتفاق لمصلحة الجزائر.

2 ـ تكون الانتخابات مزورة أو لا تنجح الحركة في الانتخابات أو لا تصل إلى اتفاق يسمح لها بأن تنتقل إلى الشراكة المأمولة التي طالبنا بها في أواخر فترة وجودنا في التحالف الرئاسي، ويطلب منها أن تكون مجرد ديكور يهتم وزراؤها بقطاعاتهم ولا شأن لهم ولا لحركتهم بوجهة البلاد: وفي هذه الحالة سنبقى ملتزمين بسياسة المؤتمر الخامس، أي نحافظ على وجودنا في المعارضة على أن يكون همنا هو الانتشار التنيظمي والهيكلي والشرائحي في كل أنحاء الوطن، كما سنعمل على إعادة بعث العمل المشترك مع الطبقة السياسية المعارضة الفاعلة على ضوء التجربة الفارطة بما يجعلنا في الحركة وضمن التنسيق مع الغير قادرين على تأطير المواطنين بما يساعد على الانتقال إلى السيناريو (1) حين تتوفر الظروف، وتجنب الذهاب للسيناريو(2ـ أ) بالنسبة للسيناريوهات المتعلقة بالجزائر على النحو الذي ذكرناه أعلاه.

هذه استشرافاتنا التي ستعمق النظر فيها مؤسساتنا بعد الانتخابات التشريعية بكل مسؤولية وبكل سيادة، وسيتحمل كل منا مسؤوليته تجاه تلك القرارت.

إن الحركة تأخذ هذه الأمور بجد، ولا تهزل أبدا في نظراتها واستشرافاتها، كما لا تتهاون في إعداد نفسها لتكون قادرة على التعامل مع كل هذه الاحتمالات، لأن الأمر يتعلق بوطن بات أمانة في أعناق جيلنا، نحن جيل الاستقلال ورثة جيل الثورة بعد أن أصبحنا في الصف الأول من حيث تحمل المسؤولية، كما أن الأمر يتعلق بمصير أبنائنا وأحفادنا حتى نسلم لهم وطنا آمنا مزدهرا، تشارك طلائعهم الواجب معنا اليوم ولكنهم سيعيشون فيه وحدهم غدا فلا نريد أن يلعنونا حين نغادرهم، بل نريد أن يترحموا علينا وأن يكون كل ما يقومون به غدا حسنات جارية تلحقنا في قبورنا حيث يزول بهرج المناصب والأضواء ومتاع الدنيا وغرورها. كما أن الأمر يتعلق بمصير أمة وبمصير فلسطين إذ ستقوى الأمة وتشفى من جراحها وتتحرر فلسطين إن قويت الجزائر وسلمت، وستزداد أزمات الأمة وينتهي ريحها وتذهب معها فلسطين إذا ضعفت الجزائر وغرقت في أوحال أزماتها.

إن الانتخابات المقبلة فرصة لمعانقة السيناريو المشرق، وإن الحركة المؤهلة أكثر من غيرها لتكون طرفا أساسيا في تجدسيد هذا السيناريو هي حركة مجتمع السلم، ووجودها في البرلمان بكتلة طلائعية قوية فاعلة أمر طبيعي يدل على نزاهة الانتخابات، وعكس ذلك هو تزوير الواقع والحقائق الميدانية على الأرض. لم نكن حزبا نائما في السنوات الماضية، ولم تكن هياكلنا في سبات، ولم يكن مناضلونا ومناضلاتنا في دعة من أمرهم. لم نتوقف عن العمل ليل نهار ، كل أيامنا كانت من أجل بناء حركة قوية عصرية تعتمد الاستشراف والفكر والتخطيط، وترتكز على الانتشار في كل أنحاء الوطن وعلى تنمية عدد أعضائها ومناصريها وعلى تأطير الشباب والنساء ومختلف الشرائح سواء داخلها ضمن الوظيفة الحزبية أو بالتوجيه نحو مختلف مؤسسات المجتمع المدني ضمن نظرية الفصل الوظيفي بين الحزبي والدعوي، وبين الحزبي ومختلف الوظائف المجتمعية الأخرى غير الحزبية. وقد مكننا هذا من توسيع دائرة التأثير في مختلف سبل الخيرات، كما سهل لنا ذلك التفرغ للسياحة في أرض الجزائر للقاء مع الجزائريين عبر كل الولايات طيلة سنة 2016 وإلى هذا من سنة 2017، شارك في هذه الزيارات رئيس الحركة وكل أعضاء المكتب التنفيذي الوطني لتوعية المواطنين وشرح رؤانا ومواقفنا، وقمنا ب180 عملا جواريا للاستماع لانشغالات المواطنين، وتحميلهم مسؤولية دعمنا لنقدر على حل مشاكلهم، ولكسب ودهم وتعاطفهم، كما استطعنا ان نملأ الساحة الإعلامية بمداخلات قادة الحركة الذين تألقوا بكفاءتهم وبراعتهم في دفاعهم عن حركتهم ووطنهم وقضايا أمتهم، كما قدرنا على إنشاء مؤسسة خاصة ببلورة الرؤى والبرامج القطاعية من خلال أحسن كفاءاتنا لنقابل الحكومة ببراعة واقتدار سواء من حيث مراقبتُها أواقتراح البدائل الأفضل، وقد توصلنا إلى بلورة رؤية اقتصادية شاملة وبرامج قطاعية ل36 قطاعا. كما استطاعت كتلتنا البرلمانية أن تتميز بعطائها في وجه الحكومة نصحا ونقدا ومساءلات كتابية وشفاهية ومشاريع قانوينة ومداخلات علمية جريئة وحكيمة وقد سطع نجمهم في مناقشة قانون المالية 2016 و2017 وكانوا سببا للوعي العام الذي وصل إليه الجزائريون تجاه ما يعد لهم من هاذين القانونين، حتى نال نوابنا اعتراف وتقدير القريب والبعيد، كما تميز منتخبونا المحليون بكفاءة عالية في حدود الصلاحيات المحدودة الممنوحة للمنتخب المحلي فصنعنا في العديد من البلديات نماذج للنجاح لا يستطيع أحد مواراتها، كما توصلنا بفضل الله ان نوسع شبكة علاقاتنا الخارجية سواء في داخل الوطن حيث صارت الحركة هي بيضة القبان، الكل يرغب في دعمها، والكل يغضب من بعدها، والكثير يغار من أدائها، فاستطاعت رغم الصعوبات أن تحفظ علاقتها مع الجميع وأن تساهم في نشر ثقافة التعايش وتقبل الآخر والصبر على الخلاف وتجنب المهاترات، والتركيز على الهم الأكبر والتخلي عن سفاسف الأمور، فكانت بحق من أهم من ساهم في جمع المعارضة والإبقاء على مؤسساتها التشاركية الجديدة كالهيئة والتنسيقية رغم الاختلاف في وجهات النظر والتباين في المواقف والسياسات. كما أستطاعت أن يمتد نشاطها خارج الوطن فكانت بحق من أكبر الحركات الإسلامية التي تساهم في تطوير الفكر الإسلامي ونقل الحركة الإسلامية كلها إلى مستوى وفكر ومهارات العهد الدولي الجديد سواء على مستوى منتدى كوالالمبور أو ملتقى العدالة والديموقراطية أو التنسيق المغاربي أو الزيارات الثنائية في مختلف الدول، كما استطاعت ضمن نشاطها الخارجي ان تحتل المراتب الأولى شعبيا في دعم القضية الفلسطينية باعتراف أصحاب القضية ذاتهم.

وأما الإنجاز المبارك الأخير الذي ختمنا به سنة 2016 هو الوحدة الاندماجية التنظيمية مع إخواننا في جبهة التغيير، وحدة طبيعية لا غرابة فيها بين إخوة كانوا معا ورجعوا إلى بعضهم بعضا في سابقة غير مرصودة في الساحة السياسية والإسلامية. وحدة دفعنا إليها الواجب حين اجتمعت ظروفها المساعدة، وحدة سنبقى نسعى لنكملها على ما تركنا عليه الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله فكرة ومنهاجا وتنظيما. وحدة توصلنا إليها مع أحبائنا في جبهة التغيير بعد مسار طويل، لا شأن له بالانتخابات ابتداء كما يقول بعضهم. لقد أثبتت الحركة بأنها قادرة على جمع التوقيعات إذ جمعت حيث لم يفرض عليها القانون ذلك، وقد اتضح بأن قرار وزارة الداخلية إعفاء أحزاب تكتل الجزائر الخضراء من جمع التوقيعات هو في مصلحة غيرنا أكثر من مصلحة حركتنا، فحركتنا هي الطرف الأساسي الذي وفر النصاب القانوني في كل الولايات باسم تكتل الجزائر الخضراء، ونحن أسعد الناس ولا شك بأن يستفيد من ذلك شركاؤنا السابقون ومن استفاد منهم ممن لم يكن معنا في التكتل، فهؤلاء كلهم إخواننا وواجبنا أن نسعى للتقارب بيننا مهما كانت الإكراهات بما يخدم مشروعنا ووطننا وأمتنا.

كما أن وحدتنا لا علاقة لها بالنتيجة الانتخابيية، إن وحدة الإسلاميين مجتمعين لن تؤثر في موازين القوة في الوقت الراهن. لا يزال النظام السياسي يستطيع أن يزور الانتخابات ويفرض إرادته ولا يستطيع الإسلاميون أن يفعلوا شيئا حيال ذلك. إن أي سلطة حاكمة مزورة في العالم تتوقف عن التزوير حين تعلم بأن الثمن الذي تدفعه إذا زورت الانتخابات سيكون فادحا. ولا يكون ذلك إلا حينما تستطيع الأحزاب حماية أصواتها بتيار شعبي قوي يقبل الخروج للشارع ليدافع عن أصواته سلميا، وهذا غير متاح في الجزائر الآن بسبب جراح مأساة التسعينيات وبسبب ما يحدث في المشرق وخصوصا سوريا، وبسبب بقاء آثار البحبوحة المالية وبسبب روح المسؤولية الوطنية التي تتحلى بها الأحزاب وفي مقدمتهم حركتنا التي إسمها السلم. إن الشيء الوحيد الذي يضمن نزاهة الانتخبات هو تحرك النخوة الوطنية داخل النظام السياسي (وهي موجودة بقوة داخل الدولة الجزائرية)، حين يدرك هؤلاء بأن الجزائر ستواجه أزمة اقتصادية شديدة ضمن محيط أقليمي ودولي متربص لا تنفع معه المؤسسات الهشة.

إن كل ما نقوم به مما ذكرته ومما لم أذكره هو واجب نريد به وجه الله أولا ، ثم هو واجب تجاه وطننا وأمتنا، ثم هو ضرورة قصوى لمواجهة المخاطر الدولية الجديدة المتعلقة بتغيير موازين القوة العالمية، التي توشك فيها الصين أن تصبح القوة الاقتصادية الأولى في العالم وهي تعد نفسها استراتيجيا وعسكريا على غير عادتها لمواجهة أمريكا حماية لمصالحها، والتي صارت فيها روسيا لاعبا أساسيا تحرك بياطق الشرق الأوسط كما تشاء من أجل مصالحها خلفا لأمريكا والغرب كله. إن تراجع القوة الغربية التقليدية الأمريكية والأوربية أنتج فراغا كبيرا مهد لصعود اليمين المتطرف الذي جعل الإسلام هدفه الأول والذي تنبئ أفكاره وخطابه باقتراب محنة صعبة يكون ضحيتها المسلمون في تلك البلاد وقد يتحول الأمر إلى مواجهات أبعد من ذلك. وفي ظل تلك الظروف الصعبة كلها يتجه المشرق العربي نحو التفكك والحروب الطائفية التي تغذيها قوى إقليمية تستغل ضعف العالم السني، مما جعل فلسطين معزولة محاصرة بانشغال المسلمين عنها، ومعزولة ومحاصرة بكيد الكيان الصهيوني الذي تفرد بها، يهدد مقدساتها بالتهويد وووجودها بالإستيطان ولو لا صمود المقاومة القسامية في غزة وصمود ثورة الدحس والسكاكين في القدس والضفة لانتهى أمرها.

إن كل هذه السيناريوهات المحلية والدولية وكل هذه المخاطر الوطنية والإقليمية والدولية هي التي جعلتنا نعد أنفسنا بقدر ما نستطيع وهي التي جعلتنا نقول لشعوبنا وحكامنا في كل العالم العربي والإسلامي: إن الزمن والظروف لا تسمح بالاختلاف بيننا لنضع أيدينا في أيدي بعضنا صفا واحدا من أجل حماية أوطاننا وحماية أمتنا. اللهم فاشهد اللهم قد بلغنا.