ثانيا – موضوع #الصحراء_الغربية:
تابع المهتمون النشاط الكبير للسفيرة الأمريكية إليزابيث مور أوبين في هذه الشهور الأخيرة حيث انتقلت مرتين إلى تندوف تحت غطاء البعد الإنساني وزيارة المانحين بشكل مباشر، والتقت مع القيادية في جبهة البوليزاريو السيدة العزة بيبيه التي تتولى منصب والي مخيم اللاجئين في السمارة بتندوف وأخذت معها صورة ظهرت فيها من الخلف صورة رئيس البوليزاريو ورئيس الجمهورية الصحراوية بأرض اللجوء في تندوف الجزائرية، كما كان لها لقاءات مع العديد من المسؤولين الجزائريين على رأسهم قائد الأركان السيد سعيد شنقريحة حضره كل من الأمين العام لوزارة الدفاع الوطني وضباط ألوية وعمداء بوزارة الدفاع الوطني وأركان الجيش الوطني الشعبي حسب ما نقلته وكالة الأنباء الجزائرية، والتقت كذلك مع السيد رئيس الجمهورية ومسؤولين آخرين.
كما كان للمبعوث الخاص للأمم المتحدة الدبلوماسي السويدي-الإيطالي ديمستورا زيارات مكوكية للجزائر والمغرب وموريتانيا وتندوف والعيون.
وكما جاء في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة الذي عرضه على مجلس الأمن التقى ديمستورا مع جميع الأطراف للاستماع لآرائهم حول الحل السياسي، بما في ذلك “المنتخبين المحليين” والأعيان الصحراويين في مدينة الداخلة والعيون في الأراضي المحتلة الذين يؤيدون رؤية الحكم الذاتي المغربية.
ومن أهم المهام التي جاء من أجلها الدبلوماسي “جوشيا هاريس” إلى الجزائر، وفق ما بينه في لقائه الصحفي الذي نشرته السفارة الأمريكية في موقعها الالكتروني، مناقشة ملف الصحراء الغربية ومناقشة الحلول السياسية الواقعية في إطار مبدأ تقرير المصير.
إن الاهتمام المتصاعد للولايات الأمريكية بحل مشكل الصحراء الغربية يدل أن هذا البلد قد قرر الحسم في الموضوع، أو على الأقل عدم السماح بالانفلات في هذه المرحلة، وذلك لأسباب عديدة منها:- التوتر العسكري والأمني واستئناف القتال وإلغاء جبهة البوليزاريو اتفاق وقف إطلاق النار الموقع بينها وبين المغرب منذ عام 1991، واحتمال مزيد من التصعيد بما يمكن أن يؤدي إلى محاولة أحد الأطراف الحسم العسكري كأمر واقع بشكل من الأشكال.
– خوف الولايات الأمريكية المتحدة من أن تجد نفسها مضطرة للتدخل في أزمة مسلحة جديدة بالإضافة إلى تورطها في أوكرانيا وغزة دون نتائج تذكر إلى الآن، وإمكانية توسع الصراع إلى أطراف إقليمية ودولية يعقد حساباتها ويبعدها أكثر عن أولوية مواجهة الصين. – توفر فرصة لتعميق العلاقات الأمريكية الجزائرية بعد خيبة الأمل الجزائرية في دخولها لمنظمة البريكس وفتور علاقاتها نسبيا مع روسيا نتيجة لذلك، وعدم توصلها إلى علاقات اقتصادية استراتيجية مع الصين، علما بأن ثمة عناصر ثابتة لم تتزعزع في بناء العلاقات الأمريكية الجزائرية منها ما يتعلق بالأمن والشراكة في مكافحة الإرهاب وما يتعلق بالطاقة، علاوة على ثبات علاقة الجزائر المتينة مع الأوروبيين بسبب أنابيب الطاقة والتجارة والعلاقة المتميزة بين الرئيس الجزائري مع نظيره الفرنسي ماكرون.
غير أن الذي يجب الانتباه إليه هو أن المقاربة الأمريكية بقيت ذاتها بخصوص مقاربة الحل لملف الصحراء الغربية، وهي مقاربة الحكم الذاتي المغربية وقد أكد ذلك “جوشيا هاريس” بدون أي لبس في المقابلة الصحفية المشار إليها قائلا: “إن الولايات الأمريكية المتحدة تعتبر أن مقترح الحكم الذاتي المغربي مقترح جاد وواقعي وذو مصداقية ويمثل مقاربة محتملة يمكنها أن تستجيب لتطلعات الشعب الصحراوي” وهو الكلام الواضح البيّن الذي تحدثت بعكسه بعض وسائل الإعلام الجزائرية محاولة إيهام القرّاء الجزائريين بأن المسؤول الأمريكي دعم المقاربة الجزائرية الداعية إلى تطبيق قرار تقرير المصير الأممي.
وحقيقة لست أدري لماذا تستعمل بعض وسائل الإعلام الجزائرية هذا الأسلوب المربوط بحبل قصير سرعان ما يفتضح أمره وتظهر حقيقته.
وللأسف غياب النقاش الوطني في قضايا مهمة مثل هذه، واستمرار استماع الجزائريين إلى كلام واحد مكرر في وسائل الإعلام ومن قبل المتدخلين الإعلاميين يقولب العقول ويشكل غفلة كبيرة لدى الجزائريين عما يحاك عندنا وفي العالم، ولا يؤهل المواطنين للتعامل المسؤول مع التحولات والأزمات ويجعل الجميع تابعين لا رأي لهم، لا فائدة منهم للبلد من حيث أن ثمة من كبار المواطنين من يفكر بدلهم، فإذا ما ظهرت الحقيقة تقع خيبة أمل كبيرة تزيد في إحباط المواطنين كما وقع في قضية البريكس وغيرها.
والذي يجب الانتباه إليه مما يُفهم من الدمج بين المحافظة على مبدأ تقرير المصير والدفاع عن المقاربة المغربية من قبل الأمريكيين، وكتابة هذه المقاربة في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة الصادر في أكتوبر الماضي كخيار من الخيارات، وتداول الموضوع مع الصحراويين من قبل ديميستروا، يدل على أن المقصود من المحافظة على مبدأ تقرير المصير في ما يقوله الدبلوماسيون الأمريكانيون والأمميون إنما هو الدفع ليتجه تقرير المصير هذا نحو مقاربة الحكم الذاتي وأن على البوليزاريو أن يقبل ذلك وأن على الجزائر وموريتانيا المساعدة على ذلك، ولا تدل الصرامة التي يتحدث بها الأمريكان بأن ثمة خيار آخر جوهري يمكن التفكير فيه غير هذا.
وإذا علمنا أن أمريكا هي صاحبة اليد الطولى في أروقة الأمم المتحدة في هذا الموضوع وأن الدول العظمى الأخرى لا تهتم كثيرا بهذا الشأن لا يُتوقع وقوع تحول كبير في الملف يعاكس إرادة الأمريكيين.
فأمريكا كما قال “جوشيا هاريس” في مقابلته الصحفية المذكورة أعلاه: “هي حامل القلم لملف الصحراء الغربية لدى مجلس الأمن” وهو في هذا يضغط لعدم بقاء الفرقاء في المقاربات السابقة التي يقول عنها بأنها لم تحل المشكل ويوصي بالتحلي -حسب زعمه – ب”الإبداع والبراغماتية والواقعية” ويهدد تهديدا مبطنا بأن “بلده سيستعمل نفوذه للوصول إلى حل دائم يصلح للصحراويين”.
لا يهم ما نعرفه عن رأي الأمريكانيين في ملف الصحراء الغربية، فانحيازهم للأطروحة الرسمية المغربية معروف بل خيار المغرب هو خيارهم، واعتبارهم السلطة المغربية جزء تابعا وخادما في المحور الغربي غير خاف على أحد، وإنما الذي يهمنا هو ما الذي يريدونه من الجزائر، ما الذي يريدونه من بلدنا ضمن الوضع الدولي الجزائري الجديد الذي صنعته الأسباب التي ذكرناها أعلاه، وهي – مجددا – صدمة الإخفاق في الالتحاق بالبريكس وفتور العلاقة بروسيا وعدم نجاح الصينيين في الاستثمار في الجزائر بسبب البيروقراطية التي شكا منها الصينيون للعديد من السياسيين ومنه ما سمعته بنفسي في حفل أقاموه في قصر الثقافة بالجزائر العاصمة.
إن السؤال المطروح هو: هل استجدّ شيء ما في المقاربة الجزائرية في ملف الصحراء الغربية؟ وهل ستخضع السلطات الجزائرية للضغوطات أو الإغراءات الأمريكية؟ وهل ثمة حل مطروح على الجزائر يضمن مضي المقاربة المغربية مع امتيازات ما للجزائر وفق ما يمكن أن يفهم من جواب الدبلوماسي الأمريكي “جوشيا” حين سئل: ” هناك حلّان سياسيان: الاستقلال أو الحكم الذاتي.
فهل ناقشتم مع شركائكم الجزائريين إمكانية وجود حل ثالث بديل؟” فقال: “التحلي بالإبداع، البراغماتية والواقعية مطلوب، الحلول من نفس النوع التي أدّت إلى فشل المسار السياسي في السنوات الماضية لن تؤدي في الغالب إلى نتائج.
ولذلك تحدّث مجلس الأمن بكل وضوح عن ضرورة إنشاء روح الواقعية والتسوية وتوسيع مختلف الأطراف المعنية لمواقفهم”.
ما هو الجواب الرسمي الجزائري للديبلوماسي الأمريكي؟ وإن وقع التجاوب مع التوجهات الأمريكية كيف ستبرر السلطاتُ الأمرَ للجزائريين الذين طُلب منهم أن يتبنوا الخطاب الرسمي في هذا الشأن لعقود من الزمن دون أي فرصة لرأي آخر ولو في الهوامش الثانوية؟ أم أن للسلطات خطة أخرى تتحدى بها المسلمات الأمريكية التي عبر عنها “جوشيا هاريس”؟ و ما علاقة هذا أو ذاك بالانتخابات الرئاسية المرتقبة؟ ليس الوقت مناسبا لأناقش الخيارات بعمق ولكنه وقت للانتظار والتحليل والترقب، ولا بد في يوم من الأيام أن يُفتح ملف الصحراء الغربية للنقاش المجتمعي لتكون الحلول جزائرية مغاربية بلا خضوع للضغوطات أو الإغراءات الأجنبية، وبلا حسابات سلطوية أو مصالح شخصية أو فئوية وبما يحقق مصالح الشعوب وما يجسد تحقيق حلم المغرب العربي لصالح المواطنين بكل سيادة.
يتبع..
د. عبد الرزاق مقري